النبوات في القرآن إذا كان الفكر الإنساني هو اللجوء إلى الحدس والتخمين في تعرف الحقائق العليا والاهتداء إلى الصواب مرة، والرجوع في الخطأ ألف مرة؛ فإن الفلاسفة الماديين هم بلا نزاع قادة الفكر الإنساني..!! وإذا كان الفكر الإنساني هو الوصول إلى تلك الحقائق من أقصر طريق، والتقاطها ناضجة رائقة، ثم تكريس الوقت للانتفاع بها.. فإن الأنبياء هم من غير جدل القادة الأصلاء للفكر الإنساني. إن هؤلاء الرجال الذين اختارهم الله سفراء إلى خلقه يؤدون رسالات عظيمة الشأن، فهم يبلغون عن الله أمورًا لا يستغني الناس قاطبة عن ذرة منها. العامة والخاصة سواء في حاجتهم إلى معرفة ما أنزل الله لهم على ألسنة أولئك المرسلين الكرام. نعم، ربما وصل أولو النهى إلى بعض الحقائق التي ينقلها النبيون عن رب العالمين، غير أن وصولهم إلى جملة الحقائق التي لابد منها لصلاح الناس مستحيل، والقليل الذي يوفقون إلى فقهه يعبرون إليه جسورًا من التجارب والمتاعب تستغرق السنين. أما الاستماع إلى الرسل والتلقي عنهم فهو يختصر تلك المتاعب الباطلة، والتجارب الفاشلة، ويقف الناس وجهًا لوجه أمام الحق الذي إليه يفتقرون. وذلك فيما يبلغونه وحدهم من حقائق بعد لأي. أما مالا يدركونه وحدهم أبدًا فإن الرسل تلقيه بين الأيدي جنى قريبًا ودواء ميسرًا. وما على الناس بعد الظفر به إلا أن يعملوا به ويمشوا في حياتهم على سناه. ولا تحسبن تقدم العلم واتساع دائرة المعارف الإنسانية يغني فتيلاً عن الوحي الإلهي، والارتباط بما أثر عن النبيين والأقدمين. كلا كلا، فإن علل النفوس والجماعات لم تتغير منذ الأزل، والحاجة إلى الطلب لها من دين الله لم تنقص قط، بل لقد ازدادت واشتدت. فإن أهواء الناس ضربت على تقدم المعرفة، واتسع نطاق الفتك والجور، وتشعبت ص _٠٧٥


الصفحة التالية
Icon