نتيجة الاختلاف وتبتعد القلوب عن بعضها ويدخل الشيطان لكي يثير نوازع النفس الإنسانية من حب للظهور والعجب بالرأي والأنانية.
قال سهل التستري رضي الله عنه : في القرآن آيتان ما أشدهما على من يجادل في القرآن وهما قوله تعالى :﴿ مَا يُجَادِلُ فِي ءَايَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ (١) أي يماري في آيات الله ويخاصم بهوى نفسه وطبع جبلة عقله والثانية قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ (٢).
وأحد الأسباب الرئيسية للاختلاف هي الجدل وقد نهى الله عنه في الآية الكريمة السابقة أي الجدل في القرآن الكريم والجدل منهي عنه سواء كان جدلا في القرآن أم بغيره إن استند إلى التعصب للرأي والدفاع عن ذلك بأساليب الحق والباطل على السواء وقد بين الرسول ﷺ جزاء من يترك المراء ( أي الجدل ) بأن يبني له بيتا في ربض الجنة إن كان مبطلا وفي أعلاها إن كان محقا (٣). أما الجدال دفاعا عن الحق ضد أهل الباطل فيجب أن يكون بالموعظة الحسنة. قال تعالى :﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ (٤) وهو غير الجدل المنهي عنه في الحديث أعلاه والذي ينبع من نوازع النفس والهوى.
أما اختلاف وجهات النظر المستند إلى أسس صحيحة ومبعثة الاجتهاد مع التخلق بالأدب الرفيع واحترام وجهة نظر المخالف فهو غير داخل ضمن هذا النهي لأن الله تعالى قد خلق الناس نختلفين في قابلياتهم العقلية وإطلاعهم وخبراتهم ومن ثم لا بد وأن ينعكس ذلك على فهمهم وتصوراتهم.
١٧- قال ابن عباس رضي الله عنهما : توفي رسول الله ﷺ وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم فقلت له وما المحكم ؟ قال المًفَصَّل وهو من الحًجُرَات.
رواه البخاري
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حين يقول قد قرأت المحكم وأنا ابن عشر سنين فإنه يعني أنه قد حفظ الأجزاء الأخيرة من القرآن من سورة الحجرات إلى سورة الناس. وقد استحب عمر بن
(٢) سورة البقرة الآية ١٧٦.
(٣) أخرجه الترمذي وابن ماجة من حديث أنس وقال الترمذي حديث حسن.
(٤) سورة النحل الآية ١٢٥.