... فمن ذلك ما جاء عند البخاري من حديث البراء بن عازب(١) - رضي الله عنه - أن رسول الله ﷺ صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت، وأنه صلّى أو صلاّها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي قِبَل مكة، فداروا كما هم قِبَل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قِبَل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِن اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ (٢).
... وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما وجه النبي ﷺ إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ (٣).
... وقد أورد هذا السبب كثير من المفسرين كعبدالرزاق الصنعاني والطبري وابن أبي حاتم(٤)

(١) هو: البراء بن عازب بن الحارث الأوسي الأنصاري، أبو عمارة، له ولأبيه صحبة، استصغر يوم بدر، وروى عن النبي ﷺ جملة من الأحاديث، توفي سنة (٧٢هـ).
... انظر ترجمته: الإصابة لابن حجر: ١/٢٧٨. والعبر للذهبي: ١/٧٩.
(٢) صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة البقرة، باب قوله تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ﴾، وفي كتاب الإيمان، باب (الصلاة من الإيمان).
(٣) أخرجه الترمذي في كتاب التفسير، باب سورة البقرة، وقال: حديث صحيح. وفي رواية الترمذي تصريح بسؤال الصحابة للنبي ﷺ عن أحوال من مات ولم يصلِّ إلى مكة.
(٤) هو: عبدالرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، الإمام، الحافظ، الثبت، كان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، له مصنفات كثيرة، توفي سنة (٣٢٧هـ).
... انظر ترجمته: السير للذهبي: ١٣/٢٤٧. وطبقات المفسرين للداودي: ص ٦٥.


الصفحة التالية
Icon