وشرائع الإسلام للأحوال الشخصية والتجارية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية تتضافر كلها على إيجاد بيئة صالحة، لها رسالة نبيلة، يدور أعضاؤها وتلتحم أجزاؤها في نظام رتيب يشبه مملكة النحل في خلاياها. ولئن كان امتلاك الحياة العامة ضرورة لصيانة الأجيال الناشئة، إنه لضرورة كذلك لتنسيق جهود الأفراد وتوجيهها إلى غاية صالحة، ومنع أسباب الصدام والحيف من أن تثير الفوضى في أرجائها. وهناك صور للحياة العامة كما ينشدها الإسلام، نأخذها من أواخر سورة الحج :" يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون * وجاهدوا في الله حق جهاده ". * فالصلاة فريضة موقوتة، تصل الإنسان برب العالمين، وترده إليه كلما شغلته الحياة، وأتاهت لبه في مطالبها ومتاعبها. * وعبادة الله أمر أوسع من الصلاة، والدائرة التي تتم فيها تكتنف حركات الإنسان وسكناته في الشارع، والديوان والحقل، وتصبغ نفسه بشعور من هيبة الله وتقواه، يعصم من الزلل، ويبعد عن الخطل. * وفعل الخير ميدان رحيب الأقطار، فياض بالرحمة والمودة والسماحة، يجعل الإنسان سلامًا مع الإنس والجن والطير، برًّا بالمؤمن والكافر، يسدي عونه لكل محتاج، كما يسدي المصباح ضوءه لكل سار. * والجهاد في الله حق جهاده ميدان أرحب وأرحب، فهو تعبئة للقوى المادية والأدبية والخصائص النفسية والاجتماعية، وحشد لها في صعيد واحد، كي تعمل جميعًا في تكافل ووئام لخدمة المثل العليا في الدين وتثبيت قواعدها ومد رواقها. ص _٠٥٦


الصفحة التالية
Icon