الأنبياء؛ فإن الرسول الخاتم ـ ﷺ ـ جاء منفذًا لتراث الذين سبقوه، وبانيًا على قواعده، وملتئمًا مع أهدافه. وكتابه أدق تعبير وأصدقه في بيان ما قال نوح لقومه وما قال إبراهيم لقومه، وما هدى به كل نبي في الأولين أمته. إن القرآن هداية الله للحياة كلها. إن كانت آيات الكون صامتة يستنبط الناس منها الفكرة، ويستخلصون منها العبرة، فآيات القرآن ناطقة تعرف الناس بربهم، وتتولى إليه قيادهم... وإن كان الله قد خلق هذا العالم الكبير، وأسكن أبناء آدم جانبًا منه، ومنحهم الأبصار النافذة المشتاقة إلى تعرف ما بين يديها وما خلفها؛ فهو- جل شأنه- لم يتركهم حيارى يخبطون في بيداء ليس لها دليل، كلا، إن معهم الدليل الهادي إلى الخير، الخبير بالمشابه والدروب، الذي لا يضل ولا يزيغ. نعم. معهم هداية الله التي توارث الأنبياء إبلاغها، وأجهدوا أنفسهم في نصح الناس بها. تلك الهداية التي صبحت الركب الإنساني من بداية الطريق، ثم تدرجت في أطوار شتى مع التاريخ السائر الدؤوب، ثم انتهت إلى صبغتها الأخيرة ووضعها الثابت في ذلك الكتاب العزيز، ثم كتب لها الخلود لتبقى أبدًا منارة الحق، ومثابة الرشد!! إن الذي خلق الحياة مغلقة بأسرار كثيفة أبى أن يجعل الحياة لغزًا معضلاً لمن يمرون بها، فجعل " الدين " مفتاح الإغلاق، وجعل " القرآن " مصدر الدين، وجماع تعاليمه من الأزل إلى الأبد. والتطابق بين حقائق القرآن، ومعارف الكون مفروض ابتداء، فإن منزل الكتاب هو مجري السحاب. ويستحيل أن تختلف حقيقة كونية وحقيقة قرآنية، كما لا يختلف قول العاقل وعمله، والواقع أن القرآن في الدلالة على الله :" كون " ناطق. كما أن هذا الكون الضخم :" قرآن " صامت، وكلاهما ينبثق من ذات واحدة، ويهدف إلى غاية واحدة. ص _٠١١