وغيره: "أقوال التابعين في الفروع ليست حجة، فكيف تكون حجة في التفسير؟" يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يُرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن، أو السنة، أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك) (١).
... والمتأمل في أقوال أبي عبيد القاسم بن سلاّم في التفسير يجده قد أولى هذا الجانب - أي تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين (أو ما يسمّى بالتفسير بالأثر) - اهتماماً كبيراً، فقد كان - رحمه الله - يهتم بذكر أقوالهم، ويؤيدها، ويجمع بينها إذا كان اختلافها من باب اختلاف التنوع.
فمن ذلك:
... ما جاء عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ﴾ [الكهف: ٢٩] قال أبو عبيد: (سئل ابن مسعود - رضي الله عنه - عن المهل، فدعا بفضة فأذابها، فجعلت تميّع وتلوّن، فقال: ما أشبه ما أنتم راؤون بالمُهل، قال أبو عبيدة: أراد تأويل هذه الآية: ﴿ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ﴾ ) (٢).
... ومن ذلك أيضاً ما جاء عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾ [المعارج: ١٩] قال: (وقد روي عن الحسن في قوله: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾ قال: بخيلاً بالخير، ويُروى عن عكرمة في قوله: ﴿ هَلُوعًا ﴾ قال: ضجوراً.
... قال أبو عبيد: وقد يكون البخل والضجر من الجزع(٣).

(١) مقدمة في أصول التفسير لابن تيميَّة: ص ٩٦.
(٢) غريب الحديث لأبي عبيد: ٢/٨. وانظر دراسة هذه المسألة في أقوال أبي عبيد في سورة الكهف، الآية (٢٩).
(٣) غريب الحديث لأبي عبيد: ١/٤٥٢. وانظر دراسة هذه المسألة في أقوال أبي عبيد في سورة المعارج، الآية (١٩).


الصفحة التالية
Icon