... فسَّر أبو عُبيد القاسم بن سلاَّم قوله تعالى: ﴿ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ﴾ : أي نصباً لأيمانكم، والمعنى: لا تكثروا من الحلف بالله وإن كنتم صادقين، وقد بيَّن ابن الجوزي معنى قول أبي عبيد: نُصْباً لأيمانكم، بقوله: كأنه يعين: أنكم تعترضونه في كل شيء فتحلفون به(١).
... ونُسب إلى عبدالرحمن بن زيد بن أسلم القول بهذا المعنى(٢).
... وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - من طريق علي بن أبي طلحة وغيره، وقتادة، وعطاء، والضحاك، أن المعنى: لا تحلفوا على عدم الطاعة؛ بأن تجعل الحلف حجة على عدم فعل الخير كأن تقول: حلفت أن لا أفعل(٣).
... وبهذا المعنى قال الفرَّاء(٤)، ورجحه الطبري(٥).
... ومن أبرز ما استدل به أصحاب هذا القول سياق الآية فإنها تدل على إرادة هذا المعنى، يقول البغوي: (ومعنى الآية: لا تجعلوا الحلف بالله سبباً مانعاً لكم من البر والتقوى، يُدعى أحدكم إلى صلة رحم أو بر فيقول: حلفت بالله أن لا أفعله، فيعتل بيمينه في ترك البر، ﴿ أَن تَبَرُّوا ﴾ معناه أن لا تبروا، كقوله تعالى: ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ﴾ [النساء: ١٧٦] أي لئلا تضلوا..) (٦).
... وذكر ابن الجوزي قولاً ثالثاً في معنى الآية نسبه إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - أن معناها: لا تحلفوا بالله كاذبين لتتقوا المخلوقين وتبرّوهم، وتصلحوا بينهم بالكذب(٧).
النتيجة:
... الذي يظهر - والله أعلم - أن القول بأن معنى الآية: لا تحلفوا علىعدم الطاعة، هو الأقرب للصواب.
ويشهد لهذا ما يلي:
(٢) ممن نسب له: ابن الجوزي في زاد المسير: ص ١٣٤.
(٣) انظر: جامع البيان للطبري: ٢/٤١٢ - ٤١٣.
(٤) انظر: معاني القرآن للفراء: ١/١٤٤.
(٥) انظر: جامع البيان للطبري: ٢/٤١٥.
(٦) معالم التنزيل للبغوي: ١/٢٦٢.
(٧) انظر: زاد المسير لابن الجوزي: ص ١٣٤.