وهنا إشارة إلى كراهة نسبة النسيان إلى النفس نظرا لأن هناك معنا آخر للنسيان وهو تعمد إغفال العمل بأحكام الآيات وهذا والعياذ بالله من سيء الأعمال. قال الله تعالى :﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾ (١).
وفي هذا الحديث دليل على أن النسيان أمر محتمل للإنسان وليس بنقص ولكن على الإنسان الجد والحرص على عدم النسيان بالاستذكار. قال الله تعالى :﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾ (٢).
وفي الحديث إشارة إلى مراقبة اللسان من التكلم حتى بكلام يقصد غيره إن كان اللفظ الذي يستخدم يشير إلى أمر فيه إثم أو معصية. فهنا رغم أن النسيان أمر متوقع للإنسان، إلا أن النهي عن نسبة هذا النسيان للنفس على أنه أمر قد قام به الإنسان اختيارا وتعمدا، خشية أن يكون مشمولا بمن تعمد النسيان الذي يشير الله إيه في الآية السابقة. ويشبه ذلك قوله تعالى :﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا ﴾ (٣). وذلك لأن اليهود استخدموا لفظة راعنا فنهى الله عن استخدام ذلك اللفظ من قبل المسلمين.
٢٣- عن عبادة بن الصامت (٤) رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :
" ما من أمير عشرة إلا يُؤتَى به يوم القيامة مَغلُولا لا يَفُكُهُ منها إلا عَدلُه وما منْ رجل تعلم القرآن ثم نَسِيَهُ إلا لَقِيَ الله يوم القيامة أجْذَم ".
رواه الإمام أحمد
كان الضحاك بن مزاحم (٥) يقول : ما من أحد تعلم القرآن فنسيه إلا بذنب يُحدِثُهُ لأن الله تعالى يقول :﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ (٦). وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب.
(٢) سورة الأعلى الآيتان ٦ و ٧.
(٣) سورة البقرة الآية ١٠٤.
(٤) هو عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي شهد بدرا وكان أحد النقباء العشرة بالعقبة توفي سنة ٤٥ هـ.
(٥) الضحاك بن مزاحم الهلالي يكنى بأبي القاسم صدوق من صغار التابعين مات بعد سنة ١٠٠ هـ.
(٦) سورة الشورى الآية ٣٠.