إذا لم يجد المفسِّر تفسيراً في القرآن ولا في السنة، فإنه حتماً يرجع إلى أقوال الصحابة؛ فهم أدرى بالتفسير لما آتاهم الله من فَهْمٍ؛ ولما شاهدوا من أحوال حين نزول القرآن، ولعلمهم بلغة العرب، وملابسات النزول، ثم إذا لم يجد المفسِّر عند الصحابة تفسيراً رجع إلى تفسير التابعين؛ لأنهم هم الذين عاصروا الصحابة رضي الله عنهم أجمعين فيجد عندهم من العلم بالتفسير ما لا يجده عند غيرهم(١).
ولما كان تفسير الصحابة والتابعين بهذه الأهمية، اعتنى به ابن بطال عناية تامة لا تخفى لمن عنده أدنى اطلاع في شرح ابن بطال لصحيح البخاري، حتى لا يتناول آية بالتفسير - في الغالب - إلا ويذكر شيئاً من أقوال الصحابة والتابعين في ذلك، ويمكن بيان منهجه في ذلك كما يلي:
أولاً: نسبة القول إلى عدد غير محدد من الصحابة والتابعين، ومن الأمثلة على ذلك:
قول ابن بطال - رحمه الله -: "وتأول جماعة من الصحابة والتابعين في قوله تعالى: ﴿ 'دA÷sمƒ الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ z'دAré& #[ژِچyz #[ژچدWں٢ ﴾ أنها: القرآن وتأولوا في قوله تعالى: ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ spyJٍ٦دtù:$#ur ﴾ (آل عمران: ١٦٤). أنها: السنة التي سنها الرسول - ﷺ - بوحي من الله. وكلا التأويلين صحيح وذلك أن القرآن حكمة أحكم الله فيه لعباده حلاله وحرامه، وبين لهم فيه أمره ونهيه.
وكذلك سُنن رسول الله ﷺ حكمة، فصَّل فيها بين الحق والباطل، وبينت لهم مجمل القرآن، ومعاني التنزيل، والفقه في الدين، فهو كتاب الله وسنة نبيه - عليه السلام - فالمعنى واحد وإن اختلفت الألفاظ" ا. هـ(٢)
ثانياً: نسبة القول الواحد إلى أكثر من واحد حسب الاتفاق في المعنى، ومن الأمثلة على ذلك:

(١) انظر: مقدمة التفسير لابن تيمية (١٢٩- ١٣٠).
(٢) انظر: الموضع رقم (١٨).

القول الأول : إنه راجع إلى الحكام والأمراء، وممن قال بذلك: سعيد بن جبير، والضحاك( )، وكثير من المفسرين ممن جاء بعدهم( ).
القول الثاني : إنه راجع إلى الرجل والمرأة، وممن قال بذلك: السدي( ).
والقول الأول هو الراجح، قال الجصاص: "الأولى أن يكون خطاباً للحاكم الناظر بين الخصمين، والمانع من التعدي والظلم.." ا. هـ( )؛ ولأنه لو كان الخطاب للزوجين لقال: وإن خافا شقاق بينهما فليبعثا، أو لقال فإن خفتم شقاق بينكما، فبان بذلك ضعف القول الثاني.
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المسألة الثانية: مرجع الضميرين في قوله تعالى: ؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ وأن مرجعهما إلى الحَكَمين، وهذه المسألة اختلف المفسرون فيها على ثلاثة أقوال:
القول الأول : إن مرجع الضميرين في الآية الحكمان، وممن قال بذلك: ابن عباس - رضي الله عنهما-، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك( )، وقال به جمع من المفسرين ممن جاء بعدهم( ).
القول الثاني : إن مرجع الضميرين في الآية الزوجان( ).
القول الثالث : إن الضمير الأول للحكمين والثاني للزوجين( ).
القول الرابع : إن الضمير الأول للزوجين والثاني للحكمين( ).
والذي يظهر أنه يمكن الجمع بين هذه الأقوال، وأنها صحيحة كلها؛ لأن المعنى يحتملها كلها، فإذا أراد الزوجان الإصلاح وصدقا في ذلك وفقهما الله له، وإذا أراد الحكمان الإصلاح وفقهما الله له، وإذا أراد الحكمان الإصلاح وفق الله الزوجين له، وإذا أراد الزوجان الإصلاح وفق الله الحكمين له. قال الرازي: ".. ولاشك أن اللفظ محتمل لكل هذه الوجوه" ا. هـ( ). والله أعلم.
؟ ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟
أشار ابن بطال هنا إلى أشهر أقوال أهل العلم في معنى التعمير في قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ uچھ.x‹s؟ ﴾، مما يغني عن إعادته هنا.
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والذي ذهب إليه ابن بطال هنا هو الجمع بين القولين، وأن المراد بالتعمير في الآية من بلغ الأربعين، ومن بلغ الستين أيضاً. وهذا جمع وجيه لهذه المعاني في الآية، وقد أشار بعض المفسرين إلى هذا الجمع.
قال ابن عطية: "وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: أربعون سنة، وهذا قول حسن رويت فيه آثار،... وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره: الحد في ذلك ستون،.. وهذا أيضاً قول حسن متجه.." ا. هـ(١)، وكذا قال غيره من المفسرين(٢).
d ﴿ وَهُمْ tbqنzحچsـَءtƒ فِيهَا رَبَّنَا $sYô_حچ÷zr& نَعْمَلْ $·sد="|¹ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ uچھ.x‹s؟ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا tûüدJد="©à=د٩ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ (فاطر: ٣٧).
(١) انظر: المحرر الوجيز (١٥٥٤).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٤/٣٠٧).


الصفحة التالية
Icon