وتلك هي قيمة الإنسان المادية. صحيح أن في الإنسان عقلاً يمتاز به، ولكن ما العقل عند الماديين؟ إن الكبد كما تفرز الصفراء يفرز المخ التفكير. لا روح هناك ولا نفخة من السماء يختص بها هذا الكائن الفذ..!! * * * والماديون قد نجحوا في اقتحام آفاق عظيمة، وسبقوا غيرهم أو حاذوهم في ميدان الكشوف العلمية والتصنيع والإنتاج. بيد أن هذا السبق مقرون بخيال ولعنة، ويخشى أن يفتح على العالم كله أبواب دمار، تشعل في أرجائه النار. وتفوق الماديين لا يعود إلى قدرتهم الذاتية، ولا يعود بداهة إلى صواب منهجهم الفكري، بل يعود إلى الوهن النفسي الذي أصاب أهل الأديان، وإلى فساد ما بأيديهم من معنويات. إن التدين الفاسد يحدث في خصائص الإنسان العليا ما تحدثه السموم في الأبدان، أو ما تحدثه مياه النار إذا رميت بها الوجوه الحسان. لن ترى إلا سقامًا وتشويقًا... وانظر إلى قوله الله عز وجل :" كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم ". تأمل كيف حصر الاختلاف بين أتباع أولئك النبيين، وكيف جعل سره البغي، وما يحف بالبغي من أثرة وحقد، واستعلاء وظلم وحروب ومآثم، وفساد الحكم على القيمة الحقيقية للإنسان، وعلى الوظيفة الطبيعية له في الحياة كان أهم سبب لتأخر المتدينين على ظهر هذه الأرض... ص _٠٥١


الصفحة التالية
Icon