من شروط المفسِّر أن يكون على معرفة ودراية بعلوم اللغة العربية كما نص على ذلك غير واحد من أهل العلم؛ لأن القرآن نزل بلغة العرب فلا يمكن فهم القرآن إلا بفهم اللغة، قال الشاطبي: "فمن أراد تفهمه - أي: القرآن - فمِن جهة لسان العرب يُفهَم، ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة..." ا. هـ(١)
وقد اهتم ابن بطال - رحمه الله - بالتفسير اللغوي اهتماماً ظاهراً يظهر ذلك من خلال اختياراته الخاصة والتي هي موضوع بحثنا، ويظهر أكثر من خلال نقولاته عن كثير من أهل اللغة لبيان معنى الآيات، ويمكن تلخيص منهجه في ذلك كما يلي:
أولاً: اهتمامه بتفسير الغريب، وبيان معناه، وهذا كثير الاستعمال عنده، ومن الأمثلة على ذلك:
قول ابن بطال - رحمه الله -: "قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ أي: فُرِض عليكم كما فُرِض على الذين من قبلكم، والكتاب في اللغة بمعنى الوجوب والفرض" ا. هـ(٢)
وقوله أيضاً - رحمه الله -: "الإيلاء في لغة العرب: اليمين، وفي قراءة أبي بن كعب، وابن عباس - رضي الله عنهما - ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ ِNخgح !$|، دpS ﴾ قالا: يقسمون" ا. هـ(٣)
وقوله أيضاً - رحمه الله -: "قوله تعالى: ﴿ حچدغ$sù دN¨uq"yJ، ،٩$# وَالْأَرْضِ ﴾ يعني: خالقها" ا. هـ(٤)
ثانياً: ذِكْره معاني الحروف في الآية، وأثر ذلك في المعنى، ومن الأمثلة على ذلك:

(١) انظر: الموافقات للشاطبي (٢/ ١٠٢).
(٢) انظر: الموضع رقم (٦).
(٣) انظر: الموضع رقم (١٢).
(٤) انظر: الموضع رقم (١٠٩)، وانظر كذلك المواضع التالية: (٧١)، (١٣٨)، و( ١٤٤)، وغيرها.

٣١/٨ قال ابن بطال -رحمه الله-: "وقال أهل التأويل في قوله تعالى: ؟ ؟•؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ يعني في الدنيا ؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ في الآخرة. وقال مجاهد وغيره: نزلت هذه الآية في شفاعة الناس بعضهم لبعض( )، وقيل في الآية أقوال أُخَر؛ قيل: الشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين، والسيئة الدعاء عليهم، وكانت اليهود تدعو عليهم( )، وقيل: هو في قول اليهود: السام عليكم( )، وقيل معناه: من يكن شفيعاً لصاحبه في الجهاد يكن له نصيبه من الأجر، ومن يكن شفيعاً لآخر في باطل يكن له نصيبه من الوزر( ).............
والقول الأول أشبه بالحديث( ) وأولاها بتأويل الآية" ا. هـ (٩/٢٢٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :
أشار ابن بطال هنا إلى الخلاف الوارد في معنى هذه الآية واستوفى الأقوال الواردة فيها بما يغني عن إعادتها هنا.
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والذي اختاره ابن بطال هو القول بأن الآية عامة، فيؤجر المرء في كل شفاعة حسنة ويأثم في كل شفاعة سيئة، واستدل على ذلك بما رواه أبو موسى الأشعري أن النبي - ﷺ - كان إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة قال: "اشفعوا فلتؤجروا، وليقض الله على لسان رسوله ما شاء"( ) وهذا الاختيار قوي لأنه يجمع بين الأقوال السابقة فتكون الأقوال السابقة من باب الأمثلة على أنواع الشفاعات الحسنة والسيئة وليست من باب الحصر لها( ) فيكون الاختلاف في معنى الآية اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.
وقد أشار بعض المفسرين إلى هذا الاختيار، قال ابن العربي: "والصحيح عندي أنها عامة في كل ذلك.." ا. هـ( )
وقال ابن عطية بعد ذكره لهذه الأقوال: ".. وهذا كله قريب بعضه من بعض" ا. هـ( )
؟ ؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟
والثاني: أن تكون صفة فعل بمعنى القهر لمخلوقاته والغلبة لهم، ولهذا صح إضافته تعالى اسمه إليها فقال: ﴿ z `"ysِ٦ك™ رَبِّكَ رَبِّ دo¨"دèّ٩$# ﴾ والمربوب مخلوق لا محالة(١)"ا. هـ. (١٠/٤١٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :
أشار ابن بطال هنا إلى إثبات صفة العزة لله - عز وجل -، وهذا هو ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة أن هذه الآية تتضمن إثبات صفة العزة لله - عز وجل - الكاملة من جميع الوجوه(٢).
سورة ص
d ﴿ إِنَّ هَذَا ستپr& لَهُ سىَ، د@ tbqمèَ، د@ur نَعْجَةً z'ح$sـدƒù:$# ﴾ (ص: ٢٣).
١١٧/١ قال ابن بطال - رحمه الله -: ".. والعزة التي هي الغلبة والقهر هو قوله تعالى: ﴿ 'دT¨"tمur فِي ة>$sـدƒù:$# ﴾ أي: غلبني وقهرني " ا. هـ. (١٠/٤١٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب ابن بطال إلى ما ذهب إليه أهل التفسير، أن معنى قوله تعالى: ﴿ 'دT¨"tمur فِي ة>$sـدƒù:$# ﴾ أي: غلبني وقهرني، وممن قال بذلك: قتادة، وابن زيد(٣).
(١) أراد هنا أن رب بمعنى، خالق، وما أضيف إليها فهو مخلوق، وهذا قول خاطئ، فتعالى الله أن يكون شيئاً من صفاته مخلوقة، وعليه فالإضافة هنا هي من باب إضافة الموصوف إلى الصفة؛ لأن رب هنا بمعنى ذي، قال ابن كثير: "أي ذي العزة التي لا ترام" ا. هـ، فالعزة صفته، فهي هنا من إضافة الموصوف إلى الصفة، وإضافة الرب إلى العزة لاختصاصه بها. انظر: الكشاف (٩١٧)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (٧/٢٩٩٩)، وشرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (١/١٤٠).
(٢) انظر: التنبيهات السنية (١٠٥)، وشرح العقيدة الواسطية للهراس (١٢٧).
(٣) رواه عنهما ابن جرير في جامع البيان (١٠/٥٦٨).


الصفحة التالية
Icon