رواه الخمسة (١)
يلاحظ في هذا الحديث نوعان من التشبيه : أحدهما بالريح الطيبة والثاني بالطعم الطيب. فالريح الطيبة تنتشر إلى الغير، أي أن قارئ القرآن سواء كان مؤمنا أم منافقا يعم نفعه إلى غيره ممن يسمع تلاوته ولا ينحصر نفعه بنفسه وحدها. وقد يعم نفعه إلى غيره بإقرائه غيره أو بأمره أو إبلاغه ما ورد في القرآن الكريم من أوامر ونواه. أما الطعم الطيب فلا يستشعر إلا من المرء بنفسه ولا يستشعر من قبل الغير. لذلك فإن الإيمان كالطعم الطيب يتحسس به المرء نفسه وينفعه باتباع أوامره واجتناب نواهيه ولا يعرفه غيره إلا بالتدقيق والمراقبة وكثرة التعامل وربما غاب عن الغير نهائيا.
إن من يقرأ القرآن الكريم لا بد وأن تظهر على جوارحه آثاره بالعمل به أو بالأمر بما ورد فيه أو بالنهي عن زواجره أو بالاقتباس منه في كلامه أو بكثرة ترداد آياته والاستشهاد بها ولا يخفى ما في ذلك من أثر واضح على تأثير كلام الله وفضل المرء على غيره من الناس.
كما يلاحظ أن قراءة القرآن حتى ممن لا يؤمن به من غير المسلمين مثلا تجعل الكلام سليما من الناحية اللغوية والبلاغية وحسن العبارة ودقة التعبير وسلامة اللفظ باللغة العربية.
٥- عن أسيد بن حضير (٢) رضي الله عنه قال بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت فقرأ فجالت الفرس فسكت وسكنت الفرس ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه فلما اجتَرَّهُ رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها فلما أصبح حدث النبي ﷺ فقال له :" اقرأ يا ابن حضير اقرأ يا ابن حضير " قال : فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحي وكان منها قريبا فرفعت رأسي فانصرفت إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فخرجت حتى لا أراها قال :" وتدري ما ذاك ؟ " قلت لا قال:
" تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت يَنظُر الناس إليها لا تتوارى منهم".
(٢) هو أسيد بن الحضير بن سماك بن عقيل الأشهل الأنصاري. كان أبوه رئيس الأوس يوم بعاث وهو أحد النقباء يوم العقبة. أسلم على يد مصعب بن عمير قال عنه رسول الله ﷺ نعم الرجل أسيد بن حضير.