ثم اختلف من سواهم في العبارة عن الاستواء( )، فقال أبو العالية: استوى: ارتفع. وقال مجاهد: استوى: علا. وقال غيرهما: استوى: استقر.
فأما قول من جعل الاستواء بمعنى القهر والاستيلاء، فقول فاسد؛ لأن الله لم يزل غالباً قاهراً مستولياً( ).
وقوله تعالى: ؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ يقتضي استفتاح هذا الوصف واستحقاقه بعد أن لم يكن، كما أن المذكور في البيت إنما حصل له هذا الوصف بعد أن لم يكن( )...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :................
وتشبيههم أحد الاستواءين بالآخر غير صحيح، ومؤدٍ إلى أنه كان تعالى مُغالَباً في ملكه، وهذا منتف عن الله تعالى؛ لأن الله هو الغالب لجميع خلقه( ).
وأما من قال تأويله: استقر فتأويل فاسد أيضاً؛ لأن الاستقرار من صفات الأجسام( ).
وأما قول من قال: تأويله ارتفع، فقول مرغوب عنه ؛لما في ظاهره من إيهام الانتقال من سُفْل إلى علو، وذلك لا يليق بالله( ).
وأما قول من قال: علا، فهو صحيح وهو مذهب أهل السنة والحق( ).
فإن قيل: ما ألزمته في ارتفع مثله يلزم في علا، قيل: الفرق بينهما أن الله وصف نفسه بالعلو بقوله تعالى: ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ (الروم: ٤٠) فوصف نفسه بالتعالي، والتعالي من صفات الذات، ولم يصف نفسه بالارتفاع"( ) ا. هـ (١٠/٤٤٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :..............
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشار ابن بطال هنا إلى معنى الاستواء، وأورد الخلاف فيه بما يغني عن إعادته هنا.
وبيَّن قول المعتزلة، ورد عليهم وأحسن في ذلك وأجاد، ومن أحسن من تكلم على مذهب المعتزلة -وتفسيرهم للاستواء بمعنى استولى- شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد رد عليهم من اثني عشر وجهاً( )، وكذلك تلميذه ابن القيم رد عليهم من اثنين وأربعين وجهاً( )، وليس هذا موضع إيرادها.
وهذا الاستنباط إن كان مراد ابن بطال به تقييد السؤال بهذا النوع من السؤال وهو سؤال التقرير، فهذا محل نظر؛ لأن الآية عامة، ولا دليل على تقييد نوعية السؤال، فقد يكون سؤال تقرير(١) وقد يكون سؤال محاسبة وعذاب(٢)، وإن كان مراده أن الآية تدل بوجه على هذا المعنى فهذا أمر وجيه يدل عليه العموم في معنى الآية. والله أعلم.
سورة الناس
d ﴿ ِ@è% èŒqممr& ةb>uچخ/ ؤ¨$¨Y٩$# اتب إ٧د=tB ؤ¨$¨Y٩$# ﴾ (الناس: ١- ٢).
١٥٠/١ قال ابن بطال - رحمه الله -: "(@è%) يا محمد ﴿ èŒqممr& ةb>uچخ/ ؤ¨$¨Y٩$# اتب إ٧د=tB ؤ¨$¨Y٩$# ﴾ ووصْفه تعالى لنفسه أنه مَلِك الناس على وجهين: أحدهما: أن يكون راجعاً إلى صفة ذاته وهو القدرة؛ لأن المُلْك بمعنى: القدرة.
والثاني: أن يكون راجعاً إلى صفة فعل وذلك بمعنى: القهر والصرف لهم عما يريدونه إلى ما أراده تعالى، فتكون أفعال العباد ملكاً له تعالى لا قدرة لهم عليها" ا. هـ.
(١٠/٤١٠- ٤١١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :
أشار ابن بطال هنا إلى معنى مَلِك في قوله تعالى: ﴿ إ٧د=tB ؤ¨$¨Y٩$# ﴾ وأنه بمعنى القدرة إن كان صفة ذات، وبمعنى القهر والصرف إن كان صفة فعل، وهذا الذي ذهب إليه ابن بطال هو من باب تفسير الشيء بلوازمه؛ لأن من لوازم المَلِك القدرة، والقهر، بينما معنى المَلِك في هذه الآية أبلغ من ذلك، فالمَلِك هو: المتصرف بالأمر والنهي(٣)، النافذ الأمر في ملكه(٤) فجميع الأشياء مخلوقة له، مملوكة له، متصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة،
عبيد له(٥).

(١) انظر: فتح القدير (٥/٤٨٩).
(٢) انظر: تيسير الكريم الرحمن (٨٦٣).
(٣) انظر: المفردات للراغب / ملك (٤٧٥).
(٤) انظر: تفسير أسماء الله للزجاج (٣٠)، والأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (٣٦٠).
(٥) انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٨/٣٤٨٨ و ٣٩١١).


الصفحة التالية
Icon