وما يخفى وراءه من عقل جبار لو اجتمعت كل أفكار البشر إلى جانبه لما كونت غير شعاع ضئيل أقرب القول فيه أنه لا شيء...!! ". ص _٠٧٢
ولو وجد التصميم والترتيب بطريق المصادفة لأمكن أن تقرأ كتابًا مرتبًا ومبوبًا يحمل اسم " مصطفى " دون أن تمسه يد مريد... مع أنه لو جمعنا ألوف الألوف من حروف الطباعة، ووضعناها ضمن صندوق وحركناه ألف عام؛ لما رسم لنا صفحة من كتاب، ولا بيتًا من شعر، ولا اسمًا من الأسماء، حتى اسم " مصطفى محمود "!. وأظن أن صاحب الكتاب قد تنبه إلى هذا الرد، لذا تجنب التعبير بالمصادفة حتى لا يقع في هذا المحذور، ولكنه وقع في محذور غيره، حيث قال في صفحة ١٢٧: " إن للوجود موجدًا بالبديهة، فمدعيه لا يحتاج إلى دليل، وهو قديم ممتد من الأزل إلى الأبد ". ويلاحظ عليه بأن الوجود موجود، وهذا صحيح. ولكن القول بأن العالم الموجود قديم لا أول له، كالقول بأنه حادث له أول وآخر، كلاهما يحتاج إلى دليل، عينًا كمسألة البيضة والدجاجة، فالادعاء بأن البيضة أصل ليس بأولى من الادعاء بأن الدجاجة هي أصل!، ولا يتعين أحدهما إلا بدليل. ولا أدري كيف جزم وحكم د/ مصطفى محمود بأن قدم الوجود بديهي، مع أنه - أي مصطفى محمود- لا يؤمن إلا بالحس والمشاهدة؟! وإذا دل هذا التهافت على شيء فإنما يدل على أنه لا مناص من اللجوء إلى الاستنباط لإثبات كثير من الحقائق، ومنها وجود المدبر الحكيم لهذا الكون الرائع، ونظامه العجيب، ومن رفض الاستعانة بهذا الدليل، وأبى إلا الاعتماد على المشاهدة وحدها، فلابد أن يقع في الخطأ الذي وقع فيه صاحب كتاب " الله والإنسان "، وهو الحكم بغير دليل، لا من المشاهدة والتجربة، ولا من العقل والاستنتاج. ولابد أن يصيبه ما أصاب الغراب من إضاعة المشيتين "( أ. هـ). والمؤسف أن الملحدين فشا شرهم بغتة في أقطار الشرق، وأساءوا أبلغ إساءة إلى كيانه المادي والأدبي؛ فقد شتتوا فكره، وبددوا قواه، وجعلوا السبل تتشابه


الصفحة التالية
Icon