كان ابن بطال - رحمه الله - مالكي المذهب، وهذا مما لا خلاف فيه ولا غرابة، إذ كان المذهب المالكي منتشراً في بلاد الأندلس ومما يدل على أن ابن بطال مالكي المذهب أمور منها:
أولاً: أن بعض من ترجم له نص في ترجمته أنه مالكي؛ قال الذهبي: ".. كان من كبار المالكية.." ا. ه‍(١)
ثانياً: أن شرحه للصحيح مليء بفقه الإمام مالك وأصحابه(٢) قال ابن حجر عن شرح ابن بطال للصحيح: "وغالبه في فقه الإمام مالك من غير تعرض لموضوع الكتاب" ا. ه‍(٣)
وهذه أدلة صحيحة وصريحة في كونه مالكي المذهب، ومع كونه مالكي المذهب فلا يعني ذلك أنه من المتعصبين الذين يتركون النصوص ويأخذون بأقوال الفقهاء دون تمحيص وإن كانت على خلاف الدليل، بل إن ابن بطال يخالف المذهب أحياناً إذا رأى أنه على خلاف الدليل؛ قال ابن بطال في ذلك: ".. وفيه.. جواز مباشرة ذوي المحارم، وهو خلاف قول مالك، وقول من أجاز ذلك أولى لموافقة الحديث له" ا. ه‍(٤)
فهذه العبارة واضحة الدلالة على أن ابن بطال وإن كان مالكياً إلا أنه قد يختار خلاف المذهب إذا كان المذهب على خلاف الدليل. والله أعلم.
المطلب السادس: آثاره ووفاته:
أولاً: آثاره: مؤلفات ابن بطال ليست بالكثيرة، ويمكن إجمالها في الآتي:
١. "شرح صحيح البخاري"، وهو الذي أشاد به العلماء واشتهر به ابن بطال؛ قال القاضي عياض: ".. وألف شرحاً لكتاب البخاري كبيراً، يُتنافس فيه، كثير الفائدة" ا. ه‍(٥)
٢. كتاب "الزهد والرقائق"(٦).

(١) انظر: سير أعلام النبلاء (١٨/٤٧).
(٢) انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (١/٢٦٧)، و(٣/٩٩، ٩٦)، و(٩/٣٦٣)، وغيرها من المواضع الكثير.
(٣) انظر: إرشاد الساري (١/٤١).
(٤) انظر: شرح صحيح البخاري لا بن بطال (٥/٢٧٣).
(٥) انظر: ترتيب المدارك (٨/١٦٠)، والصلة (٢/٤١٤)، وسير أعلام النبلاء (١٨/٤٧).
(٦) انظر: ترتيب المدارك (٨/١٦٠). وهو في عداد المفقود.

١٧/١٧ قال ابن بطال –رحمه الله-: "وتأويل قول إبراهيم: ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟ ؟ أي: بيقين البصر، واليقين جنسان: أحدهما يقين السمع، والآخر يقين البصر؛ ويقين البصر أعلاهما ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس الخبر كالمعاينة))( ).. فأراد إبراهيم أن يطمئن قلبه بالنظر الذي هو أعلى اليقين" ا. هـ (٩/٥٢٥)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :
اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟ على أقوال:
القول الأول: إن معناه: لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك، وممن قال بذلك: ابن عباس - رضي الله عنهما -( ).
القول الثاني: إن معناه: ليزداد قلبي يقيناً، وممن قال بذلك: سعيد بن جبير، والضحاك، وقتادة( )، وهذا الذي أشار إليه ابن بطال.
القول الثالث: إن معناه: ليطمئن قلبي بالخُلَّة، وممن قال بذلك: سعيد بن جبير في رواية( ).
القول الرابع: إنه كان قلبه متعلقاً برؤية إحياء الموتى؛ فأراد ليطمئن قلبه بالنظر. قاله ابن قتيبة( ).
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والقول الراجح هو القول الثاني - وهو أن يزداد يقيناً - وهو ما اختاره ابن بطال هنا لأن؛ إبراهيم إنما سأل ليزداد يقيناً بالمعاينة وإلا هو في الأصل موقناً.
قال القرطبي في معنى الآية: "أي سألتك ليطمئن قلبي بحصول الفرق بين المعلوم برهاناً، والمعلوم عياناً" ا. هـ( ).
وقال البغوي في معنى الآية: "أي: ليسكن قلبي إلى المعاينة والمشاهدة؛ أراد أن يصير له علم اليقين، وعين اليقين؛ لأن الخبر ليس كالمعاينة" ا. هـ( ) والله أعلم.
قال تعالى: ؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ (البقرة: ٢٦٩).
والقول بأن هذه الآية المعني بها المشركون دون المؤمنين هو القول الراجح، بدلالة السياق، قال ابن عطية بعد ذكره لهذه الأقوال: "والتأويل الأول - أي أنها في المشركين -أجرى مع نسق الآيات" ا. هـ.(١)، واختار هذا القول جمع من المفسرين(٢).
سورة لقمان
d ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ "خژyIô±tƒ لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ ×ûüخg-B ﴾ (لقمان: ٦).
١٠٥/١ قال ابن بطال -رحمه الله-: "فدلت الآية على أن الغناء، وجميع اللهو إذا شغل عن طاعة الله وعن ذكره فهو محرَّم،.. ودلت أيضاً على أن اللهو إذا كان يسيراً لا يشغل عن طاعة الله، ولا يصد عن ذكره أنه غير محرَّم، ألا ترى أن النبي - ﷺ - أباح للجاريتين يوم العيد الغناء في بيت عائشة - رضي الله عنها - من أجل العيد(٣)، كما أباح لعائشة - رضي الله عنها - النظر إلى لعب الحبشة في المسجد وهو يسترها وهي تنظر إليهم حتى شبعت وقال لها: حسبك(٤).
(١) انظر: المحرر الوجيز (١٤٦٧).
(٢) انظر: جامع البيان (٩/١٥٤)، والوسيط (٣/٤٢٣)، والكشاف (٨٢١)، والتسهيل لعلوم التنزيل (٢/١٢٨)، وفتح القدير للشوكاني (٤/٢٥٩)، وتيسير الكريم الرحمن (٥٨٣).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العيدين، باب سنة العيدين لأهل الإسلام، ح(٩٥٢)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد، ح(٨٩٢).
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العيدين، باب الحراب والدَّرَق يوم العيد، ح(٩٥٠)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد، ح(٨٩٢).


الصفحة التالية
Icon