أقول: وهذا الكلام يحتاج إلى بقية توضح دلالته. فإن علوم الشريعة لا صلة لها بعلوم المادة، فأصول العقائد والعبادات وفروعها وأنواع التوجيهات الإنسانية والتقاليد الاجتماعية التي رسم الوحي معالمها، والحدود والأحكام التي بين الشارع الحكيم أعدادها وأحوالها، وشئون الغيب التي شرحت لنا الدار الآخرة وما يلقاه العباد على اختلاف خواتيمهم فيها، وذكر الملائكة والجن والروح، وما إلى ذلك من معارف، هذه جميعًا لا صلة لعلوم المادة بها. ولا يجوز الخلط بين مصادر العلم هنا ومصادر العلم هناك. أما بناء الإيمان بالله، والإقرار بوجوده على أدلة مادية، تشترك في إقامتها العقول والحواس، فذلك ما لا يمكن فصم الروابط فيه بين المادة والدين..!! فبالمنطق المادي البحت، وبأدلته المؤسسة لليقين، نجزم بأن الكائنات لم توجد من عدم. ونجزم بأنها لا توجد نفسها، بله أن نوجد ما هو أعلى منها. ونجزم بأن لها خالقًا أضفى عليها الوجود من وجوده، ومد لها البقاء بإرادته، ونسق لها قوانين محكمة تسير عليها بدقة تثير التأمل العميق، وتلفت الأنظار والفطر إلى جلال البارئ الأعلى. وتلك هي صلة العلم بالدين. ثم تنفصل بعد ذلك " سبل المعرفة. فما جاء من عند الله وعلى لسان أنبيائه فلا صلة للعلم به، وإلا... فإن العلم حر في بحثه ونتائجه. وليس هذا تحكمًا، فإن ما وراء المادة لا دخل للمادة فيه، وما هو من صميم المادة لا دخل للدين فيه!! السؤال الثاني: هل أسباب المعرفة تنحصر في المشاهدة والتجربة، بحيث لا يحق لأحد أن يؤمن بوجود شيء إلا بعد أن يراه ويلمسه؟ لا أظن أن أحدًا يلتزم بهذا حتى: " مصطفى محمود " والذين يقولون بأفواههم إننا لا نصدق إلا العيان والمشاهدة، بل إن هؤلاء يؤمنون ويتحدثون عن أشياء وأشياء ص _٠٦٨


الصفحة التالية
Icon