الحياة العامة في القرآن أثر البيئة في السلوك الإنساني غير منكور، بل الرأي الراجح أنها أقوى من الوراثة في تكوين الخلق وفي توجيه المرء إلى مستقبله. وأعنى بالبيئة كل ما يحيط بالإنسان منذ ولادته إلى أن يموت. البيت الذي يحيا فيه، والحي الذي يتصل ببيته، والمدرسة التي يتلقى علومه فيها، والأتراب الذين يصطفيهم، والكتب التي يطالعها، والإذاعات التي يسمعها، والمناظر التي يشهدها، والحكم الذي يسيطر عليه، ونوعه، وعواطف الجمهور نحوه. بل العوامل الجغرافية، والاقتصادية، والأوضاع المحلية والعالمية، كل ذلك له دخل كبير في حياة الإنسان، وصياغة أفكاره ومشاعره، وصبغ أحواله وأعماله. وأي نظام ينشد للفرد وجهة خاصة لا يمكن البتة أن يتجاهل ضغط البيئة على الفرد ووحيها الخفي والجلي الذي يسيره كيف يشاء... ونحن- في مجتمعنا المصري نلمس قدرة الأغاني الخليعة والصور العارية على استثارة الغرائز الدنيا، ونلمس قدرة الكتابات المنحرفة على الاعوجاج بمقادات الناشئة الغضة، ونلمس قدرة الغزو الثقافي على المحو والإثبات في حضارتنا الموروثة، ونلمس فشل دعاة الدين في صنع شيء طائل لأن امتلاكهم للآذان نصف ساعة في اليوم لا يجدي فتيلاً أمام صنوف الموثرات التي تطفح بها البيئة ليلاً ونهارًا. والتي تجعل جهود المرشدين كمن يحاول إصلاح مياه البحر الأحمر ببضعة قناطير من السكر.. السيطرة على البيئة إذن ضرورة لابد منها لكل رسالة جادة. ولذلك كان الإسلام دينًا يشرع للنفس والمجتمع والدولة على سواء. وكان كتابه مفعمًا بالتعاليم التي تتناول العلاقات الخاصة والعامة، وتوجه المرء في البيت والطريق، وفي الحرفة التي يتكسب منها. وكان تبيانًا لكل شيء يؤثر في المرء أو يتأثر به، فحينما تحرك يجد شارات تلفت نظره إلى الصراط المستقيم، وترغبه فيما ينفع، وترهبه مما يضر. ص _٠٥٥