وقوله أيضاً - رحمه الله -: ".. حَذْف خبر المبتدأ كقوله تعالى: ﴿ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ فالمعنى: واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر، فحذَف الجملة التي هي الخبر لدلالة ما تقدم عليه" ا. هـ(١)
رابعاً: إيراده للشِّعر، ولكن على قلة في ذلك، ومن الأمثلة على ذلك:
قول ابن بطال - رحمه الله -: "والخلق بمعنى التصوير في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ﴾ أي: تصور لا تخترع، ومنه قول الشاعر:
فلأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري" ا. هـ(٢)
المبحث الخامس : منهجه في تفسير آيات الاعتقاد.
تقدم في ترجمة ابن بطال أنه يميل إلى منهج الأشاعرة، كما هو واضح في أقواله المتعلقة بالعقيدة، وكان في إيراده لمسائل العقيدة من خلال التفسير منهج يمكن أن نوضحه من خلال الآتي:
أولاً: بيانه معاني أسماء الله عز وجل الواردة في بعض الآيات(٣)، ومن الأمثلة على ذلك:

(١) انظر: الموضع رقم (١٣٦).
(٢) انظر: الموضع رقم (٤٥).
(٣) وقد وافق منهج أهل السنة في بعضها، وفي بعضها الآخر وافق منهج أهل التأويل، وقد بينا ذلك في موضع الدراسة.

ثانياً: لحديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سلَّم عليكم أهل الكتاب، فقولوا: وعليكم"( ). وهذا الحديث يُعتبر مفسِّراً للآية الكريمة، مؤيداً لعمومها فلا قول لأحد مع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وهذا القول هو قول أكثر العلماء( )، واختاره جمع من المفسرين( ).
؟ ؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟•؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ (النساء: ٩٣).
٣٣/١٠ قال ابن بطال -رحمه الله-: "وما جاء في كتاب الله من ذكر الخلود للمؤمنين كقوله تعالى : ؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟•؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟ فإنما
يراد بالتخليد تطويل المدة عليه في العذاب ولا يقتضي التأبيد كما يقتضي خلود الكافرين" ا. هـ (١٠/٤٣٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب ابن بطال إلى ما ذهب إليه أهل التفسير أن الخلود المذكور في قوله تعالى: ؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟•؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟ المراد به: تطويل المدة لا التأبيد في النار.
قال ابن عطية: "إذا كانت في المؤمن بمعنى: باقٍ مدة طويلة على نحو دعائهم للملوك بالتخليد ونحو ذلك، ويدل على هذا سقوط قوله: - أبداً - فإن التأبيد لا يقترن بالخلود إلا في ذكر الكفار" ا. هـ( )
وقال ابن كثير: "وبتقدير دخول القاتل إلى النار.. فليس يُخلَّد فيها أبداً، بل الخلود هو المكث الطويل.." ا. هـ( )، وكذا قال غيرهم من أهل التفسير( ).
؟ ؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ (النساء: ١٢٣).
والوجه الآخر: أن الله قال لإبليس: ﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ قال إبليس مجيباً له: أنا خير منه. فأخبر بالعلة التي من أجلها لم يسجد، وأخبره تعالى بالعلة التي لها أوجب عليه السجود، وهو أن خلقه بيده، فلو كانت اليد القدرة التي خلق آدم بها وبها خلق إبليس لم يكن لاحتجاجه تعالى عليه بما يوجب عليه السجود معنى؛ إذ إبليس مشارك لآدم فيما خلقه به تعالى من قدرته، ولم يعجز إبليس بأن يقول له: أي رب، وأي فضل له عليّ وأنا خلقتني بقدرتك كما خلقته؟ ولم يعدل إبليس عن هذا الجواب إلى أن يقول: أنا خير منه؛ لأنه خلقه من نار، وخلقه من طين، فعدول إبليس عن هذا الاحتجاج مع وضوحه دليل على أن آدم خصه الله من خلقه بيديه بما لم يخص به إبليس.
وكيف يسوغ للقدرية القول بأن اليد هنا القدرة مع نفيهم للقدرة؟!
وظاهر الآية مع هذا يقتضي يدين، فينبغي على الظاهر إثبات قدرتين، وذلك خلاف للأمة، ولا يجوز أن يكون المراد باليدين نعمتين لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق مثله؛ لأن النعم مخلوقة كلها، وإذا استحال كونهما جارحتين، وكونهما نعمتين، وكونهما قدرتين، ثبت أنهما يدان صفتان لا كالأيدي والجوراح المعروفة عندنا، اختص آدم بأن خلقه بهما من بين سائر خلقه تكريماً له وتشريفاً" ا. هـ. (١٠/٤٣٦-٤٣٧).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب ابن بطال هنا إلى ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، في إثبات اليدين لله - عز وجل - كما يليق بجلاله - سبحانه وتعالى -، قال ابن خزيمة: "باب ذكر إثبات اليد لله الخالق البارئ - جل وعلا-، والبيان أن الله تعالى له يدان كما أعلمنا في محكم تنزيله أنه خلق آدم عليه السلام بيديه.. وأعلمنا أن الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة.." ا. هـ. (١)
(١) انظر: كتاب التوحيد لابن خزيمة (١/١٣١).


الصفحة التالية
Icon