الحياة العامة في أيدي رجال يقصون تعاليم الدين عن البت في كل شأن طائل، ويرسلون للشهوات حبلها على غاربها لا يجرؤ أحد على الوقوف في طريقها، وهي تعربد وتجتاح. وقد امتلأ القرآن بالنذر التي تحذر من الفساد، وتحض على الاستقامة، وازدحمت في صحائفه القصص التي تصور مصير القرى الظالمة، وخواتيم الحياة الضالة التي اكتفت الأمم الأولى، الأمم التي أهملت الصلاة والزكاة والصيام، وقل اكتراثها بهذه الفروض المقدسة، وشاعت فيها رذائل الغش والرشوة، والظلم، والزنا، واللواطة، والسكر والجبروت. " ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون * ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون ". وقد أرشد القرآن إلى ضرورة قيام المجتمع على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضرورة قيام الحكم على أهداف الرسالة التي شرحت السماء أصولها، وخطت سبلها، كما أرشد القرآن إلى أن الأمة الإسلامية- بعد استقامة داخلها على ما ذكرنا- يجب أن تستعد لجهاد المبطلين إذا حدثتهم أنفسهم بالتعرض لها. وفي القرآن الكريم حديث مستفيض عن هذا الجهاد الواجب وتحديد لغاياته، وإيضاح للأحوال النفسية التي تكتنفه أولاً وآخرًا. وهكذا ترى الحياة العامة في القرآن الكريم متناولة بأدق بيان وأحكم ميزان، وأن الإسلام تناولها من الناحية الثابتة التي لا يعروها تغير على اختلاف الزمان. أما الوسائل المتجددة فقد تركها القرآن للاجتهاد المطلق، يتصرف الناس في رسمها كما يلوح لهم حينًا بعد حين. ص _٠٥٨


الصفحة التالية
Icon