والقبة الزرقاء تبرق في جوانبها النجوم، وتسبح في آفاق مترامية النوى، والعافية - أمدنا الله بها وحفظها علينا- تجعل الساري الوادع يملأ صدره من الهواء النقي، ويستقبل الحياة بذخر من الرضا والتفاؤل... ثم تذكرت بغتة أن ذلك المنظر سيختفي حتمًا، وأن السماء والماء والهواء والمزروع والمصنوع ستبلغ أجلها ثم تتلاشى! لقد شعرت- والحق يقال- بأنها خسارة فادحة أن تمحى كل هاتيك المعالم الجميلة..! بيد أن ذلك لم يلبث أن أعقبه شعور آخر، شعور بأن الذي يطوي هذا العالم سوف يخلق أجمل منه وأحلى في العين والمذاق، وسوف يخلفه لا تنغيص فيه ولا لغو ولا تأثيم، وسوف يمرح فيه- فحسب- من يشكرون الصنيع، ويقدرون صاحبه.. أعني المؤمنين الطيبين. " وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين * وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ". وقد أفاض القرآن الكريم في ذكر الحشر والنشر. ودقة الحساب وعدالته، وبين أن الأجزية المنوه بها معدة للإنسان الذي رشحته أعماله لها، والإنسان كائن مادي روحي معًا. هذه طبيعته التي عاش بها واقترف بها الحسنات والسيئات، فكيف يتصور خروجه عن هذه الطبيعة عندما يلقى عقابه أو ثوابه. ؟! إن الذين يطعنون في الأجزية المادية، ويعمدون إلى تأويل الآيات على غير الظاهر القريب منها يغالطون أنفسهم، ويجورون على الواقع. والغريب أننا نسمع الآن كلامًا عن الحياة في الكواكب. أو على الأقل الحياة على المستوى الذي يفقد فيه الإنسان وزنه لإفلاته من جاذبية الأرض إن العلماء الذين يتحدثون في هذا الموضوع يقولون: إن الزمن سيتغير، وإن الإنسان المحدود العمر هنا سيتطاول عمره هناك؛ لأن السنة الأرضية مثقلة بعلل تختصر الآجال، أما طبيعة العيش في أعلى فأنظف من ذلك وأنقى. ص _٠٨١


الصفحة التالية
Icon