وقال :" واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصوماً في كل ما يأمر به وينهي عنه إلا رسول الله - ﷺ - ولهذا قال غير واحد من الأئمة كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ "(١).
وقال ابن القيم :" لابد من معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم وحقوقهم ومراتبهم، وأن فضلهم وعلمهم ونصحهم لله ورسوله لا يوجب قبول كل ما قالوه، وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم فيها ما جاء به الرسول - ﷺ - فقالوا بمبلغ علمهم والحق في خلافها ؛ لا يوجب إطراح أقوالهم جملة وتنقصهم والوقيعة فيهم، فهذان طرفان جائران عن القصد ؛ وقصد السبيل بينهما فلا نؤثم ولا نعصم.... ، ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح، وأثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون فيه الهفوة والزلة هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين"(٢).
فكل هذه النقولات تبين أن أهل العلم متفقون على أنه ليس أحد معصوماً في كل ما يأمر به وينهي عنه إلا رسول الله - ﷺ -.
ويجاب عن الانتقادات التي وجهت إليه بالآتي :
أولاً : الرد على ابن حزم فيما ذكره :
ابن حزم - رحمه الله - معروف عنه أنه كان جريئاً على الأئمة وعلى النيل منهم، حتى لم يكد يسلم منه أحد، حتى قال أبو العباس بن العريف في حقه: " كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين".
ومراده بذلك كثرة وقوعه في الأئمة كما قد عرف عن الحجاج سفكه لدمائهم(٣).
(٢) إعلام الموقعين (٥/٢٣٥).
(٣) انظر : سير أعلام النبلاء للذهبي (١٨/١٩٩)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (٣/٣٢٨)، ومرآة الجنان لليافعي (٢/٨١).
عند قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ ;o£‰د تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٤٩) ﴾ الأحزاب :: ٤٩.
قال :" وقد قال بعض أصحابنا : إنه إن وجد ما يتسرر به لم ينكح، وليس بشيء، وذلك أن الضرورات والأعذار ترفع الأحكام فيصير هذا من حيث الضرورة كمن لم يحلف"(١).
وأحياناً: يجمع بين الأقوال في المذهب إن أمكن ذلك:
فمثلاً: عند قوله تعالى :﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ﴾ المائدة : ٨٩.
قال: "واختلف أصحابنا متى استثنى في نفسه تخصيص ما حلف عليه، فقال بعض أصحابنا يصح استثناؤه وقد ظلم المحلوف له، وقال بعضهم: لا يصح حتى يسمع المحلوف له. وقال بعضهم: يصح إذا حرك به لسانه وشفتيه وإن لم يسمع المحلوف له، وإنما قلنا يصح استثناؤه في نفسه فلأن الأيمان تعتبر بالنيات، وإنما قلنا لا يصح ذلك حتى يحرك به لسانه وشفتيه فإن من لم يحرك به لسانه وشفتيه لم يكن متكلماً، والاستثناء من الكلام يقع دون غيره، وإنما قلنا لا يصح بحال فلأن ذلك حق للمحلوف له، وإنما يقع على حسب ما يستوفيه له الحاكم فلما لم تكن اليمين على اختيار الحالف، بل كانت مستوفاة منه وجب ألا يكون له فيها حكم..." إلى أخر ما ذكره(٢).
٦- مع أن ابن خويز منداد مالكي المذهب، إلا أنه خالف إمامه في بعض المسائل مما يدل على بعده عن الميول والنزعات المذهبية.
(٢) انظر : المصر السابق ( ٦/١٤٧).
٢٣٥)... قواعد التفسير جمعًا ودراسة، لخالد بن عثمان السبت، دار ابن عفان، الجيزة، مصر، ط١، ١٤٢١هـ.
(٢٣٦)... القواعد النورانية الفقهية، لابن تيمية، دار الكتب العلمية، بيروت، ط١، ١٤١٤هـ، تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين.
(٢٣٧)... قواعد معرفة البدع لمحمد بن حسين الجيزاني، دار ابن الجوزي، الدمام، ط٢، ١٤٢١هـ.
(٢٣٨)... الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل، لأبي محمد فوفق الدين عبد الله بن قدامة، المكتب الإسلامي بيروت، ط٤، ١٤٠٥هـ، تحقيق: زهير الشاويش.
(٢٣٩)... الكامل في التاريخ، لعلي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط٢، ١٤١٥هـ، تحقيق: عبد الله القاضي.
(٢٤٠)... كتاب أدب القضاء، لابن أبي الدم، مطبعة الإرشاد، بغداد، ط١، ١٤٠٤هـ، تحقيق: محي هلال السرحان، ودار الكتب العلمية، بيروت، ط١، ١٤٠٧هـ، تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا.
(٢٤١)... الكتب الستة (صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجه) مجموعة في: موسوعة الحديث الشريف، الكتب الستة، دار السلام، الرياض، ط١، ١٤٢٠هـ، بإشراف: معالي الوزير صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ.
(٢٤٢)... كشاف القناع عن متن الإقناع، لمنصور بن يونس البهوتي، دار الكتب العلمية، بيروت.
(٢٤٣)... الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لمحمد بن عمر الزمخشري، دار الكتاب العربي، بيروت، وبذيله: [الانتصاف للإمام أحمد الإسكندري، والكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر العسقلاني، وحاشية محمد عليان المرزوق على الكشاف، ومشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف لمحمد عليان].
(٢٤٤)... كشف الأسرار شرح أصول البزدوي لعبد العزيز أحمد بن محمد البخاري، دار الكتاب الإسلامي.
(٢٤٥)... كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، لإسماعيل بن محمد العجلوني، مؤسسة الرسالة، ط١، ١٤١٦هـ، تحقيق: أحمد القلاش.