على أن هذا العالم لا تنشق الأرض عن خيره، ولا يهبط النعيم من سمائه، دون سعي من الإنسان، أو دون استثارة تجيء فيها النتائج على قدر الكفاح المبذول. كلا كلا. فلا حصاد دون غرس، ولا وفرة في الإنتاج دون كثرة في الجهود. وما الذي يشغل البشر عن هذا الكدح المطلوب؟!! حقيقة أن الله كلفهم بعبادته. بيد أن العبادات ذات الصور المعينة لا تستغرق من أوقاتهم شيئًا يذكر، ولا يمكن لعاقل أن يرى فيها حائلاً عن العمل في ذلك الكون الممهد!! لقد تتبعنا ما يصرف الناس عن أداء وظيفتهم العمرانية. فوجدنا بعضه رسومًا دينية مكذوبة، ووجدنا بعضه الآخر مسخًا عن الفطر، وعجزًا شل المواهب. ولعل من أكرب مآسي الحياة الدنيا في هذا العصر أن المسلمين الذين يتلون القرآن الكريم، هم أبين الناس فاقة على ظهر الأرض، وأقلهم جهدًا، وأقلهم إنتاجًا. وقد نددنا في كتب أخرى بقصة الفقر العربي الذي يمشي على أرض من الذهب، وتتابعت الأحداث في السنين الأخيرة لتؤكد أن هذه القصة الأسيفة لم تنته بعد. كان جبل ( المكبر ) في أيدي الأردنيين أجرد المناكب، مقفر الأرجاء، فلما استولى عليه اليهود لم تمض أيام حتى شجروه..!! وكانت بحيرة " الحولة " على حدود سوريا مجموعة من المستنقعات العفنة لا نفع منها، فإذا اليهود يجففونها ويحرثون أرضها للزراعة..!! ومررت بأرض " رفح " وهي قاع أملس لا حياة فيه، فلما وصل إليها اليهود إبان العدوان الثلاثي لم تمض شهور قلائل حتى مدوا مواسير المياه إليها وشرعوا في تمهيدها للحبوب والفاكهة!! يا غوثاه!! هذه أرضنا فكيف نحيا فوقها هملا؟!! وكيف نتحول عنها ليجيء من يقدرها، ويجعلها مزدهرة بالحرث والنسل.. ؟؟ ص _٠٦١