... قال أبو عُبيد القاسم بن سلاَّم - رحمه الله -:
... في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تمنَّى أحدكم فليكثر فإنما يسأل ربه) (١).
... قال أبو عُبيد: فقد جاءت في هذا الحديث الرخصة في التمني عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي في التنزيل نهي، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ ولكل وجه غير وجه صاحبه؛ فأما التمني المنهي عنه فأن يتمنى الرجل مال غيره أن يكون ذلك له ويكون صاحبه خارجاً منه على وجه الحسد من هذا والبغي عليه.
... وقد روي في بعض الحديث ما يبين ذلك: حدثني كثير بن هشام(٢) عن جعفر بن برقان(٣) عن ميمون بن مهران(٤) قال: مكتوب في الحكمة أو في ما أنزل على موسى عليه السلام: لا تتمن مال جارك ولا امرأة جارك.
... فهذا المكروه الذي فسَّرنا، وأما المباح فأن يسأل الرجل ربه، فهذا أمنيته من أمر دنياه وآخرته.
... قال أبو عُبيد: فجعل التمني ههنا المسألة، وهي الأمنية التي أذن فيها؛ لأن القائل إذا قال: ليت الله يرزقني كذا وكذا، فهو تمني ذلك الشيء أن يكون له، ألا تراه يقول: ﴿ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ وهذا تأويل الحديث الذي فيه الرخصة(٥).
" الدراسة:
(٢) هو كثير بن هشام الكلابي، أبو سهل الرَّقي، نزيل بغداد، ثقة، مات سنة (٢٠٧هـ).
... انظر ترجمته: التقريب لابن حجر: ١/٤٦٠.
(٣) هو: جعفر بن برقان الكلابي، أبو عبدالله، ثقة ضابط لحديث ميمون، توفي سنة (١٥٤هـ).
... انظر ترجمته: التهذيب لابن حجر: ٢/٧٣.
(٤) هو: ميمون بن مهران الجزري، أبو أيوب الرَّقي، الفقيه، تابعي ثقة، مات سنة (١١٦هـ).
... انظر ترجمته: التهذيب لابن حجر: ١٠/٣٤٩.
(٥) غريب الحديث لأبي عبيد: ١/٢١٦.