قول ابن بطال - رحمه الله -: "تضمن هذا الباب صفتين لله تعالى: صفة فعل، وصفة ذات، فصفة الفعل ما تضمنه اسمه الذي أجراه تعالى عليه وهو قوله تعالى: ﴿ -#¨-چ٩$# ﴾ والصفة الرزق، والرزق فعل من أفعاله لقيام الدليل على استحالة كونه تعالى فيما لم يزل رازقاً، إذ رازق يقتضي مرزوقاً، والباري مذ كان ولا مرزوق، فمحال كونه فاعلاً للرزق فيما لم يزل، فثبت أن ما لم يكن ثم كان مُحدَث مخلوق، فرزقه إذاً صفة من صفات أفعاله، وأما وصفه بأنه الرزاق فلم يزل الباري واصفاً لنفسه بأنه الرزاق، ومعنى ذلك أنه سيرزق المخلوقين، وأما صفة الذات فالقوة، والقوة والقدرة اسمان مترادفان على معنى واحد، والباري لم يزل قوياً ذا قدرة وقوة، وإذا كان معنى القوة معنى القدرة؛ فالقدرة لم تزل موجودة به موجبة له حكم القادرين.
وقوله تعالى: ﴿ ûüدGyJّ٩$# ﴾ الثابت الصحيح الوجود" ا. هـ(١)
وقوله أيضاً - رحمه الله -: "الكلام في معنى قوله تعالى: ﴿، د="y‚ّ٩$# ﴾ من وجهين: أحدهما: أن يكون بمعنى المبدع والمنشيء لأعيان المخلوقات وهذا معنى لا يشاركه فيه أحد من خلقه، ولم يزل الله مسمياً لنفسه خالقاً ورازقاً على معنى أنه سيخلق ويرزق لا على معنى أنه خلق الخلق في أزله لاستحالة قدم الخلق.
والثاني: أن يكون الخلق بمعنى التصوير وهذا أمر يصح مشاركة الخلق فيه له، فالخلق المذكور هنا بمعنى الإبداع والاختراع لأعيان السماوات والأرض" ا. هـ(٢)
ثانياً: إثباته لبعض صفات الله عز وجل الواردة في بعض الآيات مع موافقته لأهل السنة والجماعة في ذلك، مع اختلاف يسير في إيراد بعض الألفاظ كلفظ الجارحة ونحوه، ومن الأمثلة على ذلك:

(١) انظر: الموضع رقم (١٢٦).
(٢) انظر: الموضع رقم (١٣١)، وانظر كذلك المواضع التالية: (١٣٠)، و(١٥٠).

٣٤/١١ قال ابن بطال -رحمه الله-: "قال كثير من أهل التأويل في قوله تعالى: ؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟ معناه: أن المسلم يُجزَى بمصائب الدنيا فتكون له كفارة، رُوي هذا عن أبي بن كعب، وعائشة -رضي الله عنهما-، ومجاهد( ). ورُوي عن الحسن، وابن زيد أنه في الكفار خاصة( ).
وحديث عائشة، وأبي سعيد، وأبي هريرة( )، -رضي الله عنهم- يشهد بصحة القول الأول" ا. هـ (٩/٣٧٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :
أشار ابن بطال هنا إلى خلاف العلماء في الجزاء الوارد في قوله تعالى: ؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟، فمنهم من يرى أن الجزاء عام فالمسلم والكافر مجاز بعمله السوء: فأما الكافر فيُجازَى بالنار، وأما المؤمن فيُجازَى بنكبات الدنيا.
ومنهم من يرى أن الآية خاصة بالكفار، ثم ذكر القائلين بكلا القولين مما يغني عن إعادته هنا.
والذي اختاره ابن بطال هنا هو القول بالعموم، وأن المسلم يُجزَى بمصائب الدنيا فتكون له كفارة واستدل على ذلك بالأحاديث الآتية:
أولاً: حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر الله بها عنه.."( ).
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانياً: حديثي أبي سعيد، وأبي هريرة - رضي الله عنهما - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب( ) ولا هَمَّ ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها عن خطاياه"( ).
وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة(١).
وقد أجاد ابن بطال رحمه الله في الرد على المعتزلة القدرية، الذين أولوا صفة اليد لله بأنها النعمة، والقدرة، فرد عليهم بما يشفي ويكفي.
سورة غافر
d ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ ¼çms٩ِqxm يُسَبِّحُونَ د‰ôJut؟٢ ِNخkحh٥u' وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ثLىإspgù:$# ﴾ (غافر: ٧).
١١٩/١ قال ابن بطال - رحمه الله -: "قوله - عليه السلام -:"الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه"(٢) تفسير لقوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ يريد المصلين، والمنتظرين للصلاة، ويدخل في ذلك من أشبههم في المعنى، ممن حبس نفسه على أفعال البِرِّ كلها. والله أعلم" ا. هـ. (٢/٢٨٤).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :
أشار ابن بطال هنا إلى أن معنى استغفار الملائكة للمؤمنين في قوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ هو استغفار الملائكة للمصلي ما دام في مصلاه، ويدخل فيه أيضاً من حبس نفسه على طاعة الله، وهذا استنباط جيد، إذا كان المقصود أن هذا نوع من استغفار الملائكة للمؤمنين، أما إذا كان المراد الحصر فإن هذا فيه نظر. والله أعلم.
وقد أشار إلى هذا المعنى ابن حجر(٣).
d ﴿ قَالُوا رَبَّنَا $sY­FtBr& اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ $sYّùuژyIôم$$sù $sYخ/qçRن‹خ/ فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ ٥@ٹخ٦y™ ﴾ (غافر: ١١).
(١) انظر: الإبانة (١٠٦)، وفتاوى ابن تيمية (٦/٣٦٣)، ومختصر الصواعق المرسلة (٥١١-٥٣٠).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المسجد،
ح(٦٥٩).
(٣) انظر: فتح الباري (٢/١٦٧).


الصفحة التالية
Icon