... فيما ذكره أبو عُبيد دفع لموهم التعارض بين الكتاب والسنة، فقد جاء في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ نهي عن التمني، وجاء في أحاديث صحيحة عن النبي ﷺ ما يبيح التمني؛ فمن ذلك ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له، فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالاً، فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل) (١).
... وجاء في حديث آخر أن النبي ﷺ قال: (ولوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل) (٢).
... فظاهر قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ يدل على نهي الإنسان أن يتمنى لنفسه ما فضل الله به غيره مطلقاً، سواء كان الفضل دينياً أو دنيوياً، فالآية عامة في النهي لاشتمالها على (ما) الموصولة والتي هي من صيغ العموم، أما الأحاديث الواردة فهي تدل على جواز تمني مثل نعمة الغير. والتمني هو: تشهِّي حصول الأمر المرغوب فيه، وحديث النفس بما يكون وما لا يكون(٣).
وللتمني وجوه:

(١) أخرجه البخاري في فضائل القرآن، باب اغتباط صاحب القرآن، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه.
(٢) أخرجه البخاري في الإيمان، باب الجهاد من الإيمان، ومسلم في الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله.
(٣) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير: ٤/١١٨، ولسان العرب لابن منظور: ١٥/٢٩٢ (مني).


الصفحة التالية
Icon