ولعل ذلك سر الأقسام التي جاءت منوهة بهذا المعنى مثل قول الله سبحانه :" فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم * إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون * تنزيل من رب العالمين ". والحلف بهذه الكواكب في فضائها الوسيع حيث تشرق وتغرب يومئ إلى المنزلة التي ينبغي أن تحفظها لهذا القرآن! كأنما هو عالم من المعاني يضارب في جلاله هذا العالم المادي الذي نحبو على كرة منه. وقد تكرر هذا القسم في صورة مشابهة، كان الحلف فيها بالمنظور وغير المنظور من خلق الله. وما نرى من هذا الوجود أضعاف مالا نراه. وبكل أقسم الله على روعة هذا القرآن وصدوره منه وحده، وتنزيهه أن يصدر من مخلوق ما :" فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون * إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين ". ويظهر هذا القسم في ثوب آخر، يتناول المكان والزمان جميعًا، ويضم في طياته مواكب الأحياء وهي سائرة إلى مصيرها العتيد، تخرج من ظلام الليل لتبرز وضح النهار، وتودع حركة النهار لتستقبل هدأة الليل، وتدور بها الأرض لتستقبل صفحات النجوم بعدما سبحت فترة في أشعة الشمس. " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس * إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون ". هذا القرآن المقسم عليه قول رسول كريم، أرسله به ذو العرش جل جلاله كي تعرف الحياة طريق الحق فلا تشرد عنه، وإن طال المدى، أو اتسمت أرجاء السعي في طول الدنيا وعرضها، وامتداد الزمان وتراخيه. ص _٠١٢


الصفحة التالية
Icon