إن هذه الأسئلة تعنينا نحن، وعلى ضوء إجابتها قد تستقيم خطانا من عوج وقد توفق للصواب بعد شروط. القرآن الكريم- وهو يحكي أنباء الأولين- يحولها إلى دواء سائل عام، ثم يسكب من قطراته على نفوس المعاندين، يبغي شفاءها دون نظر إلى تراخي القرون واختلاف الخاطبين... ولذلك تراه يروي مثلاً لأهل مكة المكذبين بنبوة محمد!! قصة نوح وقومه ويأخذ في سرد أحداثها وتتبع مراحلها. وفي أثناء هذا السرد المستغرق تقرأ هذه الآيات: " قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين * ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون ". وبغتة ينقطع هذا السياق المطرد ويقفز القارئ آلاف السنين ليرى التفاتة رائعة تتناول أهل مكة المناوئين لمحمد!!. وإذا الخطاب يدع نوحًا وقومه، ويتجه لصاحب الرسالة العظمى بالحديث: " أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون ". إن تشابه الأحوال، واستواء المواقف، هو الذي سوغ هذه النقلة البعيدة، وجعل العبرة تنقذف من خلال هذا القصص المطرد، ثم ترجع حلقات الرواية لتتماسك من جديد، وتقرع الأسماع بقصة نوح، فتترك محمدًا وقومه، وترجع القهقري ألوف السنين.. ثم تقرأ بعدها هذه الآيات: " وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون * واصنع الفلك بأعيننا ووحينا... ". وتصل القصة إلى ختامها الرهيب، ويعود أمر الانتفاع بها مرة أخرى يصل الماضي بالحاضر، فتسمع المولى جل جلاله يقول لنبيه: ص _٠٩٨


الصفحة التالية
Icon