فصاحب الكتاب يسلم بقانون السببية. ولكنه يخصه بالأحداث الجزئية دون السبب الكلي. فالباب يصفق لأن الرياح تهب، والرياح تهب؛ لأن هناك تخلخلاً في الجو، أما الوجود بمجموعه فغني عن كل سبب. والذي حمل "مصطفى" على هذا التفصيل أنه رأى بعينه أسباب الحوادث الجزئية، فقال بأن لحركتها محركًا، ولم ير السبب الأول للكون، ولم ينظر إليه بعينه، ولم يلمسه بيده فجزم بأنه لا شيء وراء الطبيعة!. وكأنه يقول: كل مالا يثبت بالمشاهدة لا يمكن أن يكون صحيحًا. ونحن بدورنا نطالبه أن يثبت هذا القول بالمشاهدة، وإلا كان دعوى بلا دليل!. ومن قال لك: كل ما تسمعه فهو كذب، فقد حكم على نفسه بأنه كاذب؛ لأن القضية تشمل نفسها، وما أشبه قول د/ مصطفى محمود بقول السفسطائيين بأن الأشياء لا حقيقة لها أبدًا؛ لأنه يجوز ألا تكون على ما نشاهدها ونراها، وأجيبوا بأنه: على منطقكم هذا لا نستطيع أن نحكم بوجودكم لأنه من الجائز أن تكونوا غير موجودين!!. وعلى أي الأحوال فإن الفصل بين الحادث الكلي والحدث الجزئي خطأ ظاهر؛ لأن قانون السببية عقلي، والقوانين العقلية لا تقبل التخصيص والاستثناء، وإنما تقبله القوانين الوضعية والتشريعية، مثلاً لنا أن نضع قانونًا ينص على أن كل من يخالف السير يعاقب بكذا إلا إذا كان غريبًا عن الوطن، وليس لنا أن نقول بأن المساويين لثالث متساويان إلا إذا كان من خشب! لأن حكم العقل لا يقبل الاستثناء، ولم أر واحدًا من القائلين بقانون السببية فرق بين الحادث الجزئي والحادث الكلي. ومن هنا تخصص فريق لمعرفة أسباب الأنواع الخاصة كالحيوان والنبات والمعادن، وفريق آخر تخصص لمعرفة أسباب الكون بمجموعه كوحدة مترابطة، ويسمى الفريق الأول العلماء والفريق الثاني الفلاسفة والمتخصصون بشئون النبات، والمتخصصون بشئون الحيوان، وعلماء الكيمياء يعتمدون على الحس والتجربة، ويتخذون من ص _٠٧٠


الصفحة التالية
Icon