أجل: إن الله الهادي، الله النور، الله المقسط، لا يدع عباده حيارى من غير بيان يبصرون به مواقع أقدامهم. وأمل صادق يبعث الحياة في مستقبلهم ويملأ بالنشاط يومهم؛ ولذلك أرسل أنبياءه لهم، وأقام في كل أمة من يشق لها الحجب، ويبعث في أفئدتها الضياء. " إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ". وربما لا نعرف أسماء أولئك الدعاة الذين سيشهدون على الناس يوم الحساب غير أننا نوقن بأن الله لا يناقش الحساب أحدًا يجهل أصل الرسالة وفحوى الدعوة لأن عذره قائم: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ". والكفر الحقيقي- في نظرنا- جحد الحق بعد ما اتضح للبصيرة جوهره، وتألق أمامها شعاعه، ومن ثم فالهمل الذين لم تبلغهم دعوة الحق بأسلوب يحمل في طياته دواعي قبوله، يسمون كفارَا على المجاز، وإلا فهم جهال فحسب.. وقد كان الأنبياء- ومن خلفهم على رسالاتهم- نماذج جيدة في التحدث عن الله بألسنتهم، وكانوا- قبل ذلك وبعده- نماذج أجود في جذب الناس إلى الله بطيب أنفسهم، ونقاء معدنهم، وصفاء حيرتهم، ووصولهم في مدارج الكمال الإنساني إلى ذروة تزرع الإعجاب في القلوب وتذر الأتباع عشاقًا لشمائلهم، فهم يضحون تحت أقدامهم بالنفس والنفيس عن رغبة عميقة وعن رضا كبير. والمرسلون جميعًا من هذا الطراز السامي، وإن كان محمد بن عبد الله- خاتم النبيين- قد أوتي في هذا المضمار حظًّا من المجادة والشموخ، لا يعرف لنبي من قبل. وذلك لأن الخصائص العظيمة التي توزعت عليهم تجمعت فيه، والحكم الكثيرة التي نطقوا بها لخصت في كتابه: فمن أراد اتباع موسى فعليه بالقرآن. ص _٠٧٧


الصفحة التالية
Icon