" فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ". هذه النصيحة الصادقة في أطواء قصة فرعون وبني إسرائيل ليست بنت زمنها وحده، لكأنها يوم نزل الوحي بها تناشد صناديد مكة وسائر أحزاب الكفر، ثم هي لا تزال تنساب إلى كل قلب في أرجاء الدنيا، تغزوه بما يترقرق فيها من يقين وسلام وحب... وتأليف الروايات شيء غير قص أحداث التاريخ. هذا افتعال يسبكها الخيال، وذاك عرض أجزاء من واقع الحياة التي لا ريب فيها. والروايات التي تؤلف تخضع لمشرب صاحبها وفهمه للأشخاص والأشياء، وحكمه في القضايا الخاصة والعامة. فهي أسلوب في التوجيه يتأثر بألوان الرغبات، وتتنفس فيه شتى الشهوات. وكثيرًا ما نجد مؤلف الرواية يسوق الأحداث التي يتخيلها بطريقة تسوغ الخطيئة، وتبرز الأسباب الدافعة إليها، وتهون الأسباب العاصمة منها حتى ليكون القارئ بعواطفه في صف الجريمة ومرتكبها... وكثيرًا ما تكون الروايات حافلة بمسالك يشوبها الطيش.. ولكن عناصر الخاطرة والمرح التي تحف بها تجعل هذه المسالك كأنها نداء الطبيعة الذي لابد منه. ومن ثم استفحلت الأضرار النفسية والاجتماعية لهذا القصص المفترى، واعوجت أخلاق الشباب، واحلوت السير الفاسدة في مذاقهم من طول إدمانهم لقراءتها.. وصلة هذه القصص المشترى بالقصص الحقيقي، كصلة التمثال الحجري بأجساد الأحياء... بل إنه لو أحسن تأليفه، وشرفت غايته، ما بلغ في نتائجه مبلغ الاستقصاء الصحيح لأخبار الناس وسيرهم في هذه الحياة، وتقلبهم في خيرها وشرها. ذلك أن البون بعيد بين شطحات الخيال وبين الحق الثابت المستقر، بين قصة يبدو لمؤلفها أن يقتل البطل أو ينجيه حسب ما يعتريه من تصورات وبين تتبع لقوانين الله في كونه وفي عباده. ص _١٠٠


الصفحة التالية
Icon