فتح الله سبحانه وتعالى على المسلمين كثيراً من بلاد العالم في حياة رسول الله - ﷺ - وفي عهود الخلفاء الراشدين من بعده، ولم يستقر الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً في بلد واحد من بلاد المسلمين، بل تفرقوا في أنحاء الأمصار الإسلامية. فقامت في هذه الأمصار المختلفة مدارس علمية، أساتذتها الصحابة، وتلاميذها التابعون(١).
وكان لكل مدرسة خصائصها ومميزاتها، ومن تلك المدارس التي أصبحت لها قيمتها العلمية: مدرسة العراق، وكان تلاميذ هذه المدرسة منهم من كان ببغداد، ومنهم من كان بالكوفة، ومنهم من كان بالبصرة(٢).
وكان لامتداد عمر أنس بن مالك - رضي الله عنه - بعد وفاة رسول الله - ﷺ - من الأمور التي ساعدت في إعطائه فسحة زمنية كبيرة لتعليم الناس، فقد عاش بعد النبي - ﷺ - نيفاً وثمانين سنة قضى العشرين الأولى منها متنقلاً في ميادين الجهاد أثناء حروب الردة والفتح، ثم استقر بعد ذلك في البصرة، فمكث فيها مدة تزيد على ستين سنة وهويُعلم الناس العلم وسنة رسول الله - ﷺ -، وتمكن خلال هذه المدة من تكوين طبقة من علماء البصرة كان لهم أثر كبير في تاريخ الإسلام الفكري(٣).
وقد عُرف أنس بن مالك - رضي الله عنه - بفقهه، والناظر في كتب السنة والتفسير يجدها حافلة بآراء فقهية كثيرة لأنس رضي الله عنه.

(١) التفسير والمفسرون بتصرف ١/١١٠.
(٢) الإسرائيليات والموضوعات٦٧.
(٣) انظر: أعلام المسلمين بتصرف يسير /١٠٩.


الصفحة التالية
Icon