المجال هنا للعلم القائم على محض الحقيقة، وعندما ندرس للناس من جملة هذه الحقائق فلكي يقيموا عليها حياتهم بأمان وثقة.. كذلك أسلوب القرآن في إخباره عن الأمم الأولى، وعما وقع منها وما وقع عليها، إنه يسوق عوامل الرفعة والهبوط، والبقاء والزوال، على أنها سنن كونية لا تتخلف، طبقت على المستقدمين وتطبق على المستأخرين؛ لأن الحقائق الاجتماعية التي تربط بين الأحياء كالحقائق المادية التي تربط بين عناصر الأرض والسماء. وقد ظن بعض الناس أن القرآن يلجأ إلى الأساطير وتلفيق الحكايات لغرض ومعنى معين، وكتب في ذلك رسالة جامعية ليكون بها " دكتورًا "!! وهذا الكفر الصغير يقوم على جهل كبير بكلام الله جل شأنه، وهو طبعًا بعض آثار الغزو الثقافي الصليبي لبلادنا. قال صاحب الشهاب: " ويتناول القرآن الكريم قصص الأنبياء والمرسلين ويذكر طرفًا من معجزاتهم ومن المقرر أنه ليس الغرض من ذلك استقراء الوقائع، ولا تحديد الأزمان، ولا تناول الظروف والملابسات، ولا تسجيل مجرد للحوادث والأشخاص، ولا البحث التاريخي الاصطلاحي والفني، وإنما الغرض من ذلك الهداية والعظة والعبرة، وتقرير قواعد هذه الهداية في النفوس بذكر هذه القصص وعرض وقائعها أمام السامعين والقارئين، والقرآن الكريم يصرح بهذا في وضوح. ومن المقطوع به كذلك عند كل مسلم أن كل ما ذكره القرآن في هذه الناحية حق لاشك فيه، وأن علم التاريخ الاصطلاحي لا يمكن أن يأتي بحقيقة تخالف ما جاء في قصة من القصص التي ذكرها القرآن الكريم. نعم إنه قد يعجز عن أن يصل بوسائله الفنية المجردة إلى بعض ما ذكره القرآن الكريم فيكون ما ذكره القرآن الكريم زائدًا عن علم التاريخ المجرد. وقد يعجز التاريخ المجرد عن أن يجد الدليل بأسلوبه الخاص على ما ورد في القرآن الكريم، ولكن يجب أن يلاحظ أن عجز علم التاريخ عن المعرفة أو الاستدلال ليس معناه عدم صحة ما جاء في القرآن. فليس انتفاء العلم بالشيء دليلاً على


الصفحة التالية
Icon