وقال الذهبي :" ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفوراً له، قمنا عليه، وبدعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر - المروزي - ولا ابن مندة، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة "(١).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :" اتفق العلماء على أنه ما من أحد من أعيان الأئمة من السابقين الأولين، ومن بعدهم إلا وله أقوال وأفعال خفي عليهم فيها السنة، وهذا باب واسع لا يحصى مع أن ذلك لا يغض من أقدارهم، ولا يسوغ اتباعهم فيها كما قال
تعالى :﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ النساء : الآية ٥٩.
قال مجاهد(٢)والحكم بن عتيبة(٣)، ومالك(٤)، وغيرهم(٥)" ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي -صلى الله عليه وسلم - "(٦).
(٢) رواه أبو نعيم في الحلية (٣/٣٠٠)، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (١/٤٤١)، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم (٢/٩٢٥- ٩٢٦).
(٣) رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (٢/٩٢٥).
(٤) صححها عن مالك الألباني في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- (صـ ٤٩).
(٥) رويت أيضاً عن ابن عباس - رضي الله عنهما - كما ذكر ذلك السبكي في فتواه (١/١٣٨)، قال :" فما أحسن ما قال ابن عباس - رضي الله عنهما - ليس أحد بعد النبي - ﷺ - إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي - ﷺ - " وأخذ هذه الكلمة من ابن عباس - رضي الله عنهما - مجاهد وأخذها عنهما مالك -رضي الله عنه - واشتهرت عنه".
(٦) الفتاوى الكبرى ( ٣/١٧٩) بتصرف بسيط جداً.
أيجوز أن يقال له: ارتكبت معصية فارتكب أخرى لِلَّهِ أيجوز أن يقال لشارب الخمر: إزنِ لِلَّهِ وللزاني: اكفر! أو يقال لهما: ضيّعا الصلاة !؟ "(١).
٤- أحياناً يتعرض لذكر خلافات الصحابة في المسألة إن وجد.
فمثلاً، عند قوله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠) ﴾ التوبة : ١٠٠.
قال: " تضمنت هذه الآية تفضيل السابقين إلى كل منقبة من مناقب الشريعة في علم أو دين أو شجاعة، أو غير ذلك من العطاء في المال والرتبة في الإكرام وفي هذه المسألة خلاف بين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، فروي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه كان لا يفضل بين الناس في العطاء بعضهم على بعض بحسب السابقة، وكان عمر يقول له : أتجعل ذا السابقة كمن لا سابقة له ؟ فقال أبو بكر : إنما عملوا لله وأجرهم عليه "(٢)
٥- أنه يذكر رأي مالك وأصحابه عند ذكر الأحكام الفقهية وأحياناً يرجح بين أقوال
المالكية.
فمثلاً، عند قوله تعالى :﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ البقرة : ١٨٤.
قال :" اختلفت الرواية عن مالك في المرض المبيح للفطر فقال مرة : هو خوف التلف من الصيام، وقال مرة : شدة المرض والزيادة فيه والمشقة الفادحة، وهذا صحيح مذهبه، وهو مقتضى الظاهر، لأنه لم يخص مرضاً من مرض فهو مباح في كل مرض إلا ما خصه الدليل"(٣).
وأحياناً يرد ما لا يراه صواباً من أقوال أصحابه، فمثلاً:
(٢) انظر : الجامع لأحكام القرآن ( ٨/٢١٧).
(٣) انظر : المصدر السابق ( ٢/٢٧٢).
٢٢٢)... فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد، لعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، وبهامشه تعليقات سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، دار ابن حزم، بيروت، ط١، ١٤٢٠هـ.
(٢٢٣)... فتوح البلدان، لأحمد البلاذري، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤٠٣هـ، تحقيق: رضوان محمد رضوان.
(٢٢٤)... الفروع، لمحمد بن مفلح المقدسي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط١، ١٤١٨هـ، تحقيق: حازم القاضي.
(٢٢٥)... فضيلة الشكر لله على نعمه وما يجب الشكر للمنعم عليه، لأبي بكر محمد بن جعفر السامري المعروف بالخرائطي، دار الفكر، ط١، ١٤٠٢هـ، تحقيق: محمد مطيع الحافظ، و د. عبد الكريم اليافي.
(٢٢٦)... الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي، دار ابن الجوزي، ط٣، ١٤٢٦هـ، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي.
(٢٢٧)... الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، لمحمد بن الحسن الحجوي المكتبة العلمية، المدينة المنورة، تحقيق: عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ.
(٢٢٨)... فهرس الفهارس ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، لعبد الحي عبد الكبير الكتاني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط٢، ١٤٠٢هـ، باعتناء د. إحسان عباس.
(٢٢٩)... الفوائد البهية في تراجم الحنفية، لمحمد عبد الحي اللكنوي، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، ١٣٢٤هـ.
(٢٣٠)... فوات الوفيات، والذيل عليها للكتبي، دار صادر، بيروت، تحقيق: د. إحسان عباس.
(٢٣١)... فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير، لمحمد عبد الرؤوف المناوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤٢٢هـ، تحقيق: أحمد عبد السلام.
(٢٣٢)... القاموس المحيط، لمحمد يعقوب الفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط٥، ١٤١٦هـ.
(٢٣٣)... قواعد الأحكام في مصالح الأنام، لعز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، دار الجيل، بيروت ١٤٠٠هـ، ط٢، راجعه وعلق عليه: طه عبد الرؤوف سعد.
(٢٣٤)... قواعد الترجيح عند المفسرين دراسة نظرية تطبيقية، لحسين الحربي، دار القاسم، الرياض، ط١، ١٤١٧هـ.