وهذا كلام يلقي ضوءًا خافتًا على معنى الخلود الذي تتصف به الدار الآخرة، ويجعلنا نقصر الكلام في قياس الغائب على المشاهد، أو نرسل قضايا متهافتة عن النعيم الروحي، والجحيم الروحي، أو نتساءل كيف تشهد الجلود والأسماع والأبصار على أصحابها بما كانوا يعملون في الدنيا...!! إن القرآن صريح في وصفه للجنة وما حوت من أزهار وأطيار وحسان، وفي وصفه للنار وما حوت من نكال وألوان وهوان... وهذه الأوصاف تستقيم مع طباع الناس، وتكافئ ما يستحقون من مثوبة أو عقوبة. " فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم * وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين * وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم * إن هذا لهو حق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم ". ووصف الجنة أو النار بهذه النعوت الواضحة له ناحيتان: الأولى: تقرير الحقيقة كما أوجدها الله، وذكر للشيء بطبيعته المجردة... والأخرى: غرس هذه الحقائق في ميادين التعليم والتربية والوعظ والإرشاد لتساعد فطام العصاة عن الرزائل، وإغراء الأتقياء بالفضائل. فالإنسان يعينه على الحق أن يرتقب الخير من فعله، ويزجره عن الشر أن يتوقع الدواهي من ارتكابه.. وذاك سر كثرة الترغيب والترهيب في القرآن... واللذة والألم قوانين نفسانية قديمة، وتجاهلها إغماض عن حقائق قائمة، والزعم بأن الإنسان قد يعلو على اللذة والألم، أو بتعبير دقيق: يتخلص من كل إحساس مادي للسعادة والشقاء... وهم بعيد. ص _٠٨٢


الصفحة التالية
Icon