لذلك كله أطال القرآن الكريم الحديث في إثبات الموت والبعث والجزاء، وأطال التذكير بهذه الحقائق التي عميت الجماهير عنها، أو نقصت من أقدارها. وعرض القرآن أمام الأعين حيثما التفتت صورًا شتى لنذر الفناء الأخير، ومشاهد الحساب الدقيق. وكانت صرخات الآي الهادرة بحقائق البعث والجزاء بعيدة المدى، نافذة الدوي، تستفز العواطف الهاجعة، فتبعثها فزعة، وتستجمع الأفكار المشتتة لترغمها على الاقتناع بأن اليوم الآخر حق، وأن الأدلة على قدومه الأكيدة لا ترد، وأن إدخال حسابه في السلوك الخاص والعام لا محيص عنه... والصور التي تلوح للناس بين الحين والحين لتقطع آمال الخلود في الدنيا ولتكشف أن الدنيا هذه منقضية منتهية، كثيرة في القرآن.. أترى هذه الشمس في ضحاها وأصيلها تملأ العالم بالدفء والضوء؟! أترى القمر والليل ساج يرسل أشعته الحالمة مغريًا- كما يقول الشعراء- بالقريض والحب؟! أترى البر والبحر وما يعجان به من حياة وأحياء؟! ذلك كله سيزول!! "إذا الشمس كورت * وإذا النجوم انكدرت * وإذا الجبال سيرت * وإذا العشار عطلت * وإذا الوحوش حشرت * وإذا البحار سجرت * وإذا النفوس زوجت * وإذا الموؤدة سئلت * بأي ذنب قتلت * وإذا الصحف نشرت * وإذا السماء كشطت * وإذا الجحيم سعرت * وإذا الجنة أزلفت * علمت نفس ما أحضرت". أي الله!! ولقد خالجني شعور غريب في ليلة رائقة، وأنا على شاطئ النيل في قريتنا الصغيرة. كنت أشعر بشيء من الإعزاز لهذا العالم، الأرض الخصبة التي تهتز بالزراعة، وتزدان بالفاكهة وحب الحصيد، والنهر المنساب في صمت، لا يهدر له موج. ولا يسمع له مد ولا جزر.. ص _٠٨٠


الصفحة التالية
Icon