" الحق أن هناك تصويرين مختلفين لحقيقة الله تقدمهما لنا الأديان، فبعض الأديان تتصور الله على أنه موجود وجودًا متعاليًا على هذا الكون غير باطن فيه، والبعض الآخر يتصوره على أنه مباطن للكون وللإنسان معًا، والإسلام هو صاحب التصور الأول لله، أما المسيحية فهي صاحبة التصور الأخير، الله في الإسلام. " عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ". يقول الغزالي: " مستو على العرش استواء منزهًا عن المماسة والاستقرار، بائن عن خلقه بصفاته، مقدس عن التغير والانتقال "... " أما إله المسيحية: فهو إله باطن في الكون، ممتزج بهذه الحياة. يقول إنجيل يوحنا على لسان عيسى: " إني أنا حي فأنتم ستحيون. في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي، وأنتم وأنا فيكم ". " وتصور المسيحيين لله لا يتم إلا بنزوله إلى مملكة الأرض في لحظ مختارة من الزمان، وحلوله في الناسوت في صورة المسيح عيسى، وهذا لا يتم إلا بحضور الله في الطبيعة وبإخضاع حركتها لحركته، وبحلوله فضلاً عن ذلك في الجسد البشري وامتزاجه بالدم الإنساني ". وغني عن البيان أن الإسلام يعتبر هذا الكلام أخيلة سقيمة، وينزه العقل البشري عن قوله وعن قبوله ويقصيه إقصاء تامًّا عن مجال النظر بله مجال الاعتقاد. والكلام عن تسبيح الله وتحميده، وتنزيهه وتوحيده، إنما يجيء عقب الاعتراف بوجوده. ولما كان وجود الله بديهية ينساق إليها العقل كما ينساق التيار إلى قراره؛ فإن القرآن الكريم لم يكترث بشبهات الملحدين اكتراث من يحارب في معركة عنيفة المقاومة، بل تصدى لدحض هذه الشبهة كما يتصدى الفيلسوف لتعليم صبية ومسح ما على أذهانهم من غشاوة. ص _٠٦٥


الصفحة التالية
Icon