إن البرامج التي تدرس كثيرة ومنوعة، والجهود التي تنفق في شرحها وتثبيتها مشكورة، بيد أن العلم وحده مهما زاد، والثقافة مهما اتسعت لا تكون شخصية متكاملة ناضجة. وقد تتراكم المعلومات في ذهن الطالب كما تتراكم السلع في مخزن تاجر لا يحسن العرض، أو لا يريد البيع..!! أو كما تستعد السيارة للانطلاق لسلامة آلاتها ووفرة بترولها، ولكنها تفقد السائق الذي يتولى قيادها ويتجه بها حيث يشاء!!. ما قيمة العلم الميت في نفوس جاهلية؟!. ما قيمة الدروس المستوعبة إذا كانت هذه الدروس معزولة عن الحياة الخاصة والعامة يدخرها صاحبها في ذاكرته فحسب، ثم هو يهدأ أو يتحرك ويفتر ويتحمس بعوامل أخرى؟!!. إن العلم لابد أن تصحبه تربية دقيقة، لابد أن تصحبه أخلاق موجهة، لابد أن تصحبه معنويات رقيقة.. والتربية المنشودة ليست دروسًا تلقى، إنما هي جو يصنع، وإيحاء يغزو الأرواح باليقين الحي والعزيمة الصادقة. ونعود إلى ما بدأنا الحديث به. نعود إلى توكيد الحاجة الماسة إلى العقيدة فإن الإيمان يصنع العجائب، ويخلق وسائل النجاح من بين طيات العدم واليأس... وإذا اعترفنا بأن النهضات لا تنجح ولا تثمر إلا إذا قامت على إيمان راسخ ويقين جازم، فبقي أن نبحث من أين تجيء بالعقيدة التي تفتقر إليها؟. أنتسولها من خارج بلادنا؟ أنستوردها من هناك بثمن غال أو زهيد؟ أم نعود إلى تاريخنا ومقومات حضارتنا لنتعرف الركائز التي نبني فوقها ونعلي البناء؟؟! إنني شخصيًّا لا أتردد في الاختيار، وإنني أوقن بأن القلق النفسي، والاضطراب الذهني، وغموض الأهداف وخفاء المثل الرفيعة.. كل هذا سوف يزول إذا وصلنا الشاب بتاريخه العتيد، وملأنا قلبه بالروحانية السمحة، واليقين النقي، والخلق الجاد. ص _٠٩٥


الصفحة التالية
Icon