يختلف المفسرون في تفسيرهم لآيات القرآن الكريم؛ وذلك حسب العلم الذي يميل إليه المُفسِّر، فمن كانت ثقافته لغوية غلب على تفسيره التفسير اللغوي، ومن كانت ثقافته فقهية غلب على تفسيره التفسير الفقهي وهكذا، والعلامة ابن بطال فقيه مشهور فكان له مع آيات الأحكام وقفات، ويمكن أن نلخص منهجه في ذلك فيما يلي:
أولاً : ذِكْرَه للحكم الذي تدل عليه الآية، وأنه هو المراد بمعنى الآية إجماعاً، وهذا كثير الاستعمال عنده، ومن الأمثلة على ذلك:
قول ابن بطال - رحمه الله - :"قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ (#ûqمYtB#uن إِنَّمَا مچôJsƒù:$#
مژإ£ّٹyJّ٩$#ur.. ﴾
الآية، واتفق أهل التأويل أن الميْسِر ها هنا القمار كله" ا. هـ(١)
وقوله أيضاً -رحمه الله-: "قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ دن!#uچs)àےù=د٩ وَالْمَسَاكِينِ tû، ح#دJ"yèّ٩$#ur $pkِژn=tو.. ﴾ اتفق العلماء أن العاملين عليها هم السعاة المتولون لقبض الصدقة، واتفقوا أنهم لا يستحقون على قبضها جزءاً منها معلوماً سُبْعاً أو ثُمْناً وإنما للعامل بقدر عمالته على حسب اجتهاد الإمام، ودلت هذه الآية على أن من شُغل بشيء من أعمال المسلمين أخْذ الرزق على عمله ذلك كالولاة، والقضاة، وشبههم" ا. هـ(٢)
وقوله أيضاً -رحمه الله-: "أجمع العلماء أن قوله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ 'دT#¨"٩$#ur (#rà$ح#ô_$$sù كُلَّ ٧‰دn¨ur مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ في زنا الأبكار خاصة، لمِا ثبت في حد الثيب أنه الرجم، وقول عمر- رضي الله عنه - على رؤوس الناس: "الرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أُحصِن" ولم يكن في الصحابة رضي الله عنهم مخالف فكان إجماعاً" ا. هـ(٣)

(١) انظر: الموضع رقم (٤٢).
(٢) انظر: الموضع رقم (٦٣).
(٣) انظر: الموضع رقم (٩٧).

٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتركهم حتى ماتوا، فأنزل الله: ؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟•؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟... ؟ الآية( ).
والاختلاف في سبب النزول لا يؤثر على المعنى كما قرر ذلك ابن بطال هنا؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقد قال بذلك جمع من المفسرين، قال الجصاص: ".. فثبت بذلك أن حكم الآية غير مقصور على المرتدين، وأنه عام في سائر المحاربين" ا. هـ.( )
وقال ابن كثير: "والصحيح أن هذه الآية عامة الحكم في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات.." ا. هـ.( )
وقال الشوكاني: "والحق أن الآية تعم المشرك وغيره لمن ارتكب ما تضمنته، ولا اعتبار بخصوص السبب، بل الاعتبار بعموم اللفظ" ا. هـ( )، وكذا قال غيرهم من أهل التفسير( ).
؟ ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟ (المائدة: ٣٨).
٤٠/٥ قال ابن بطال -رحمه الله-: "هذه الآية محكمة في وجوب قطع السارق، ومجملة في مقدار ما يجب فيه القطع، فلو تركنا مع ظاهره لوجب القطع في قليل الأشياء وكثيرها، ولكن بين لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- مقدار ما يجب فيه القطع بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "يُقطَع الكف في ربع دينار فصاعداً"( ) ففهمنا بهذا الحديث أن الله إنما أراد بقوله: ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ بعض السُرَّاق دون بعض فلا يجوز قطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً، أو فيما قيمته ربع دينار.." ا. هـ.............................. (٨/٤١١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :
أشار ابن بطال هنا إلى السارق الذي يجب أن تُقطَع يده الوارد في قوله تعالى:
؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟، وهذه المسألة وقع خلاف بين العلماء فيها على قولين:
صفتين لله تعالى: صفة فعل، وصفة ذات، فصفة الفعل ما تضمنه اسمه الذي أجراه تعالى عليه وهو قوله تعالى:
﴿ -#¨-چ٩$# ﴾ والصفة الرزق، والرزق فعل من أفعاله لقيام الدليل على استحالة كونه تعالى فيما لم يزل رازقاً، إذ رازق يقتضي مرزوقاً، والباري مذ كان ولا مرزوق، فمحال كونه فاعلاً للرزق فيما لم يزل، فثبت أن ما لم يكن ثم كان محدَث مخلوق(١)، فرِزْقه إذاً صفة من صفات أفعاله، وأما وصفه بأنه الرزاق فلم يزل الباري واصفاً لنفسه بأنه الرزاق، ومعنى ذلك أنه سيرزق المخلوقين(٢)، وأما صفة الذات فالقوة، والقوة والقدرة اسمان مترادفان على معنى واحد، والباري لم يزل قوياً ذا قدرة وقوة، وإذا كان معنى القوة معنى القدرة؛ فالقدرة لم تزل موجودة به موجِبة له حكم القادرين.
وقوله تعالى: ﴿ ûüدGyJّ٩$# ﴾ الثابت الصحيح الوجود" ا. هـ. (١٠/٤٠٤-٤٠٥).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :
أشار ابن بطال هنا إلى ثلاثة معان في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو دo

qà)ّ٩$# الْمَتِينُ ﴾ :


٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ما ذهب إليه ابن بطال هنا من استحالة كون الله رازق قبل أن يخلق المرزوقين، لأنه لا بد أن يكونوا موجودين حتى يُوصَف الله بالرازق، كلام غير صحيح، والحق الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله موصوف بصفات الكمال قبل أن يخلق الخلق، فلم يزدد بخلقهم صفة لم تكن له من قبل، سواء الرزق، أو غيرها من الصفات.
انظر: فتاوى (٦/٢٦٨-٢٧٢) و (١٦/٣٧٠-٣٩٠)، وشرح الطحاوية لابن أبي العز (٩٦).
(٢) هذا الكلام فيه مناقضة لكلامه في السابق، لأنه نفى في السابق ثم عاد هنا للإثبات ولكن أخطأ في المعنى فقال معناه: سيرزق المخلوقين، والمعنى الصحيح أن الله رازق قبل أن يخلق المرزوقين.


الصفحة التالية
Icon