... قد يكون من الصعوبة إجراء موازنة بين منهج أبي عبيد ومنهج الطبري في التفسير؛ حيث يوجد تفسير متكامل للطبري فسَّر فيه القرآن الكريم من أوله إلى آخره، بخلاف أبي عبيد فلا يوجد له سوى أقوال متناثرة يحاول هذا البحث جمع شتاتها في موضع واحد ودراستها، وليست هذه الأقوال شاملة لجميع آيات القرآن الكريم وسوره، بل هي أقوال تفسر بعضاً من الآيات في مجموعة من السور.
... وبناء على هذا فسيكون الحديث عن منهجهما والموازنة بينهما بشيء من الإجمال والاختصار.
... فمن حيث الإجمال يلاحظ أن هناك تشابهاً بين منهجهما في عدة نواحي كاعتماد الطرق الصحيحة في التفسير، والعناية بالقراءات وتوجيهها، وظهور أثر صحة المعتقد على التفسير، والإلمام باللغة والرجوع إليها في التفسير، واستنباط الأحكام الفقهية من الآيات، والعناية بأسباب النزول، ومعرفة الناسخ والمنسوخ.
... إلا أن الطبري يتوسع في كل جانب من هذه الجوانب بخلاف أبي عبيد الذي يذكرها باختصار شديد، ولعل السبب في ذلك ورود أقواله في كتب لم تصنف للتفسير وإنما صنّفت في الحديث والفقه واللغة وغير ذلك، واحتوت على أقوال تفسيرية، أما مصنفاته في التفسير فلم تصل إلينا.
... ومن جانب تفسير القرآن بالقرآن، والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين فكلاهما مهتم بهذا الجانب إلا أن الطبري يتوسع في هذا فيذكر الأسانيد والروايات المتعددة، أما أبو عبيد فلا يذكر إلا إسناداً واحداً في الغالب(١).
... أما في القراءات فهما إمامان في هذا الجانب(٢)، وهما من أبرز من يُعنى بالقراءات ويسمّى من قرأ بها، مع ذكر التوجيه والاختيار في غالب الأحيان(٣).
(٢) فلكل منهما كتاب عظيم في هذا العلم، إلا أنهما مفقودان.
(٣) انظر: زاد المسير لابن الجوزي: ص ٢٢٦، وجامع البيان للطبري: ٣/٤٤٧.