نعم قد تزكو الروح، وتتقد فيها معاني الكرامة العليا، فينبعث المرء إلى فعل الواجب عن حماس للخير، وإلى ترك الرذيلة عن غضاضة من الشر.. وقديمًا وصف الصحابي الطيب " صهيب الرومي " بهذه الكلمة الجميلة: " نعم العبد صهيب. لو لم يخف الله لم يعصه ". بيد أن أصحاب هذه الأرواح الزاكية لا يمكن القول بأنهم فقدوا الطبيعة الآدمية في التألم من الإيذاء والإيجاع والرضا بالسعادة والتكريم... ونحن لا نفهم من التلويح بالأجزية المادية والإسهاب في ذكرها- على النحو الذي جاء به القرآن- لا نفهم من ذلك أن الأجزية الروحية مفقودة أو مؤخرة عن رتبتها. فقد قال الله عز وجل: " وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ". فانظر بعدما سيق الجزاء الموعود كيف أعقبته جملة منفصلة تنوه بقيمة الرضوان الإلهي وارتفاع درجته... إن الإنسان يهش للعيشة السعيدة و يطيب مقامه في كنفها، ويكره الحياة الضنكة، ويود لو يفارقها في أقرب فرصة، وكونه نبيًّا أو فيلسوفًا أو رجلاً من سواد الجماهير لا يغير من هذه الحقيقة الخالدة. ونحن بالاستقراء لأصحاب الامتياز العقلي من ساسة وقادة ومفكرين ومخترعين ترى سوادهم الأعظم يحب أن يحصن مكانته الأدبية بضمانات مادية، ويؤثر أن يعيش في بيت رحب يتوسط حديقة نقية، وتتوفر فيه لنفسه ولأسرته أسباب المتع والراحة. فلماذا نكابر في منطق الفطرة الإنسانية، ونزعم أن الأجزية المادية سقوط أو هبوط بأقدار البشر؟! ولماذا يتهكم البعض من الجنة الموعودة وما فيها من ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون، أو يسخر من النار الموقدة، وما فيها من زقوم وغسلين، وعذاب مهين؟؟! ص _٠٨٣


الصفحة التالية
Icon