القرآن أُنزِل على نبينا محمد - ﷺ - ففهمه، وفسَّره للناس، فكان أفضل مفسِّر - ﷺ -، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بعد ذِكْرِه لأصح طرق التفسير وهو تفسير القرآن بالقرآن -: "إن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له" ا. هـ(١)
والعلامة ابن بطال - رحمه الله - كان عارفاً بالحديث متقناً له؛ فكان تفسيره للقرآن بالسنة واضحاً في تفسيره للآيات، ويمكن أن نلخِّص منهجه في ذلك فيما يلي:
أولاً : اعتماده التفسير النبوي، ومن الأمثلة على ذلك:
قول ابن بطال - رحمه الله -: "وتأول مسروق في قوله تعالى: ﴿ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ ﴾ قال: هو الرجل يرزقه الله المال فيمنع قرابته صلته فيُجعل حية يُطوَّقها، وأكثر العلماء على أن ذلك في الزكاة المفروضة ولا حق عندهم في المال سوى الزكاة.. والزكاة لا يُفهم منها إلا زكاة الفرض وقد بين النبي - ﷺ - قوله تعالى: ﴿ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ ﴾ أنه جاء في مانع الزكاة. وفي الحديث خلاف تأويل مسروق، وقد انتزع ابن مسعود - رضي الله عنه - بهذه الآية في مانع الزكاة أيضاً" ا. هـ(٢)
وقول ابن بطال - رحمه الله -: "وقوله عليه الصلاة والسلام: (هي السبع المثاني)، تفسير لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ y٧"sY÷ s؟#uن سَبْعًا مِنَ 'دT$sVyJّ٩$# ﴾ أن المراد بها فاتحة الكتاب، وقد رُوي عن السلف أقوال أُخَر في تفسير السبع المثاني، فرُوي عن ابن عباس، وابن مسعود - رضي الله عنهما- أنها: السبع الطوال؛ لأن الفرائض والقصص تثنى فيها، ويجوز أن يكون المثاني القرآن كله كما قال تعالى: ﴿ كِتَابًا $Ygخ٦"t±tF-B z'دT$sW¨B ﴾ (الزمر: ٢٣)، لأن الأخبار تثنى فيه" ا. هـ(٣)

(١) انظر: مقدمة شيخ الإسلام في التفسير بشرح العثيمين (١٢٧).
(٢) انظر: الموضع رقم (٢٣).
(٣) انظر: الموضع رقم (٧٩).

أولاً: التفرق في العقائد، لقوله تعالى: ؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟( ). يعني: فلا تتفرقوا في دينكم كما افترقت اليهود والنصارى في أديانهم، وممن قال بهذا: ابن مسعود، وغيره( ). ويؤيد هذا المعنى حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: "افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة؛ كلهم في النار إلا واحدة قالوا: يا رسول الله ومن هذه الواحدة؟ قال: الجماعة. ثم قال: ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟"( ).
ثانياً: التفرق إتباعا للهوى والأغراض المختلفة( ).
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثاً: التفرق بالفتن والخروج عن طاعة ولي الأمر كما قال ابن عباس- رضي الله عنهما- لسماك بن الوليد الحنفي( ) عندما قال لابن عباس: ما تقول في سلاطين علينا يظلموننا، ويشتموننا، ويعتدون علينا في صدقاتنا، ألا نمنعهم؟ قال: لا، أعطهم، الجماعة الجماعة، إنما هلكت الأمم بتفرقها، أما سمعت قول الله: ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟( ). وهذا القول هو الذي أشار إليه ابن بطال هنا.
وهذه الأقوال كلها صحيحة لا تنافي بينها، فكلها داخلة في معنى التفرق المنهي عنه في هذه الآية؛ لأن الاختلاف والتفرق المنهي عنه إنما هو المؤدي إلى الفتنة، والتعصب، وتشتيت الجماعة( )، وهذا كله موجود في المعاني الآنفة الذكر. والله أعلم.
؟ ؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟ •؟؟؟؟؟ ؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ •؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟•؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ (آل عمران: ١٦١).
وقال الزجاج: "وقوله تعالى: ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ﴾ جاءت قريظة من فوقهم، وجاءت قريش(١) وغطفان(٢) من ناحية مكة، من أسفل منهم" ا. هـ(٣).
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذا قال غير واحد من المفسرين(٤).
وهناك من المفسرين من عكس هذا القول فجعل الأحزاب هي التي جاءت من فوق، وقريظة هي التي جاءت من أسفل، كما قال ذلك: ابن كثير(٥).
وهذا العكس لا يؤثر على المعنى ؛ لأن النسبة قد تختلف باختلاف الراوي، فهو يعتبر هذه الجهة علو وآخر يعتبرها خلاف ذلك، حتى أن بعض المفسرين أعرض عن هذا الاختلاف في الجهة، وأتى بالمعنى المراد وهو تجمع الأحزاب، قال ابن جرير في معنى هذه الآية: ".. إذ جاءتكم جنود الأحزاب من فوكم، ومن أسفل منكم" ا. هـ(٦).
(١) قريش: قبيلة عظيمة اُختلف في تسميتها ونسبها، تنقسم إلى قسمين عظيمين: قريش البطاح، وقريش الظواهر، ولسان قريش هو أفصح لسان عربي، ومنزلها مكة؛ مما جعل لها مكانة بين القبائل، لها أيام من أشهرها أيام الفجار، وكانت أحد الأحزاب في غزوة الخندق ضد النبي -صلى الله عليه وسلم-. ا. هـ. انظر: اللباب في تهذيب الأنساب (٣/٢٥)، ومعجم قبائل العرب (٣/٩٤٧).
(٢) غطفان: قبيلة كبيرة، كثيرة الشعوب والأفخاذ، من قيس بن عيلان، من العدنانية، وهم: بنو غطفان بن قيس بن عيلان، منازلهم بنجد مما يلي وادي القرى، وجبل طيء، من أيامهم يوم الرقم، وهم كانوا مع الأحزاب في حربهم ضد النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الخندق. ا. هـ انظر: اللباب في تهذيب الأنساب (٢/٣٨٦)، ومعجم قبائل العرب (٣/٨٨٨).
(٣) انظر: معاني القرآن للزجاج (٣/٢١٨).
(٤) انظر: الوسيط (٣/٤٦١)، والتفسير الكبير (٢٥/١٧٢).
(٥) انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٦/٢٧٩٠).
(٦) انظر: جامع البيان (١٠/٢٦٥).


الصفحة التالية
Icon