وقد امتاز أنس - رضي الله عنه - بحيطته الكبيرة في رواية الحديث خشية الخطأ. فقد روي عنه أنه كان قليل الحديث عن رسول الله - ﷺ - فكان إذا حدث أوقل ما تحدث إلا قال حين يخلوأوكما قال رسول الله × (١).
قال ابن حجر في الفتح: (إنما خشي أنس مما خشي منه الزبير( خشي من الإكثار أن يقع في الخطأ وهولا يشعر لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكن قد يأثم بالإكثار إذ الإكثار مظنة الخطأ، والثقة إذا حدث بالخطأ فحمل عنه وهولا يشعر أنه خطأ يُعمل به على الدوام للوثوق بنقله، فيكون سبباً للعمل بما لم يقله الشارع، فمن خشي من الإكثار الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار من الحديث، وأما من أكثر منهم فمحمول على أنهم واثقون من أنفسهم بالتثبيت، أوطالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسُئلوا فلم يمكنهم الكتمان). فأنس من المكثرين لأنه تأخرت وفاته فاحتيج إليه ولم يمكنه الكتمان، ويُجمع بأنه لوحدث بجميع ما عنده لكان أضعاف ما حدث به.
ووقع في رواية عتاب مولى هرمز سمعت أنساً يقول: لولا أني أخشى أن أخطيء لحدثتكم بأشياء سمعتها من رسول الله - ﷺ - لكنه قال( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)(٢). فأشار إلى أنه لا يحدث إلا ما تحققه ويترك ما يشك فيه، وحمله بعضهم على أنه كان يحافظ على الرواية باللفظ فأشار إلى ذلك بقوله( لولا أني أخطيء) وفيه نظر والمعروف عن أنس جواز الرواية بالمعنى كما أخرجه الخطيب عنه صريحاً)(٣).

(١) أخرجه أبويعلى٥/٢٢٧حديث (٢٧٣٩)، والدارمي١/٩٦حديث (٢٧٦)، والحاكم٣/٦٦٥حديث (٦٤٥٦)، وابن سعد في الطبقات٧/٢١.
(٢) أخرجه أحمد٣/١٧٢حديث (١٢٧٨٧)، الدارمي١/٨٨حديث (٢٣٥).
(٣) فتح الباري١/٢٠١.


الصفحة التالية
Icon