... ومعلوم كم للاستقرار السياسي من أثر ظاهر في التقدم والرقي في مختلف الجوانب(١)، وظهر ذلك جليًّا في حياة أبي عُبيد - رحمه الله - حيث تمكن من السفر باطمئنان في طلب العلم ثم الجلوس للإقراء والتدريس والتأليف.
*... *... *
المطلب الثاني
عصره الاجتماعي
... اعتمد خلفاء بني العباس على الموالي من غير العرب، وكان لهذا أثر واضح في الحياة الاجتماعية، فأصبح الناس خليطاً من شعوب شتّى، من عرب، وفرس، وترك، وروم، وبربر، وغيرهم.
... وكان من نتائج هذا الاختلاط دخول كثير من العادات الاجتماعية التي لم تكن معروفة عند العرب في بلادهم، واكتست مظاهر الحياة بكساء جديد، فيه مزج لحضارات متعددة من شعوب مختلفة.
... وكان لهذا الاختلاط دور في ظهور مِلل، وأحزاب، وطوائف متعددة، أدى ظهورها إلى نشوء فِرق مخالفة لأهل السنة(٢).
... أما من ناحية الجانب الاقتصادي والمالي فقد اعتنى الخلفاء به عناية خاصة، ومما يشهد لهذه العناية ما حصل من هارون الرشيد عندما طلب من أبي يوسف(٣)

(١) انظر: تفاصيل الحياة السياسية في عصر أبي عبيد في: الكامل لابن الأثير: الجزء السادس، والبداية والنهاية لابن كثير: الجزء العاشر، وتاريخ الأدب العربي (العصر العباسي الأول) لشوقي ضيف: ص ٩ - ٣٣، وتاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي لحسن إبراهيم حسن: ٢/٨٥، وكتاب: أبو عبيد القاسم بن سلام، إمام مجتهد، ومحدث فقيه، ولغوي بارع، لسائد بكداش: ص ١٥ - ١٧.
(٢) كظهور الشعوبية التي تمجّد الفرس، ونشاط الفرق المخالفة كالمعتزلة، والخوارج، والشيعة.
(٣) هو: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي، أبو يوسف، الإمام المجتهد، الفقيه، المحدث، توفي سنة (١٨٢هـ).
... انظر ترجمته: السير للذهبي: ٨/٥٣٥. وطبقات الحنفية للحميدي: ص ١٠٣.


الصفحة التالية
Icon