... وعلى هذا الوجه يكون ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ مبتدأ، والجملة من قوله: ﴿ يَقُولُونَ ﴾ خبر المبتدأ(١).
... وروي عن مجاهد، والربيع بن أنس أن الوقف على قوله: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ (٢) وعلى هذا يكون قوله: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ معطوف عطف نسق على لفظ الجلالة، فيدخلون في العلم بالتأويل(٣).
... وقد ذكر شيخ الإسلام هذا القول ونسبه إلى كثير من أهل السنة، كابن قتيبة وغيره(٤).
... قال مجاهد: (عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره مرات، أقف عند كل آية وأسأله عنها) (٥).
... فلعل أصحاب هذا القول قالوا: هذا ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، وهو أحد القائلين: لا يعلم تأويله إلا الله، يجيب مجاهداً عن كل آية في كتاب الله، وقد عرف عنه أنه كان يقول: (أنا ممن يعلم تأويله) (٦).
النتيجة:
... الظاهر - والله أعلم - رجحان القول الأول القائل بأن الراسخين في العلم لا يعلمون التأويل، وهذا مبني على المعنى الذي اختاره شيخ الإسلام للتأويل وهو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام.
ويشهد لهذا الترجيح ما يلي:

(١) انظر: الدر المصون للسمين الحلبي: ٣/٢٩.
(٢) انظر: جامع البيان للطبري: ٣/١٨٣ - ١٨٤.
(٣) انظر: الدر المصون للسمين الحلبي: ٣/٢٩.
(٤) انظر: الفتاوى لابن تيمية: ١٧/٣٦٧، ٣٩١.
(٥) أخرجه عنه: الطبراني في الكبير برقم (١١٠٩٧)، وأبو نعيم في الحلية: ٣/٢٧٩ - ٢٨٠، والذهبي في تذكرة الحفاظ: ٢/٧٠٦، وقال: (حديث حسن الإسناد).
(٦) أخرجه عنه الطبري في جامع البيان: ٣/١٨٣.


الصفحة التالية
Icon