الجزاء في القرآن العالم الذي نعيش فيه الآن لا يحفل باليوم الآخر. ولا يكترث لمجيئه، ولا يستعد له الاستعداد اللائق به! لعله لا يؤمن بصدق الأخبار عنه! فهو أميل إلى الشك منه إلى الثقة. كما قال الله ـ عز وجل ـ في بعض الناس :" وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ". أو لعله ينتظر قدومه ويعرف أنه حق. ولكنه كالذي تناول " بنجًا ". فهو غائب عن وعيه. نشوان بسكرة الدنيا. تتراءى له الأشخاص أشباحًا، ولا تتماسك صورها في ذهنه، فما يعرف كيف يصنع بإزائها.. أو لعل الأمر مزيج من التكذيب والذهول جميعًا. فإن غلبة التفكير المادي جعل جمعًا غفيرًا من أهل الأرض يظنون البعث خرافة علمية، ثم انضم إلى ذلك تشبث غرائزهم بمتاع الدنيا، وحرصهم البالغ على التهام ما أمكن منها، الواجد يطلب المزيد. والمحروم يطلب الجدة. فتكون من غلبة الشهوات على القلب، وغلبة الأخطاء على الفكر أن صار الناس يحيون ليومهم فحسب، ويفكرون في أشخاصهم وحدها. كالسجين في حجرة لا نوافذ لها ولا أبواب. أينما رمى ببصره لا يرى إلا جدرانها.. كذلك المكذبون باليوم الآخر لا يحسون إلا أنفسهم وحاضرهم، ولا يبصرون إلا مآربهم ورغائبهم. أما الله.... أما اليوم الآخر فدونهما حجب وحجب!!. ومن اليسير علينا أن نحكم بأن الجزاء الأخروي عند أهل الشرق والغرب مسألة لا يحسن التعرض لها ولا التخويف بها، بل إن تطرقها إلى أفئدة الساسة والقادة وحملة الآداب والفنون وغير هؤلاء وأولئك، أمر مستبعد إن لم يكن مستحيلاً...! ص _٠٧٩


الصفحة التالية
Icon