وقوله أيضاً - رحمه الله -: "واحتج نفاة الرؤية بقوله تعالى: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾ وبقوله تعالى لموسى: ﴿ لَنْ سة_١uچs؟ ﴾ (الأعراف: ١٤٣) في جواب سؤاله الرؤية، وهذا لا تعَلُق لهم فيه؛ لأن قوله تعالى: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾ وقوله تعالى: ﴿ لَنْ سة_١uچs؟ ﴾ لفظ عام، وقوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا ×ouچدك$tR ﴾ (القيامة: ٢٢ و٢٣) خاص، والخاص يقضي على العام ويبينه، فمعنى الآية لا تدركه الأبصار في الدنيا؛ لأنه تعالى قد أشار إلى أن ا لمراد بقوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا ×ouچدك$tR ﴾ الآخرة؛ بقوله تعالى: ﴿ ‹ح´tBِqtƒ ﴾، وكذلك يكون معنى قوله لموسى: ﴿ لَنْ سة_١uچs؟ ﴾ في الدنيا" ا. هـ(١)
المبحث السادس : موقفه من الإسرائيليات.
لقد ذهب بعض المفسرين إلى اعتماد الروايات الإسرائيلية في تفاسيرهم، وهذا أمر حذَّر منه أهل العلم، فإن مصادر المفسِّر معروفة، وهي تغني عن كثير من القصص والأخبار الإسرائيلية.
ولم يتبين من خلال أقوال ابن بطال اعتماده على شيء من ذلك في أقواله التفسيرية، مما لا يجعل هناك مجال لكتابة شيء عن منهجه في ذلك. والله أعلم.
المبحث السابع : منهجه في الاستنباط.
من المعروف لدى كل من يعرف ابن بطال أنه فقيه، صاحب استنباط ووقفة عند المسائل، وهذه الميزة جعلت لآراء ابن بطال انتشاراً بين العلماء، فكان لابن بطال وقفات استنباطية عند الآيات، تبين مدى فقه هذا العالم، وسعة علمه، رغم أن هذه الوقفات منها المقبول ومنها غير المقبول ويمكن تلخيص منهجه في ذلك كما يلي:
أولاً : الاستنباط المباشر من الآية، حيث يُدخِل معنى من المعاني ضمن معنى الآية، وهذا كثير الاستعمال عنده، ومن الأمثلة على ذلك:

(١) انظر: الموضع رقم (٥٠)، وانظر كذلك الموضع رقم (٦٧).

وهذه الأقوال لا تعارض بينها -عدا القول الأول- بل لفظ الإكمال يحتملها كلها؛ فيكون معنى الإكمال هنا نفي المشركين عن البيت، ورفع النسخ، وإزالة الخوف من العدو والظهور عليه، وإكمال معظم الشرائع، وأما القول الأول فهو مرجوح ويدفعه أن هناك آيات نزلت بعد نزول هذه الآية.
قال ابن العربي بعد ذكره لهذه الأقوال: ".. كلها صحيحة، وقد فعلها الله سبحانه فلا يختص بعضها دون بعض، بل يقال أن جميعها مراد الله وما تعلق بها مما كان في معناها. إلا أن قوله: إنه لم ينزل بعدها آية، ولا ذُكِر بعدها حُكْم، لا يصح.." ا. هـ.( )
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الثانية: استدلال - ابن بطال - بهذه الآية على زيادة الإيمان ونقصانه، وهذا استنباط دقيق على هذه المسألة، فالآية صريحة في الكمال الذي يقابله النقص استلزاماً؛ لأن الشيء إذا قبل أحد الضدين لابد أن يقبل الضد الآخر( )، إذاً فالأمر فيه زيادة إلى الكمال، وفيه نقص، فكلما زاد المرء من الكمال في الدين كلما زاد إيمانه، وكلما ابتعد من الكمال كلما نقص إيمانه؛ ولهذا قال الإمام البخاري -رحمه الله - في صحيحه: "باب زيادة الإيمان ونقصانه، وقول الله: ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ فإن ترك شيئاً من الكمال فهو ناقص" ا. هـ.( )
وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية( ).
قال ابن قدامة: "والإيمان قول باللسان، وعمل بالأركان، وعقد بالجنان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان" ا. هـ.( )
؟ ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
١٢٢/١ قال ابن بطال - رحمه الله -: "فإن قال قائل: فإن قوله عليه السلام: (لن يُدخِلَ أحدَكم عملُه الجنة)(١) يعارض قوله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ èp¨Ypgù:$# الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ قيل: ليس كما توهمت، ومعنى الحديث غير معنى الآية، أخبر النبي - ﷺ - في الحديث أنه لا يستحق أحد دخول الجنة بعمله، وإنما يدخلها العباد برحمة الله، وأخبر في الآية أن الجنة تُنال المنازل فيها بالأعمال، ومعلوم أن درجات العباد فيها متباينة على قدر تباين أعمالهم، فمعنى الآية في ارتفاع الدرجات وانخفاضها والنعيم فيها(٢)، ومعنى الحديث في الدخول في الجنة والخلود فيها(٣)، فلا تعارض بين شيء من ذلك.
فإن قيل: قد قال تعالى في سورة النحل: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ (#qè=نzôٹ$# الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ فأخبر أن دخول الجنة بالأعمال أيضاً، فالجواب: أن قوله: ﴿ (#qè=نzôٹ$# الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ كلام مجمل يبينه الحديث، وتقديره ادخلوا منازل الجنة وبيوتها بما كنتم تعملون، فالآية مفتقرة إلى بيان الحديث....................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :
أشار ابن بطال هنا إلى التعارض الذي قد يُظن، وهو أن الآيات تدل على أن دخول الجنان يكون بالأعمال، والحديث ينفي دخول الجنان بالأعمال.
وأشار إلى بعض أوجه الجمع بين هذه الآيات والحديث، - والتي قد أشار إليها بعض المفسرين كما سبقت الإشارة إلى ذلك -، بما يغني عن إعادته مرة أخرى.................
(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، ح (٦٤٦٣)، ومسلم في صحيحه، كتاب صفات المنافقين، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله تعالى، ح (٢٨١٦).
(٢) أشار إلى هذا المعنى بعض المفسرين، انظر: المحرر الوجيز (١٦٨٧)، وزاد المسير (٤٩٦).
(٣) انظر: حادي الأرواح (١٢٩).


الصفحة التالية
Icon