كأنها جزء منهم، مع أنهم لم يلمسوها، وهذا العقل، وهذه الذرة والجاذبية والإلكترون، والحركة الدائبة في الحجر الأصم، والصخرة الجامدة كلها حقائق يؤمن بها العلماء، ويبنون عليها آراءهم ونظرياتهم وأعمالهم، مع أنه ما من عالم منهم رآها بالذات. إذن ليس من الضروري لنؤمن بشيء أن نراه رأي العين، فقد نؤمن بما نراه استنباطًا واستنتاجًا من المعقولات، وربما لا نؤمن بما نراه رأي العين احتراسًا من خداع العيون. كان علماء الطبيعة قبل تفجير الذرة يقولون: إن الجوهر المادي لا يمكن إبادته، وبنوا قولهم هذا على أوطد أسس التجربة المحسوسة، ولكنهم بعد تفجير الذرة قالوا: إن المادة تتلاشى وتزول، وإذا وجب أن نطرح حكم العقل؛ لأنه يخطئ في بعض الأحيان، وجب أيضًا ألا نأخذ بالأفكار التي تأتي نتاجًا وانعكاسًا للتجربة والنشاط العملي. السؤال الثالث: هل في مقدور العلم أن يخلق مادة حية لها من النمو والحركة ما لأحط الأحياء؟ هل يستطيع العلماء أن يخلقوا نملة أو نحلة لها فطرة الكدح والادخار والنظام؟ لقد جربوا وبذلوا كل الجهود فأتوا بكائن منحط ظنوه شبيهًا بالحي، وبعد الدرس والتمحيص اتضح لهم أنه أبعد ما يكون عن الكائنات الحية بمعناها الحقيقي، وغريب حقًّا أن يؤمن " مصطفى محمود " بالعلم، ثم يكفر بخالق الكون والإنسان!. السؤال الرابع: هل نحن وكل ما عدانا من الكواكب وما فيها من مقومات الحياة والنظام والترتيب وجد صدفة دون تصميم وقصد؟! وهنا يجيب " مصطفى محمود " بأن الاستدلال على وجود الله بقانون السببية مغالطة وخطأ؛ لأن القول بأن الحركة تحتاج إلى محرك، والنظام إلى منظم، والوجود إلى موجد إنما ينطبق على الحوادث الجزئية التي تقع في الطبيعة. أما الطبيعة نفسها فلا يحتاج وجودها إلى سبب، بل هي غاية وسبب في ذاتها، ولا تفتقر إلى من يوجدها. ص _٠٦٩


الصفحة التالية
Icon