" تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين ". إن القصص من أنجع الطرق التي اتبعها القرآن الكريم في تأديب النفوس، وسياسة الجماعات، والمحاورات النابضة التي أثبتها هي معالم خالدة لضبط الحقيقة وتوليد العبرة منها. ولا ريب أن ما يعقب هذه الأخبار المروية من مغاز وتعليقات مثيرة حقًّا. ومع ذلك، فإن الحوار نفسه قد يتضمن من المعاني ما يجتاز به نطاق قصته الخاصة ليكون خطابًا يتردد صداه عبر الزمان والمكان... انظر إلى موقف الرجل المؤمن في آل فرعون وتتبعه وهو يناشد قومه أن يتوبوا للرشاد، ويخضعوا للحق. لقد كان هذا الرجل الكبير مثلاً في أناته وثباته، بدأ يتكلم وكأنه محايد لا يعنيه من الأطراف المتنازعة إلا أن يلزم الجادة ويدع التطرف!! فعندما رأى فرعون يريد أن يقتل موسى قال: " أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ". هكذا استبعد بالمنطق الرزين أن يقتل نبي كريم.. غير أن الصراع بين الحق والباطل لابد أن يبلغ مرحلة ينزع معها ثوب الحياد، ولابد أن يجيء دور المصارحة التي لا تبالي بجهر أو تكشف... وهنا يجأر الرجل بما في نفسه :" وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد * يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار ". ويمضي في نصحه إلى أن يختمه بهذه الكلمات الحارة : ص _٠٩٩


الصفحة التالية
Icon