وبما أن كل عالم خدم العلم الشرعي له حق علينا أن نبين فضله وننشر علمه، فقد رغبت في اختيار أقواله في التفسير خاصة(١) لتكون مجال بحثي لنيل درجة الماجستير في القرآن وعلومه، واخترت أن يكون عنوانها:
(أقوال ابن خويز منداد في التفسير جمعاً ودراسة)
وكل هذا كان بفضل الله ثم بتوجيهات المرشد - حفظه الله- أسال الله أن يجعله عملاً مباركاً نافعاً ومقبولاً عنده.
أهمية الموضوع، وأسباب اختياره:
١- إن العلم يشرف بشرف متعلقه، وعلم التفسير من أشرف العلوم لتعلقه بالقرآن الكريم.
٢- إن دراسة أقوال الأئمة في التفسير، ومعرفة مناهجهم فيه، لها أهمية خاصة في تنمية المواهب، وإثراء المادة العلمية لدى الباحث، كما أنها تكسب طالب العلم ملكة في استنباط الأحكام من الآيات الكريمة.
٣- أهمية أقوال ابن خويز منداد في التفسير وتظهر من خلال نقل أئمة التفسير عنه.
٤- في هذا البحث إبراز لعلمه وجهوده في التفسير، وإحياء لما اندثر من تراثه العلمي المبارك.
٥- لم آل جهداً في البحث عن تفسيره، ومع هذا لم أظفر به، ولعل في هذه الدراسة بعض التعويض عن هذا الكتاب المفقود.
أهداف البحث:
لقد كان وراء اختياري لهذا الموضوع جملة من الأهداف والدوافع، من أبرزها:
١- جمع أقوال ابن خويز منداد في التفسير رسالة علمية وفق أصول البحث العلمي.
٢- مقاربة أقواله بأقوال غيره من المفسرين، و معرفة الفروق و المزايا.
٣-التعريف بمكانته العلمية وخصوصاً في مجال التفسير.
الدراسات السابقة:

(١) ملاحظة: اعتمدت في نقل أقوال ابن خويز منداد على تفسير القرطبي في أغلب الدراسة وذلك لأنني وجدت أن كل من ذكر عنه قولاً في التفسير فإنما أخذه من تفسير القرطبي ولم يأتوا بجديد.

ولبيان حالة الدولة الإسلامية في هذا العصر فسوف أستعرض الحالة السياسية فيه بالتاريخ ففي سنة ٣٢٤كانت (البصرة) في يد محمد بن رائق (وفارس) في يد علي بن بويه وأصفهان والري في يد الحسن بن بويه والموصل وديار بكر وربيعة والجبل في يد بني حمدان ومصر والشام في يد الإخشيديين، وأفريقية والمغرب في يد الفاطميين، والأندلس في يد عبدالرحمن الناصر وخراسان وما وراء النهر في يد السمانيين وطبرستان وجرجان في يد الديلم، وخوزستان في يد أبي عبدالله البريدي، والبحرين واليمامة وهجر في يد أبي الطاهر الجنابي القرمطي، ولم يبق للخليفة إلا بغداد وما حولها، وحتى في بغدادلم يكن له فيها إلا الاسم حيث كانت بغداد وهي مركز الخلافة تحت سلطة بني بويه يتصرف فيها السلطان البويهي تصرفاً مطلقاً(١).
(١) انظر: المنتظم (١٤/٤٢)، والكامل في التاريخ لابن الأثير (٧/٢٠٧-٢٠٨) والبداية والنهاية (١١/٢٥٢)، وظهر الإسلام لأحمد أمين ( ١/٩١).

رجحه: القاضي عياض ونص على أنه رآه على كتبه(١)، وابن فرحون، ونص أيضاً على أنه رآه على كتبه وزاد بأنه مما رآه مكتوباً بخط ابن خويز منداد على كتبه(٢).
القول الراجح:
الذي يظهر للمتأمل أن الراجح هو قول من قال: إن اسم جده: ( علي )، وذلك لأسباب:
١- أن من قال: إن اسمه عبد الله، وإن كانو هم الأكثر إلا أنهم ينقل بعضهم عن بعض دون تحقيق ولا تدقيق.
٢- أن من ذكر أن اسم جده: ( علي ) معه زيادة علم، حيث ذكروا أنهم رأوه مما كتب على كتبه بل قال ابن فرحون: " رأيت على كتبه بخطه محمد بن أحمد بن علي بن إسحاق "(٣).
وعليه فمن حفظ حجة على من لم يحفظ، ثم إن هذه زيادة علم من ثقات أئمة أثبات مع ملاحظة كون القاضي عياض، وابن فرحون مالكيان(٤).
كنيته:
اختلف المترجمون له في كنيته على قولين:
القول الأول: أبو بكر.
وهذا هو المشهور، وقد كناه بذلك: الشيرازي(٥)، والذهبي(٦)، والداودي(٧)، وابن الغزي(٨)، والحجوي(٩).
القول الثاني: أبو عبدالله.
كناه به: القاضي عياض(١٠)، وابن فرحون(١١)، والخفاجي(١٢)، ومحمد مخلوف(١٣)وبهذا كناه القرطبي في تفسيره(١٤).
القول الراجح:
(١) انظر: ترتيب المدارك (٣/٦٠٦).
(٢) انظر: الديباج المذهب (ص٢٦٨).
(٣) المصدر السابق في المكان نفسه.
(٤) انظر: ابن خويز منداد حياته وآراؤه الأصولية، لعبد العزيز الصبحي، رسالة ماجستير في أصول الفقه في جامعة أم القرى بمكة المكرمة (صـ ٣٨).
(٥) انظر: طبقات الفقهاء (ص ١٦٨).
(٦) انظر: تاريخ الإسلام (ص ٢١٧).
(٧) انظر: طبقات المفسرين (٢/٧٢).
(٨) انظر: ديوان الإسلام ( ٢/٢٤٣).
(٩) انظر: الفكر السامي ( ٢/١١٥).
(١٠) انظر: ترتيب المدارك (٣/٦٠٦).
(١١) انظر: الديباج المذهب (ص ٢٦٨).
(١٢) انظر: نسيم الرياض (٤/١٤١).
(١٣) انظر: شجرة النور الزكية (ص ١٠٣).
(١٤) ١٠) انظر مثلاً: (٢/٤٣٦ )، (٥/٤٠٥)، ( ٦/٤٧) وغيرها.

إن أحسن وأعظم طرق التفسير وأصحها هو: تفسير القرآن بالقرآن، ولا يجوز الحياد عن هذه الطريقة إلا إذا عدمت، إذ لا أحد أعلم بمراده من كلامه إلا صاحبه، والقرآن كلام الله فهو - سبحانه- أدرى بمراده منه، وهو القائل: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) ﴾ فصلت: ٣.
والقائل: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩) ﴾ النحل: ٨٩.
فإذا كان القرآن فيه بيان وتفصيل كل شيء فمن الأولى أن يكون مبيناً مفصلاً في نفسه إما بكونه جاء من عند الله مبيناً مفصلاً أصلاً، وإما أن الله جعل بعضه موضحاً ومفصلاً
لبعض(١).
قال ابن تيمية: " إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر"(٢).
وقال الشنقيطي: " لإجماع العلماء على أن أشرف أنواع التفسير وأجلها تفسير كتاب الله بكتاب الله إذ لا أحد أعلم بمعنى كلام الله - جل وعلا - من الله "(٣).
وقد اهتم ابن خويز منداد بهذا الطريق في تفسيره من خلال أقواله التي عثرت عليها، فمن ذلك:
١- عند قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ.... ﴾ البقرة : ١٧٣.
فسر الدم المحرم في هذه الآية بالمسفوح واستدل في هذا التفسير بقوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا ﴾ الأنعام : ١٤٥(٤).
(١) انظر : منهج ابن كثير في التفسير، د. سليمان الملاحم (ص ١٨٤).
(٢) مقدمة في أصول التفسير (ص ٨٤ ).
(٣) أضواء البيان ( ١/٧).
(٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن ( ٢/٢١٧).

فمن الصحابة: عمر بن الخطاب، وعلى بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، وعمران بن حصين(١)، وأبي سعيد الخدري، - رضي الله عنهم-، وممن بعدهم: الزهري(٢)، والأوزاعي(٣)،
(١) انظر: جامع الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، حـ ٢٤٧. موسوعة الحديث الشريف (ص١٦٦٢). وعمران ابن حصين هو: ابن عبيد بن خلف الخزاعي الكعبي، القدوة الإمام، صاحب رسول الله - ﷺ -، يكنى أبا نجيد، أسلم هو وأبوه وأبو هريرة في وقت واحد سنة ٧هـ، غزا مع رسول الله - ﷺ -، بعثه عمر إلى البصرة ليفقه أهلها، وكان مجاب الدعوة، ولم يشهد الفتنة، توفي سنة ٥٢هـ. انظر: طبقات ابن سعد (٤/٢٨٧)، سير أعلام النبلاء (٢/٥٠٨)، و أسد الغابة لابن الأثير (٤/٢٨١).
(٢) الزهري هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، أبو بكر القرشي الزهري، المدني، أحد الأعلام من أئمة الإسلام، وهو تابعي جليل، من الطبقة الرابعة، كان حافظ زمانه، روى عن جماعة من الصحابة، توفي سنة ١٢٤هـ. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (٦/١١)، والبداية والنهاية (٩/٣٩٤)، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي (١/٢٩٤).
(٣) الأوزاعي هو: عبد الرحمن بن عمرو بن يُحْمَد، أبو عمرو الأوزاعي، شيخ الإسلام وعالم أهل الشام، كان خيراً، فاضلاً، مأموناً، كثير العلم والحديث والفقه، حجة، وكان كبير الشأن، مات سنة ١٥٧هـ. انظر: طبقات ابن سعد (٧/٤٨٨)، وسير أعلام النبلاء (٧/١٠٧)، وشذرات الذهب لابن العماد (١/٣٩٣)..

المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله - ﷺ - فيما استطعت، وبنيَّ أقروا بذلك"(١).
قال ابن حجر: "قوله (لما اجتمع الناس على عبد الملك) يريد ابن مروان بن الحكم، والمراد بالاجتماع: اجتماع الكلمة، وكانت قبل ذلك مفرقة، وكان في الأرض قبل ذلك اثنان كل منهما يدعى له بالخلافة، وهما: عبد الملك بن مروان، وعبد الله بن الزبير... وكان عبد الله بن عمر في تلك المدة امتنع أن يبايع لابن الزبير أو لعبد الملك، كما كان امتنع أن يبايع لعلي أو معاوية ثم بايع لمعاوية لما اصطلح مع الحسن بن علي واجتمع عليه الناس، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس عليه ثم امتنع من المبايعة لأحد حال الاختلاف إلى أن قتل ابن الزبير وانتظم الملك كله لعبد الملك فبايع له حينئذ"(٢).
والأئمة متفقون على وجوب طاعة الإمام المتغلب. نقل القرطبي عن سهل بن عبد الله التستري(٣)أنه سئل: ما يجب علينا لمن غلب على بلادنا وهو إمام؟ قال: تجيبه وتؤدي إليه ما يطالبك من حقه"(٤).
(١) صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس، حـ ٧٢٠٥. موسوعة الحديث الشريف، (ص ٦٠٠).
(٢) فتح الباري شرح صحيح البخاري (١٣/٢٤٠).
(٣) هو: سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى بن عبد الله التستري، أبو محمد الصوفي الزاهد، له كلمات نافعة ومواعظ حسنة وقدم راسخ في الطريق، توفي في محرم سنة ٢٨٣هـ عن ثمانين سنة. انظر: حلية الأولياء (١٠/١٨٩) والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي (٣/٩٨). وطبقات المفسرين للداودي (١/٢١٥).
(٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١/٣١١).

واختاره: السمعاني(١)والقرطبي(٢)، وأبو حيان(٣)، وابن تيمية(٤)، وابن كثير(٥)، والشوكاني(٦).
حجة هذا القول:
١/ ما رواه البخاري عن أنس - رضي الله عنه -، عن النبي
(١) انظر: تفسير السمعاني (١/٦٥). السمعاني هو: الإمام الجليل العلامة، منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر. أبو المظفر التميمي المروزي السمعاني - نسبة إلى سمعان، وهو: بطن من تميم -، الفقيه الشافعي، الحافظ، ولد في مرو، له مصنفات كثيرة، منها: تفسيره، والرد على القدرية وغيرها، قال عنه الذهبي: "الإمام العلامه، مفتي خراسان، شيخ الشافعية، تعصب لأهل الحديث والسنة والجماعة، وكان شوكاً في أعين المخالفين، وحجة لأهل السنة"، مات في ربيع الأول سنة ٤٨٩هـ عن ٦٣ سنة. انظر: سير أعلام النبلاء (١٩/١١٤)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (٣/٢١١)، وطبقات المفسرين للداوودي (٢/٣٣٩).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن.
(٢) انظر: البحر المحيط (١/٢١١). وأبو حيان هو: محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان، أبو حيان، الغرناطي الأندلسي الجياني، نحوي عصره ولغويه ومفسره ومحدثه، كان ثبتا قيما، وكان الإمام المطلق في النحو والتصريف، خدم هذا الفن أكثر عمره حتى صار لا يدركه أحد، وكان ينظم الشعر، له تصانيف، منها: البحر المحيط في التفسير، والتكميل في شرح التسهيل، وغيرها، توفي بالقاهرة في ١٨ صفر سنة ٧٤٥هـ. انظر: شذرات الذهب لابن العماد (٦/٣٢٤)، والدرر الكامنة لابن حجر (٥/٧٠)، ووفات الوفيات لمحمد شاكر الكتبي (٤/٧١).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (٧/٩٤).
(٤) انظر: تفسير ابن كثير (١/٢٢٦).
(٥) انظر: فتح القدير (١/١٥٩).

ونقل ابن منظور عن الأزهري(١)، أنه قال: "وجميع من شاهدته من أهل اللغة يذهب إلى أن الحين اسم كالوقت يصلح لجميع الأزمان"(٢).
وقال الراغب الأصبهاني:
"الحين وقت بلوغ الشيء وحصوله، وهو مبهم المعنى ويتخصص بالمضاف إليه، نحو قوله تعالى: ﴿ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ سورة ص: ٣. ومن قال: حين، يأتي على أوجه: للأجل، نحو: ﴿ وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ سورة يونس: ٩٨. وللسنة نحو قوله: ﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ﴾ إبراهيم: ٢٥، وللساعة نحو: ﴿ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ الروم: ١٧، وللزمان المطلق نحو: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (١) ﴾ الإنسان : ١، ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨) ﴾ ص: ٨٨، فإنما فسر ذلك بحسب ما وجد قد علق به"(٣).
وقال ابن العربي:
"الحين ظرف زمان، وهو مبهم لا تخصيص فيه، ولا تعيين في المفسر له، وهذا مقرر لغة، مجمع عليه من علماء اللسان، وإنما يفسره ما يقترن به، وهو يحتمل ساعة لحظية. ويحتمل يوم الساعة الأبدية، ويحتمل حال العدم كقوله تعالى: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ﴾ الإنسان : ١"(٤).
فاتفقت أقوال من فسر معنى الحين مطلقاً على أن المراد به: مطلق الزمان قل أو كثر وإنما يحدده ما يقترن به. والله أعلم.
المسألة الثانية:
أقوال المفسرين في المراد بالحين في قوله تعالى: ﴿ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ البقرة: ٣٦.
اختلف المفسرون في معناه على أقوال:
(١) لقد رجعت إلى كتابه معجم تهذيب اللغة فلم أجد قوله هذا، لذلك اعتمدت ما نقله ابن منظور في لسان العرب. والأزهري ستأتي ترجمة له عند دراسة قول ابن خويز في آية البقرة: ٢٨٦.
(٢) انظر: لسان العرب (١٣/١٣٤).
(٣) المفردات في غريب القرآن (ص١٣٨) مادة: (حين).
(٤) أحكام القرآن (٣/٦٧).

وهو قاضي الكوفة، فمازحه عبيد الله، فقال: جبتك هذه من صوف نعجة أو صوف كبش؟ فقال له: لا تجهل أيها القاضي لِلَّهِ فقال له عبيد الله: وأين وجدت المزاح جهلاً؟! فتلا عليه هذه الآية؛ فأعرض عنه عبيد الله؛ لأنه رآه جاهلاً لا يعرف المزح من الاستهزاء وليس أحدهما من الآخر بسبيل"(١).
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويزمنداد أن استشهاد الرجل بالآية على أن المزاح جهل، في غير محله، وإنما الآية في الاستهزاء، وذلك لأنهم لما سألوا موسى أن يسأل ربه من القاتل؟ فقال: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، فلبعد ما بين الأمرين في الظاهر، ولأنهم لم يدروا ما الحكمة فيه، نسبوا نبيهم إلى الاستهزاء، فقالوا: أتتخذنا سخرية أي أتسخر بنا يا موسى؟ فأجابهم بقوله:
﴿ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ لأن الخروج عن جواب السائل المسترشد إلى الهزء، إنما يفعله أهل الجهل لأنه نوع من العبث الذي لا يفعله العقلاء، ولهذا أجابهم موسى عليه السلام بالاستعاذة من الجهل(٢).
قال الزجاج: "لأن الهازئ جاهل"(٣).
فبهذا اتضح المراد من الآية، ولبيان الفرق بين الاستهزاء والمزاح فسأدرس هذا القول من خلال مسألتين هما:
الأولى: تعريف الاستهزاء، وبيان حكمه.
الثانية: تعريف المزاح، وبيان حكمه.
وبهذا سيتضح المقام إن شاء الله تعالى.
المسألة الأولى: معنى الاستهزاء، وبيان حكمه:
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١/٤٨٥).
(٢) انظر: معاني القرآن للزجاج (١/١٥٠)، وتفسير الطبري (٢٦/٧٦)، وتفسير ابن أبي حاتم (١/١٣٦)، وبحر العلوم للسمرقندي (١/١٢٨)، والنكت والعيون (١/١٣٧)، ومعالم التنزيل (١/٨٢)، وزاد المسير (ص٤٩)، والجامع لأحكام القرآن (١/٤٨٤)، وفتح القدير للشوكاني (١/٢٠٩).
(٣) معاني القرآن (١/١٥٠).

٣- أن السلامة من الحظر، والقطع ببراءة الذمة، إنما يكون بالمبادرة، وذلك أحوط وأقرب لتحقيق مقتضى الأمر، وهو الوجوب(١).
فالأمر على الفور لكن حسب الاستطاعة. قال الجصاص: "على المأمور المسارعة إلى فعله على حسب الإمكان حتى تقوم الدلالة على جواز التأخير"(٢).
أما قول ابن خويز منداد: "لأنه لم يعنفهم على التأخير والمراجعة في الخطاب".
لعله سهواً منه - رحمه الله - وذلك لأن النكير ظاهر عليهم في اللفظ، من وجهين:
أحدهما: تغليظ العقوبة عليهم، وهذا ضرب من النكير، كما قال الله تعالى: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ﴾ النساء: ١٦٠.
قال ابن عطية: "جعل الله هذه العقوبة الدنيوية إزاء ظلم بني إسرائيل في تعنتهم وأخلاقهم الذميمة"(٣).
الثاني: قوله: (وما كادوا يفعلون) وهذا يدل على أنهم كانوا تاركين للأمر، وأنه كان عليهم المسارعة إلى فعله"(٤).
قال ابن كثير: "يعني أنهم مع هذا البيان، وهذه الأسئلة، والأجوبة، والإيضاح، ما ذبحوها إلا بعد الجهد، وفي هذا ذم لهم، وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت، فلهذا ما كادوا يذبحونها"(٥).
فتبين أن قول ابن خويز منداد في هذه المسألة مرجوح......................
والله أعلم.
(١) انظر: روضة الناظر لابن قدامة (٢/٦٢٣)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (٢/٣٨٦)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (٣/٤٨)، ومذكرة الشنقيطي (ص٢٣٤).
(٢) أحكام القرآن (١/٤٠).
(٣) المحرر الوجيز (ص ٤٩٨).
(٤) انظر: أحكام القرآن للجصاص (١/٤٠).
(٥) تفسير ابن كثير (١/٣٠٤).

النساء، فبلغ ذلك النبي - ﷺ - فجاء إلى دار عثمان بن مظعون فلم يجده، فقال لامرأته: "ما حديث بلغني عن عثمان"؟ وكرهت أن تفشي سر زوجها، وأن تكذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فقالت: يا رسول الله، إن كان قد بلغك شيء فهو كما بلغك، فقال: "قولي لعثمان أخلافا لسنتي؟! أم على غير ملتي؟! إني أصلي و أنام، وأصوم و أفطر، وأغشى النساء، وآوي البيوت، وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني"(١). فرجع عثمان وأصحابه عما كانوا عليه"(٢).
ــــــــــــــــ
الدراسة:
هذه الآية خطاب من الله لليهود الذين كانوا في زمان رسول الله - ﷺ - بالمدينة، ينكر عليهم ما كانوا يعانونه من القتال مع الأوس والخزرج(٣).
وقد جوز ابن خويز منداد أن يكون ظاهر الآية هو المراد بها، وهو النهي عن قتل النفس، وهذا هو أحد أوجه تفسيرها، لذا سأذكر أقوال المفسرين فيها، مبينة الراجح منها.
أقوال المفسرين في المراد من الآية:
(١) رواه بنحوه: البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب الترغيب في النكاح، موسوعة الحديث الشريف(ص ٤٣٨)، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة (ص٩١٠). كلهم من حديث أنس بن مالك.
ولم أقف على هذه الرواية بنصها وإنما وجدته مختصرا بلفظ: " رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا " عن سعد بن أبي وقاص. رواه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب ما يكره من التبتل والخصاء، موسوعة الحديث الشريف(ص٤٣٩)، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة، موسوعة الحديث الشريف (ص٩١٠).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٢/٢٢-٢٣).
(٣) انظر: تفسير ابن عباس (١/٢٨٠) جمع د/ محمد العبد القادر، وتفسير الطبري (١/٤٥٦)، وتفسير ابن أبي حاتم (١/١٦٣)، وتفسير ابن كثير (١/٣٢٢).

قال ابن حجر: "فكاك الأسير أي: من أيدي العدو بمال أو بغيره، والفكاك - بفتح الفاء، ويجوز كسرها -: التخليص"(١).
المسألة الثانية:
حكم فك الأسرى:
فيه تفصيل حيث إن الأسرى منهم المسلمون الذين يأسرهم الكفار، ومنهم الكفار الذين في أيدي المسلمين، والحكم فيهما يختلف، سأبينه على النحو التالي:
١/ حكم فكاك الأسرى المسلمين:
هو واجب في الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (٧٥) ﴾ النساء : ٧٥.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية:
"وتخليص الأسارى و(٣) على جماعة المسلمين، إما بالقتال وإما بالأموال، وذلك أوجب لكونها دون النفوس إذ هي أهون منها، قال مالك: "واجب على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم، وهذا لا خلاف فيه"(٢).
ومن السنة: روى البخاري عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ - "فكوا العاني، وأطعموا الجائع، وعودوا المريض" (٣).
قال ابن بطال: "فكاك الأسير فرض على الكفاية، لقوله - ﷺ -: "فكوا العاني" وعلى هذا كافة العلماء... ، وعن مالك أنه سئل: أواجب على المسلمين افتداء من أسر منهم؟ قال: "نعم، أليس واجب عليهم أن يقاتلوا حتى يستنقذوهم؟ فكيف لا يفدونهم بأموالهم؟!"(٤).
(١) فتح الباري (٦/٢٠١).
(٢) الجامع لأحكام القران (٥/٢٦٨)....
(٣) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب فكاك الأسير، حـ ٣٠٤٦. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٤٥).
(٤) شرح صحيح البخاري لابن بطال (٥/٢١٠) باختصار.

الأولى: أقوال المفسرين في معنى العهد في الآية.
الثانية: أقوال المفسرين في معنى الظلم في الآية.
الثالثة: حكم عزل الإمام لفسقه والخروج عليه.
المسألة الأولى:
أقوال المفسرين في معنى العهد في الآية:
اختلف المفسرون في معنى العهد في الآية على أقوال:
أولاً: قيل: إنه لا عهد عليك لظالم أن تطيعه في ظلمه.
قال به: ابن عباس(١)، ومجاهد في رواية، وعطاء(٢).
ثانياً: وقيل: إنه الإمامة، أي: لا أجعل من كان من ذريتك بأسرهم ظالماً إماماً لعبادي يقتدى به.
قال به: سعيد بن جبير(٣)، ومجاهد(٤)، وعكرمة(٥)، واختاره ابن الجوزي(٦).
ثالثاً: وقيل: إنه النبوة، أي: لا ينال النبوة أهل الظلم والشرك.
قال به: السدي(٧)، وابن الملقن(٨)، واختاره ابن كثير(٩).
رابعاً: وقيل: إنه دين الله، أي: لا ينال دينه الظالمين.
(١) انظر: تفسير ابن عباس (١/٣٢٦) جمع: د. محمد العبد القادر.
(٢) انظر: تفسير ابن كثير (١/٤١٥).
(٣) انظر: المصدر السابق (١/٤١٤).
(٤) انظر: تفسير مجاهد (١/٨٨).
(٥) انظر: تفسير الطبري (٢/٥١٢).
(٦) انظر: زاد المسير (ص٦٩).
(٧) انظر: تفسير الطبري (٢/٥١١)، معالم التنزيل(١١/١١٢).
(٨) انظر: تفسير غريب القرآن (ص٦٦). وابن الملقن هو: عمر بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي ثم المصري، الإمام العلامة، سمي بابن الملقن نسبة إلى الشيخ عيسى المغربي كان يلقن القران حيث تربى ابن الملقن على يديه بعد وفاة أبيه، له مصنفات كثيرة مما يدل على غزارة علمه وسعة اطلاعه، توفي في ربيع الأول سنة ٨٠٤هـ بالقاهرة. انظر: شذرات الذهب لابن العماد (٧/١٧٠) والضوء اللامع للسخاوي (٣/٩٩).
(٩) انظر: تفسير ابن كثير (١/٤١٤).

إنه من الذكر بالثناء والمدح من الله في الملأ الأعلى، ومن العبد هو ذكره بالتسبيح، والتحميد، والدعاء، ونحوه.
قال به: الحسن في رواية(١)، والسدي(٢)، والربيع بن أنس(٣)، واختاره السمعاني(٤)، وابن رجب الحنبلي(٥).
ويشهد لهذا القول ما رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"(٦).
القول الثالث:
إن المراد بها، أي: كما أنعمت عليكم بالرسالة فاذكروني بتوحيدي، وتصديق نبيي.
قال به: الزجاج(٧).
القول الراجح:
(١) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (١/٢٦٠).
(٢) انظر: المحرر الوجيز (ص ١٤٥)، والدر المنثور(١/٢٧٤).
(٣) انظر: تفسير الطبري (٢/٦٩٥).
(٤) انظر: تفسير السمعاني(١/١٥٥).
(٥) انظر: تفسير ابن رجب (١/١٢٨).
(٦) رواه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (ويحذركم الله نفسه)، حـ ٧٤٠٥. موسوعة الحديث الشريف (ص٦١٦)، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على ذكر الله تعالى، حـ ٢٦٧٥. موسوعة الحديث الشريف (ص١١٤٥).
(٧) انظر: معاني القرآن وإعرابه (١/٢٢٨).

وهذا مما أجمع عليه أهل العلم عموماً، والمفسرون منهم خصوصاً، وحكى الإجماع غير واحد من المفسرين، منهم:
الطبري(١)، والجصاص(٢)، وابن عطية(٣)، وابن العربي(٤)، والقرطبي(٥)، وأبو حيان(٦)، والشوكاني(٧).
وأجمع العلماء على أن إطلاق تحريم الدم في آية البقرة، مقيد في آية الأنعام بالمسفوح، عند قوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا ﴾ الآية، الأنعام : ١٤٥.
قال القرطبي: "ذكر الله سبحانه وتعالى الدم هاهنا مطلقاً، وقيده في الأنعام بقوله: (مسفوحاً) وحمل العلماء هاهنا المطلق على المقيد إجماعاً، فالدم هنا يراد به المسفوح لأن ما خالط اللحم فغير محرم بإجماع، وكذلك الكبد والطحال مجمع عليه"(٨).
وقد جاءت أدلة مبيحة لما سوى الدم المسفوح من ذلك:
١- ما روته عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كنا نطبخ البرمة من اللحم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- تعلوها الصفرة فنأكل ولا ننكره)(٩).
قال الطبري: "وفي اشتراطه جل ثناؤه في الدم عند إعلامه عباده تحريمه إياه؛ المسفوح منه دون غيره، الدليل الواضح أن ما لم يكن منه مسفوحاً، فحلال غير نجس". ثم أورد أثراً عن عكرمة قال عند قوله تعالى: ﴿ أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا ﴾ :"لو لا هذه الآية لتتبع المسلمون عروق اللحم كما تتبعها اليهود"(١٠).
(١) انظر: تفسير الطبري (٨/٥٤).
(٢) انظر: أحكام القرآن، له (١/١٥٠).
(٣) انظر: المحرر الوجيز (ص١٥٤)
(٤) انظر: أحكام القرآن، له (١/٨٦).
(٥) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٢/٢١٨).
(٦) انظر: البحر المحيط (١/٦٩٣).
(٧) نقل الشوكاني حكاية القرطبي للإجماع، مقراً له. انظر: فتح القدير (١/٣١٣).
(٨) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٢/٢١٨).
(٩) سبق تخريجه.
(١٠) ١٠) انظر: تفسير الطبري (٩/٦٣٣ -٦٣٤).

أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة، والأصل فيه قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ البقرة: ١٨٤. (١)
ثم اختلفوا في بيان حد المرض المبيح للفطر:
١- فقيل: إنه المرض الذي يخاف صاحبه من التلف، أو شدة المرض، أو زيادته.
قال به: الجمهور، منهم: الإمام مالك، والشافعي(٢)، وأحمد(٣)، واختاره الطبري(٤)، والجصاص(٥)، الكيا الهراسي(٦)، وابن العربي(٧)، وابن الجوزي(٨).
وقال ابن عطية: "هذا مذهب حذاق أصحاب مالك، وبه يناظرون"(٩).
٢- وقيل: إنه المرض الذي لا يطيق صاحبه معه القيام لصلاته.
قال به: الحسن(١٠)، وإبراهيم النخعي(١١).
ويمكن أن يدخل هذا القول في القول الأول إلا أن الأول أعم.
٣- وقيل: إنه كل مرض يسمى مرضاً فإنه يبيح الفطر، ولو لم يضر صاحبه الصيام.
قال به: ابن سيرين(١٢)، وعطاء، والبخاري(١٣)، واختاره القرطبي(١٤).
القول الراجح:
ما ذهب إليه الجمهور هو الصواب، لأسباب:
١- قال ابن جرير: "وأما من كان الصوم غير جاهده، فهو بمعنى الصحيح الذي يطيق الصوم فعليه أداء فرضه"(١٥)ولأنه أبرأ للذمة.
(١) انظر: المغني (٤/٤٠٣).
(٢) انظر: أحكام القرآن للشافعي (١/١٠٩).
(٣) انظر: المغني (٤/٤٠٣).
(٤) انظر: تفسير الطبري (٢/١٨٠).
(٥) انظر: أحكام القرآن، له (١/٢١٢-٢١٣).
(٦) انظر: أحكام القرآن، له (١/٦٢).
(٧) انظر: أحكام القرآن، له (١/١١٢).
(٨) انظر: زاد المسير (ص٨٩).
(٩) المحرر الوجيز (ص ١٦٢).
(١٠) انظر: تفسير الحسن (١/١٣١).
(١١) انظر: تفسير الطبري (٢/١٨٠)، المحرر الوجيز (ص١٦٢).
(١٢) انظر: فتح الباري (٨/٢٢٥).
(١٣) نظر: تفسير الطبري (٢/١٨٠)، المحرر الوجيز (ص١٦٢)، وفتح الباري (٨/٢٢٥).
(١٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٢/٢٧٣).
(١٥) انظر: تفسير الطبري (٢/١٨٠) والمغني (٤/٤٠٤).

بين ابن خويز منداد أن الآية فيها تنبيه إلى أنه على الإنسان أن يأتي البر من وجهه الذي أمر الله به، وأن الأعمال التي تكون مترددة بين المشروع وغير المشروع؛ ينظر فيها هل لها أصل مناظر في الشرع أم لا؟ فإن كان لها أصل، ألحق هذا العمل من البر والقربة بأصله فيكون براً وقربة، وإلا فلا، لأن القرب أمور توقيفية فلابد أن تستند إلى أثر من الكتاب أو السنة، وما ذكره ابن خويز منداد هو أحد الأقوال في تفسير الآية.
وسأدرس هذا القول من خلال مسألتين:
الأولى: أقوال المفسرين في معنى الآية.
الثانية: هل العبادات توقيفية أم اجتهادية؟
المسألة الأولى:
أقوال المفسرين في تفسير الآية:
اختلف المفسرون في تفسير الآية على أقوال:
القول الأول:
إن المراد بالبيوت الحقيقة، وأن الإتيان هو المجيء إليها، والمعنى: أن الله أنزل هذه الآية راداً على من جعل إتيان البيوت من ظهورها براً، آمراً بإتيان البيوت من أبوابها. وقد استدل أصحاب هذا القول بما روي في أسباب نزول هذه الآية، ومن أصح ما روي الآتي:
القول الأول:
إن الآية منسوخة.
قال به: قتادة، والربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد(١)، ونسب ابن عطية هذا القول إلى الجمهور(٢)، واختاره: ابن جرير(٣)، وابن خويز منداد، والبغوي(٤).
ولكن اختلفوا في الناسخ ما هو؟
١- فقيل: إن الآية نسخت بقوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾ البقرة: ١٩٣. قال بذلك: الربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد(٥)، وجوز هذا ابن خويز منداد.
٢- وقيل نسخت بقوله تعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) التوبة: ٥.
واحتجوا بأن براءة نزلت بعد سورة البقرة بسنين.
قال بذلك قتادة(٦)، وأبو جعفر النحاس(٧).
ومما استدلوا به على نسخها ما روي في الصحيحين(٨)عن النبي - ﷺ - أنه دخل مكة وعليه المغفر، فقيل: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: (اقتلوه).
القول الثاني:
إن الآية محكمة.
قال به: مجاهد(٩)، وطاووس(١٠)،
(١) انظر: تفسير الطبري (٣/٢٩٥-٢٩٦)، وزاد المسير (ص٩٥).
(٢) انظر: المحرر الوجيز (ص١٧٠).
(٣) انظر: تفسير الطبري (٣/٢٩٨).
(٤) انظر: معالم التنزيل (١/١٦٢).
(٥) انظر: زاد المسير (ص٩٥).
(٦) انظر: تفسير الطبري (٣/٢٩٨).
(٧) انظر: الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس (١/٥٢١).
(٨) رواه البخاري في صحيحه، كتاب جزاء الصيد، باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام، حـ ١٨٤٦. موسوعة الحديث الشريف (ص١٤٥)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب النهي عن حمل السلاح بمكة،
حـ ١٣٥٧. موسوعة الحديث الشريف (ص٩٠٤).
(٩) انظر: النكت والعيون (١/٢٥٢).
(١٠) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٢/٣٤٨)، والبحر المحيط لأبي حيان (٢/١١٢). وطاووس هو:
طاووس بن كيسان، أبو عبد الله، الفقيه القدوة أحد أعلام التابعين، سمع من ابن عباس وأبي هريرة وغيرهما، توفي بمكة حاجاً سنة ١٠٦هـ، وصلى عليه أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (٥/٥٣٧)، وحلية الأولياء (٤/٣)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (٢/٥٠٩)، وتاريخ الإسلام للذهبي (٤/١١٦).

وكذلك يوم اليمامة لما تحصنت بنو حنيفة بالحديقة، قال رجل(١)من المسلمين: ضعوني في الحَجَفَة(٢)، وألقوني إليهم، ففعلوا وقاتلهم وحده وفتح الباب"(٣).
ــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويز منداد أن الواحد إذا حمل على العدد الكثير من العدو؛ لفرط شجاعته وقوته، وعلمه بأنه سيؤثر بالعدو وينفع المسلمين، وإن غلب على ظنه أنه سيقتل فهذا جائز، فابن خويزمنداد حمل معنى التهلكة في الآية، على أنه: إقحام النفس فيما يتسبب في قتلها، وهذا هو أحد أقوال المفسرين في معنى التهلكة في الآية، لذا فإنني سأدرس هذا القول من خلال مسألتين هما:
الأولى: أقوال المفسرين في معنى التهلكة في الآية.
الثانية: حكم انغماس الواحد في العدد الكثير من العدو.
المسألة الأولى:
أقوال المفسرين في معنى التهلكة في الآية:
اختلف المفسرون في معنى التهلكة على أقوال، هي كالآتي:
القول الأول:
إن المراد بها: ترك النفقة في سبيل الله، فيهلكون بالإثم.
(١) القائل هو: البراء بن مالك، أخو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري، شهد المشاهد مع رسول الله - ﷺ - إلا بدراً، واستشد يوم حصن تستر في خلافة عمر - رضي الله عنه - سنة ٢٠هـ. انظر: الإصابة (١/٤١٢).
(٢) الحَجَف: يقال للترس إذا كان من جلود ليس فيه خشب ولا عَقَب: حَجَفَة ودَرَقَة، والجمع: حَجَف. انظر: الصحاح للجوهري (٣/١١٠٨) مادة: (حَجَفَ)، ولسان العرب لابن منظور (٩/٣٩) مادة: (حَجَفَ).
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٢/٣٦١-٣٦٢).

أقوال العلماء في حكم أخذ الوالد من مال ولده. وسأبين الراجح منها - بإذن الله -.
أقوال العلماء في حكم أخذ الوالد من مال ولده:
أجمع أهل العلم على أنه يجب على الولد الموسر، مأونة الأبوين المعسرين(١).
أما إذا كانا موسرين فاختلف أهل العلم، هل يجوز للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ولو من غير حاجة أم لا؟ فيه قولان:
القول الأول:
إن للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها، صغيراً كان الولد أو كبيراً، بشرطين:
١- أن لا يجحف بالابن، ولا يضر به، ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجته.
٢- أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر.
هذا قول: عائشة - رضي الله عنها -، ومجاهد، والشعبي، والحسن(٢)، والإمام أحمد(٣)، وابن خويز منداد.
واستدلوا بالآتي:
بما روت عائشة - رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - ﷺ -: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم"(٤).
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي مالاً وولداً، وإن أبي يريد أن يجتاح(٥)مالي، فقال: "أنت ومالك لأبيك"(٦).
(١) انظر: مراتب الإجماع لابن حزم (ص١٤٢)، ونيل الأوطار للشوكاني (٧/٣٠٠١).
(٢) انظر: الدر المنثور (١/٦١٥).
(٣) انظر: المغني (٨/٢٧٢).
(٤) سبق تخريجه.
(٥) يجتاح: أي يستأصله ويأتي عليه أخذاً وإنفاقاً. انظر: النهاية لابن الأثير، مادة: (جوح) (ص١٧١).
(٦) رواه ابن ماجة في سننه، كتاب التجارات، باب ما للرجل من مال ولده، حـ ٢٢٩١. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٦١٤)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (٢/٢٤٤) برقم: (١٨٧٠).

قال به: يزيد بن أبي حبيب(١)، والحسن(٢)، وقتادة(٣)، وهو قول للشافعي(٤).
القول الثالث:
إن المراد بالآية: صدقة التطوع وصدقة الفرض، وأن الله مدح على إظهار الصدقة كما مدح على إخفائها، سواء أكانت فرضاً أم نفلاً.
قال به: الجصاص(٥)، وابن خويز منداد.
القول الرابع:
إن المراد بالآية: إن تبدوا الصدقات على أهل الكتابين من اليهود والنصارى، فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها فقراءهم فهو خير لكم، وأما ما أعطي فقراء المسلمين من زكاة وصدقة وتطوع فإخفاؤه أفضل من علانيته.
قال به: يزيد بن أبي حبيب(٦).
ويمكن مناقشة هذا القول بما ذكره ابن عطية رداً عليه حيث قال: "وهذا مردود لا سيما عند السلف الصالح فقد قال الطبري: أجمع الناس على أن إظهار الواجب أفضل"(٧).
القول الخامس:
إن المراد بالآية: فرض الزكاة وما تطوع به، فكان الإخفاء فيهما أفضل في مدة النبي - ﷺ - ثم ساءت ظنون الناس بعد ذلك فاستحسن العلماء إظهار الفرض، لئلا يظن بأحد المنع.
(١) انظر: تفسير الطبري (٥/١٦)، وزاد المسير لابن الجوزي (ص١٤٤). ويزيد بن أبي حبيب هو: بن سويد أزدي بالولاء، كان أسوداً نوبياً، أصله من دنقله، كان أحد ثلاثة جعل إليهم عمر بن عبد العزيز الفتيا بمصر، وكان أول من أظهر علوم الدين والفقه بمصر، تلقى عنه الليث، ومحمد بن إسحاق، وغيرهما، توفي سنة ١٢٨هـ عن ٧٥ سنة. انظر: تهذيب الكمال(٨/١١٨)، وشذرات الذهب لابن العماد (١/٣٠٢)، وسير أعلام النبلاء (٦/٣١).
(٢) انظر: تفسير الحسن البصري (١/١٩٦)................
(٣) انظر: أحكام القرآن للجصاص (١/٥٥٧)، والنكت والعيون (١/٣٤٥).
(٤) انظر: أحكام القران للكياالهراسي (١/٢٢٧).
(٥) انظر: أحكام القران، له (١/٥٥٧).
(٦) انظر: النكت والعيون (٣/١١٢).
(٧) المحرر الوجيز (ص٢٤٨) وما نقله عن الطبري نقله بالمعنى. انظر: تفسير الطبري (٣/١١٢).

إن المراد به: أعداؤه أي: إن لم تنتهوا عن الربا فأنتم حرب لله ورسوله. فليس حرباً حقيقة وإنما هو تهديد وتخويف(١).
قال به: مقاتل بن سليمان(٢)، والزجاج(٣).
القول الراجح :
القول الأول وهو: أن المراد بالحرب في الآية القتال هو الراجح - والله أعلم -، وذلك لأسباب:
١- أنه تفسير الصحابي الجليل الحبر بن عباس - رضي الله عنهما -، ولا مخالف له من الصحابة - رضي الله عنهم -، وعليه جمهور المفسرين.
٢- أنه هو الموافق لظاهر الآية، والأصل حمل نصوص الوحيين على ظاهرها ما لم يرد دليل صارف، هذا مع كون الدليل دل عليه كما سيأتي في السبب الآتي.
٣- أن هذا التفسير موافق لحكم الشرع في المرتدين، ومن ذلك قول النبي
- ﷺ -: (من بدل دينه فاقتلوه)(٤).
ومن ذلك قتال أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لمانعي الزكاة، وقد بوب البخاري في صحيحه لهذا الحديث بـ: (باب قتل من أبى قبول الفرائض، وما نسبوا إلى الردة).
قال ابن حجر:"أي جواز قتل من امتنع من التزام الأحكام الواجبة والعمل بها قال المهلب(٥): " من امتنع من قبول الفرائض نظر، فإن أقر بوجوب الزكاة مثلاً أخذت منه قهراً ولا يقتل فإن أضاف إلى امتناعه نصب القتال قوتل إلى أن يرجع"(٦).
(١) انظر: النكت والعيون (١/٣٥٢)، وروح المعاني (٢/٥٢).
(٢) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان (١/٢٢٧).
(٣) انظر: معاني القرآن وإعرابه (١/٣٥٩).
(٤) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله، حـ ٣٠١٧. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٤٢).
(٥) المهلب هو: المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي الأندلسي، مصنف (شرح صحيح البخاري)، المحدث المالكي، أحد الأئمة الفصحاء الموصوفين بالذكاء، توفي في شوال سنة ٤٣٥هـ. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (١٧/٥٧٩)، وشذرات الذهب لابن العماد (٣/٤١٨)، وهدية العارفين (٢/٤٨٥).
(٦) فتح الباري (١٢/٣٤٥).

الأول: أنه عطف على ما تقدم من قوله: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ﴾ البقرة: ٢٨٢. فلما كان استيفاء العدد المذكور والصفة المشروطة للشهداء واجباً، وجب أن يكون كذلك حكم الرهن فيما شرط له من الصفة فلا يصح إلا عليها، كما لا تصح شهادة الشهود إلا على الأوصاف المذكورة إذا كان ابتداء الخطاب توجه إليهم بصيغة الأمر المتقضي للإيجاب.
الثاني: أن حكم الرهن مأخوذ من الآية، وإنما أجازته بهذه الصفة، فغير جائز إجازته على غيرها، إذ ليس ههنا أصل آخر يوجب جواز الرهن غير الآية.
٢/ ومما يدل على أنه لا يصح إلا مقبوضاً أنه معلوم أنه وثيقة للمرتهن بدينه ولو صح غير مقبوضة لبطل معنى الوثيقة، وكان بمنزلة سائر أموال الراهن التي لا وثيقة للمرتهن فيها، وإنما جعل وثيقة له؛ ليكون محبوساً في يده بدينه فيكون عند الموت أو الإفلاس أحق به من سائر الغرماء ومتى لم يكن في يده كان لغواً لا معنى فيه وهو وسائر الغرماء، فيه سواء(١).
القول الثاني:
إن القبض ليس شرطاً في صحة الرهن، وإنما هو شرط في كمال فائدته، وعليه فيصح الارتهان بالإيجاب والقبول من دون قبض.
قال به: المالكية(٢).
واستدلوا بالآتي:
قوله: (فرهان مقبوضة) ففي الآية دليلان:
الأول: أنه قال: (فرهان مقبوضة) فأثبتها رهاناً قبل القبض.
الثاني: أن قوله: (فرهان مقبوضة) أمر لأنه لو كان خبراً لم يصح أن يوجد رهن غير مقبوض(٣).
القول الراجح:
القول الراجح - والله أعلم - هو: القول الأول وهو: أن القبض من تمام الرهن وهو قبل القبض غير تام، لأن الآية صريحة في الحكم، ولقوة أدلة القائلين به وهم الجمهور.
(١) انظر: أحكام القران للجصاص (١/٦٣٤-٦٣٥).
(٢) انظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي (٥/٢٤٨)، والجامع لأحكام القرآن (٣/٣٧٠).
(٣) انظر: المنتقى شرح الموطأ (٥/٢٤٨).

اختلف المفسرون في المراد به على أقوال، هي كالآتي:
القول الأول:
قيل: الإصر هو العهد، أي: لا تحملنا عهداً نعجز عن القيام به.
قال به: ابن عباس(١)- رضي الله عنهما - ومجاهد(٢)، وقتادة، والسدي، وابن جريج(٣)، والضحاك، والربيع(٤).
القول الثاني:
إن المراد به: الذنب الذي ليس فيه توبة ولا كفارة، أي: اعصمنا من اقترافه(٥).
قال به: ابن زيد(٦).
القول الثالث:
إن المراد به: الثقل العظيم.
قال به: مالك(٧)، والربيع(٨)، وابن قتيبية(٩)، وأبو عبيدة(١٠)٠)، والسمرقندي(١١)١)، وابن خويز منداد.
القول الرابع:
إن المراد به: أي لا تمسخنا قردة وخنازير.
قال به: عطاء(١٢)٢).
(١) انظر: تفسير ابن عباس (٢/٥٧٢) جمع: د. محمد العبد القادر..........
(٢) انظر: تفسير مجاهد، تحقيق: عبد الرحمن السورتي (١/١١٩).............
(٣) وابن جريج هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي الأموي، أبو الوليد ويقال: أبو خالد، الإمام المجتهد الحافظ، فقيه الحرم، صاحب التصانيف في التفسير وغيره، ولد سنة نيف وسبعين، وأدرك صغار الصحابة لكنه لم يحفظ عنهم، مات في أول ذي الحجة سنة ١٥٠هـ، عن سبعين سنة. انظر: التاريخ الكبير للبخاري (٥/٢٦٤)، وتاريخ بغداد (١٠/٣٩٩)، وطبقات المفسرين للداودي (١/٣٥٨).
(٤) انظر: تفسير الطبري (٥/١٥٨)، والنكت والعيون (١/٣٦٤). والمحرر الوجيز (ص٢٧٠).
(٥) انظر: روح المعاني (١/٦٨).
(٦) انظر: البحر المحيط لابي حيان (٢/٥٩٤)، والدر المنثور (١/٦٦٧).
(٧) انظر: مرويات الإمام مالك بن أنس في التفسير (ص٧٩)، جمع: محمد طرهوني وحكمت ياسين.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٥/١٥٩)، وتفسير الدر المنثور (١/٦٦٧).
(٩) انظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبية (ص٨٩).
(١٠) ١٠) انظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة (ص ٨٤).
(١١) ١١) انظر: بحر العلوم (١/٢٤٠).
(١٢) ١٢) انظر: النكت والعيون (١/٣٦٤)، وتفسير البحر المحيط لأبي حيان (٢/٥٩٤).......

نسخت أربعة أشهر وعشراً(١)، وكاختلافهم في الوصية للوارث؛ هل نسخت أم لم تنسخ(٢)؟ وكتعارض الآيتين أيهما أولى أن تقدم إذا لم يعرف النسخ ولم توجد شرائطة؟ كقوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ِNà٦د٩؛sŒ... ﴾ النساء: ٢٤، يقتضي الجمع بين الأقارب من ملك اليمين، وقوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ النساء: ٢٣، يمنع ذلك، ومنه أيضا تعارض الأخبار عن النبي - ﷺ - وتعارض الأقيسة فذلك المتشابه"(٣).
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويز منداد أن المتشابه هو ما يتوهم فيه الخلاف والتعارض في الآيات، ثم أورد أمثلة على ذلك، إلا أن هذا لا يفي بالمعنى إذ أنه تعريف للمتشابه بصورة من صوره، وهذا لا يكفي. وقد اختلف العلماء في المراد بالآيات المتشابهات على أقوال، سأذكرها ثم أبين الراجح منها.
أقوال العلماء في المراد بالآيات المتشابهات:
اختلف العلماء في المراد بها على أقوال، هي كالآتي:
القول الأول:
(١) مراده أن الصحابة - رضي الله عنهم - اختلفوا في آية الطلاق، وهي قوله: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) الآية: ٤، هل نسخت آية البقرة؟ وهي قوله: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً) الآية: ٢٣٤. وللإطلاع على خلافهم فيها ينظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (١/٧٢) (٣/١٢٢) تحقيق: د/سليمان اللاحم.
(٢) مراده قوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين) البقرة: ١٨٠، انظر: الكلام حولها في: الناسخ والمنسوخ للنحاس (١/٤٨٠)، ونواسخ القرآن لابن الجوزي (ص١٥٨) تحقيق: محمد الملباري.
(٣) انظر: البحر المحيط لأبي حيان (٢/٦١٢)، والجامع لأحكام القرآن (٤/١٤)، وفتح القدير للشوكاني (١/٥٢٧).

اختلف العلماء في حكمها على أقوال:
القول الأول:
إن الشورى واجبة على الولاة.
قال به: الجصاص(١)، وابن خويزمنداد، وابن عطية(٢)، والرازي(٣)، وأبو حيان(٤).
واستدلوا بالآتي:
١- بقوله تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ فظاهر الأمر يقتضي الوجوب(٥).
٢- وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) ﴾ الشورى: ٣٨. فالله مدح المؤمنين بها، وذكر المشورة مع الإيمان، وإقامة الصلاة، يدل على جلالة موقع المشورة، ويدل على أنا مأمورون بها(٦).
٣- وبفعل النبي - ﷺ - فقد كان كثير المشاورة لأصحابه، والشواهد كثيرة يضيق المقام عن ذكرها، وكذلك بفعل الصحابة من بعده.
القول الثاني:
إن الشورى مندوبة وليست واجبة.
(١) انظر: أحكام القرآن، له (٢/٥٢) و (٣/٥١١).
(٢) انظر: المحرر الوجيز (ص٣٧٦).
(٣) انظر: التفسير الكبير (٩/٦٧).
(٤) انظر: البحر المحيط (٣/١٤٢).
(٥) انظر: التفسير الكبير (٩/٦٧).
(٦) انظر: أحكام القرآن للجصاص (٣/٥١١).

ذكر ابن خويز منداد أثراً عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، وهو عند أبي داود في سننه(١)، ولم أقف على قول لابن خويزمنداد في هذه المسألة، ولا يلزم من كونه ذكر هذا الأثر أن يكون رأياً له، سيما وقد ذكر الرواية بصيغة التمريض، ولعله يقول بقول الإمام مالك لأنه مالكي المذهب - والله أعلم -.
وقد اختلف العلماء في عقوبة الغال بحرق متاعه على ثلاثة أقوال، سأذكرها مبينة الراجح منها - إن شاء الله تعالى -.
أقوال العلماء في عقوبة الغال بحرق متاعه:
القول الأول:
إن من غل من الغنمية حرق رحله كله، ومتاعه كله، إلا المصحف وما فيه روح.
قال به: الحنابلة(٢)، والحسن، ومكحول(٣)، والأوزاعي(٤).
واستدلوا بالآتي:
(١) سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب في عقوبة الغال، حـ ٢٧١٥. موسوعة الحديث الشريف (ص١٤٢٥) ولفظه: (أن رسول الله - ﷺ - وأبا بكر وعمر... ) وهو ضعيف، أشار إلى ضعفه البخاري في صحيحه، في كتاب الجهاد، باب القليل من الغلول، قال :"ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي - ﷺ - حرق متاعه وهذا أصح". وانظر: فتح الباري (٦/٢٢٥)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (ص٢٠٨) برقم: (٢٧١٥).
(٢) انظر: المغني لابن قدامة (١٣/١٦٨).
(٣) مكحول هو: ابن أبي مسلم، شهراب بن شاذل بن سند بن شروان بن يزدك بن يغوث بن كسرى، أبو عبد الله، ويقال: أبو أيوب، ويقال: أبو مسلم، مولى هذيل، أصله من الفرس، دمشقي فقيه، عداده من أوساط التابعين، وهو من أقران الزهري، أعتق بمصر وجمع علمها، عده الزهري عالم أهل الشام، قال يحيى بن معين: "كان قدريا ثم رجع"، مات سنة ١١٢هـ، وقيل: ١١٦هـ. انظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٨/٤٦٧)، وسير أعلام النبلاء (٥/١٥٥)، وتهذيب التهذيب (٤/١٤٩).
(٤) انظر: نيل الأوطار (٨/٣٨٢٢).

قال الطبري: "وإنما توجه الكلام إلى الأغلب المعروف في استعمال الناس من معانيه دون الخفي، حتى يأتي بخلاف ذلك ما يوجب صرفه إلى الخفي من معاينة، حجة يجب التسليم لها، من كتاب أو خبر عن رسول الله - ﷺ - أو إجماع من أهل التأويل"(١).
القول الثاني:
إن المراد بالرباط في الآية انتظار الصلاة بعد الصلاة.
قال به: أبو سلمة بن عبد الرحمن(٢).
واستدل بالآتي:
١- أنه لم يكن في زمان رسول الله - ﷺ - غزو يرابط فيه(٣).
٢- وروى مسلم في صحيحه(٤)عن أبي هريرة أن رسول الله - ﷺ - قال: "ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط".
(١) تفسير الطبري (٦/٣٣٣).
(٢) انظر: المصدر السابق (٦/٣٣٤)، والجامع لأحكام القرآن (٤/٣١٤). وأبو سلمة هو: عبد الله، وقيل إسماعيل، بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، الحافظ، أحد الأعلام بالمدينة، أدركت أمه حياة النبي - ﷺ، توفي بالمدينة سنة ٩٤هـ، في خلافة الوليد عن ٧٢ سنة. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (٤/٢٨٧) وتهذيب التهذيب (٤/٥٣١).
(٤) انظر: الجامع لأحكام القران(٤/٣١٤).
(٣) صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره، حـ ٢٥١. موسوعة الحديث الشريف (ص٧٢٢).

ورجحه: الطبري(١)، والجصاص(٢)، وابن العربي(٣)، وابن الجوزي(٤)،
وابن كثير(٥)، والشنقيطي(٦)٠).
ومما استدلوا به:
١/ أنه عطف الاستمتاع على إباحة النكاح في قوله: ﴿ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ وذلك إباحة لنكاح من عدا المحرمات المذكورات في الآية، لا محالة لأنه لا خلاف في أن النكاح مراد بذلك، فوجب أن يكون ذكر الاستمتاع بياناً لحكم المدخول بها بالنكاح في استحقاقها لجميع الصداق(٧)١).
٢/ قال الشنقيطي: "قوله تعالى: ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ النساء: ٢٤. معناه: أنكم تستمتعون بالمنكوحات فأعطوهن مهورهن في مقابلة ذلك، وهذا المعنى تدل له آيات من كتاب الله كقوله تعالى: ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾ النساء: ٢١. فإفضاء بعضهم إلى بعض المصرح بأنه سبب لاستحقاق الصداق كاملاً، هو بعينه الاستمتاع المذكور هنا في قوله: ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ﴾ الآية، وقوله تعالى: ﴿ وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ النساء: ٤. وقوله: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا ﴾ البقرة: ٢٢٩، فالآية في عقد النكاح لا في نكاح المتعة"(٨).
٣/ ما ذكره ابن خويز منداد من أن قوله تعالى: ﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ ﴾ النساء: ٢٥.
يدل على أن شرط النكاح الصحيح أن يكون بولي وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك.
(١) انظر: تفسير الطبري (٦/٥٨٨).
(٢) انظر: أحكام القرآن، له (٢/١٨٥).
(٣) انظر: أحكام القرآن، له (١/٤٣٨)
(٤) انظر: زاد المسير (ص٢٣٧).
(٥) انظر: تفسير ابن كثير (٢/٢٥٨).
(٦) ١٠) انظر: أضواء البيان (١/٢٥٣).
(٧) ١١) انظر: أحكام القرآن للجصاص (٢/١٨٦).
(٨) أضواء البيان (١/٢٥٣).

يفهم مما ذكره ابن خويز منداد أن المراد بأولي الأمر في الآية هم الأمراء والولاة، وقد اختلف المفسرون في المراد بهم في هذه الآية، لذلك سأتناول قول ابن خويز منداد من خلال مسألتين:
الأولى: أقوال المفسرين في المراد بأولي الأمر في الآية.
الثانية: حكم طاعة ولاة الأمر، وهل هي مطلقه أم مقيدة ؟.
المسألة الأولى:
أقوال المفسرين في المراد بأولي الأمر في الآية:
اختلف المفسرون في أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في هذه الآية على أقوال:
القول الأول:
إنهم الأمراء والولاة.
قال به: أبو هريرة، وابن عباس في رواية - رضي الله عنهم -، وزيد بن أسلم(١)، ورجحه الطبري(٢)، وهو ما عليه الجمهور(٣).
والذي يظهر من كلام ابن خويزمنداد أنه أراد هذا القول. والله أعلم.
استدلوا بالآتي:
بما ورد من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - ﷺ - التي أمر فيها بطاعة الأئمة والولاة، من ذلك:
مارواه أنس - رضي الله عنه - عن النبي - ﷺ - قال:" اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة"(٤).
وعن عبادة بن الصامت قال: "بايعنا رسول الله - ﷺ - على السمع، والطاعة، في العسر، واليسر، والمنشط، والمكره، وأثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله"(٥).
(١) انظر: تفسير الطبري (٧/١٨٢)، وزاد المسير (ص ٢٥٤).
(٢) انظر: تفسير الطبري (٧/١٧٦).
(٣) حكاه عن الجمهور: ابن عطية في: المحرر الوجيز (ص٤٤٩)، والنووي في: المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج (١٢/٤٢٧).
(٤) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الآذان، باب إمامة العبد والمولى، حـ٦٩٣. موسوعة الحديث الشريف (ص ٥٦).
(٥) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس، حـ٧١٩٩. موسوعة الحديث الشريف (ص٦٠٠)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، حـ١٨٤١. موسوعة الحديث الشريف (١٠٠٨).

ويمكن أن يوجه قول ابن عباس هذا بما ذكره أبوحيان بعدما أورد قوله، قال: "وإنما عنى بذلك التخصيص إذ ليس يلزم النفر جماعتهم"(١). وهذا مشهور عند السلف، أنهم يسمون كل ظاهر ترك ظاهره لمعارض راجح، كتخصيص العام، وتقييد المطلق، نسخاً(٢).
وأما ما ذكره ابن خويزمنداد من أنه قيل: إن الآية نسخت بقوله: ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا ( ﴾ التوبة: ٤١. فلم أجد هذا القول عند غيره، ولم أقف على قائله.
القول الراجح:
الراجح من القولين هو ما رجحه ابن خويزمنداد، من أن الآية محكمة.
قال ابن العربي: "قوله تعالى: ﴿ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾ يقتضي بمطلقه أن يخرج الناس معاً، أو متفرقين كيفما تيسر لهم، وليس فيه خروجهم (بكليتهم) حتى ينسخه ما يقتضي خروج بعضهم، وإنما فيه خروج أصلي"(٣).
وقال ابن حجر: "والتحقيق أن لا نسخ، بل الرجوع في الآيتين إلى تعيين الإمام، وإلى الحاجة إلى ذلك"(٤).
فتبين أن ابن خويز منداد وافق الصواب في حكم هذه الآية.
والله اعلم.
(١) البحر المحيط (٣/٤١٣).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (١٣/٢٧٢).
(٣) الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم (٢/١٧٧).
(٤) فتح الباري (٦/٤٨).

رجحه: ابن جرير الطبري(١).
القول الرابع:
إن المراد بالتحية في الآية : الهبة.
قال به: أصحاب أبي حنيفة(٢)، وجوز هذا المعنى ابن خويزمنداد.
القول الراجح:
الراجح - والله أعلم - هو القول الأول، وهو: أن المراد بالتحية في الآية السلام، لأنه هو القول الذي يوافق ظاهر الآية.
قال القرطبي:
"والصحيح أن التحية ههنا السلام، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ﴾ المجادلة : ٨، وقال النابغة الذبياني(٣):
تحييهم بيضُ الولائد بينهم وأكسية الإضريح فوق المشاجب(٤)
أراد: يُسلِم عليهم، وعلى هذا جماعة المفسرين"(٥).
فتبين أن القول الذي جوَّزه ابن خويز منداد في هذه الآية مرجوح. والله أعلم.
(١) انظر: تفسير الطبري (٧/٢٧٣).
(٢) انظر: أحكام القران للجصاص (٢/٢٧٢)، وتفسير السمعاني (١/٤٥٦).
(٣) هو: زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري، أبو أمامة، شاعر جاهلي، من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز. انظر: طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي (١/٥١)، والأعلام للزركلي (٣/٥٤-٥٥).
(٤) انظر: ديوان النابغة (ص٣٣). والمراد بالولائد: الإماء والجواري، والإضريح: الخز الأحمر، وقيل: الأصفر، والمشاجب: هي خَشَبات موثقة منصوبة، توضع عليها الثياب وتنشر، والجمع: شُجُب. انظر: لسان العرب (١/٤٨٤) مادة :(شجب)، و (٢/٣١٣) مادة :(ضرح)، و (٣/٤٦٨) مادة :(ولد).
(٥) الجامع لأحكام القران (٥/٢٨٤).

قال ابن جرير الطبري: "يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ وليعن بعضكم بعضاً أيها المؤمنون على البر، وهو العمل بما أمر الله بالعمل به، والتقوى هو اتقاء ما أمر الله باتقائه واجتنابه من معاصيه"(١).
فهذه الآية فيها أمر بالتعاون عام في كل بر وتقوى، قال الشوكاني: "أمرهم بالتعاون على البر والتقوى أي ليعضد بعضكم بعضاً على ذلك، وهو يشمل كل أمر يصدق عليه أنه من البر والتقوى كائناً ما كان"(٢).
ومن أجمع التفاسير المبينة لهذه الآية، تفسير ابن سعدي - رحمه الله - حيث قال:
" ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ أي: ليعن بعضكم بعضاً على البر. وهو: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة، والباطنة من حقوق الله، وحقوق الآدميين.
والتقوى في هذا الموضع: اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله ورسوله من الأعمال الظاهرة والباطنة، وكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها أو خصلة من خصال الشر المأمور بتركها، فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه وبمعاونة غيره من إخوانه المؤمنين عليها، بكل قول يبعث عليها، وينشط لها، وبكل فعل كذلك"(٣).
فتبين أن الأوجه التي ذكرها ابن خويز منداد هي بعض المعنى وليس كله، ولعله ذكر ذلك من باب ضرب المثال.
والله أعلم.
(١) تفسير الطبري (٨/٥٢).
(٢) فتح القدير (٢/١١).
(٣) تفسير ابن سعدي (١/٣٩٢).

بيّن ابن خويزمنداد أن التنجيم ونحوه محرم، وأن هذا ما عليه المالكية، مستدلين بقوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ﴾، والتنجيم الذي هو علم التأثير محرم بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة(١).
والذي عليه المفسرون من الصحابة والتابعين أن معنى الاستقسام بالأزلام:
طلب معرفة ما قسم لهم مما لم يقسم لهم بالأزلام(٢).
قال الطبري: "يعني بقوله: ﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ﴾ وأن تطلبوا علم ما قسم لكم، أولم يقسم بالأزلام، وهو: "استفعلت" من القَسْم - بفتح ثم سكون - قَسْم الرزق والحاجات، وذلك أن الجاهلية كان أحدهم إذا أراد سفراً أو غزواً، أو نحو ذلك، أجال القدح - وهي الأزلام -، وكانت قداحاً مكتوباً على بعضها: نهاني ربي. وعلى بعضها: أمرني ربي. فإن خرج القدح الذي هو مكتوب عليه: أمرني ربي. مضى لما أراد من سفر أو غزو أو تزويج أو غير ذلك، وإن خرج الذي عليه مكتوب: نهاني ربي، كف عن المضيِّ لذلك وأمسك، فقيل: ﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ﴾ لأنهم بفعلهم ذلك كانوا كأنهم يسألون أزلامهم أن يقسمن لهم)(٣)، ثم قال :"وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل"، ثم سرد من قال به فذكر ابن عباس - رضي الله عنهما -، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وغيرهم(٤).
(١) انظر: مجموع الفتاوى (٣٥/١٩٢).
(٢) الأزلام: جمع زَلَم - بفتحتين - ويقال له: قِدح - بكسر القاف وسكون الدال - وهو عود سهم لا حديدة =
= فيه. انظر: التحرير والتنوير (٤/٩٦)، وقال الفخر الرازي في تفسيره: "فمعنى الاستقسام بالأزلام طلب معرفة الخير والشر بواسطة ضرب القداح" (١١/١٣٥).
(٣) تفسير الطبري (٨/٧٢).
(٤) انظر: المصدر السابق (٨/٧٣-٧٧)، والدر المنثور (٢/٤٥٤).

ورجحه الطبري(١)، والزجاج(٢)، والجصاص(٣)، وابن كثير(٤).
ومما استدلوا به على هذا القول، هو معنى السحت في الأصل:
قال الطبري: "أصل السحت كَلَبُ الجوع، يقال منه: فلان مسحوت المعدة. إذا كان أكولاً لا يُلفى أبداً إلا جائعاً، وإنما قيل للرشوة: السحت. تشبيهاً بذلك كأن بالمسترشي من الشره إلى أخذ ما يعطاه من ذلك، مثل الذي بالمسحوت المعدة من الشره إلى الطعام، يقال منه: سحته، وأسحته لغتان محكيتان عن العرب، ومنه قول الفرزدق بن غالب(٥):
وعَضُ زمانٍ يا بنَ مروان لم يَدَعْ من المال إلا مُسحَّتاً أو مُجرَّف(٦)
يعني بالمسحت الذي قد أستأصله هلاكاً بأكله إياه، وإفساده، ومنه قوله تعالى: (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ) طه : ٦١، وتقول العرب للحالق: أسحت الشعر، أي: أستأصله"(٧)٠).
القول الثاني:
إن المراد بالسحت في الآية الحرام، فيدخل فيه كل كسب حرام، ومنه الرشوة.
قال به: عمر بن الخطاب، وأبو هريرة(٨)١) - رضي الله عنهما -.
(١) انظر: تفسير الطبري (٨/٤٣٥).
(٢) انظر: معاني القرآن، له (٢/١٧٧).
(٣) انظر: أحكام القرآن، له (٢/٥٤٠).
(٤) انظر: تفسير ابن كثير (٢/١١٧).
(٥) هو: همام بن غالب بن صعصعة، التميمي البصري، جده صعصعة بن ناجية صحابي، وهو شاعر من الطبقة الأولى، مات سنة ١١٠هـ. أنظر: طبقات فحول الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي (٢/٢٩٨)، والوافي بالوفيات للصفدي (٢٧/٢٢٤)، والبداية والنهاية (٩/٣١١).
(٦) ديوان الفرزدق (٢/٧٥) قافية الفاء. وقوله مسحتاً: سَحَت وأسحت ماله: أستأصله، وأفسده. والمجّرف : الفقير. انظر: لسان العرب مادة: (سحت) (٢/٤١)، ومادة: (جَرَف) (٩/٢٦).
(٧) ١٠) تفسير الطبري (٨/٤٣٥)، وانظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢/١٧٧) فقد ذكر نحو هذا المعنى.
(٨) ١١) انظر: تفسير الطبري (٨/٤٣١).

٣٢/٤- قال: "ولا يرسل الإمام إليهم إذا استعدى بعضهم على بعض، ولا يحضر الخصم مجلسه إلا أن يكون فيما يتعلق بالمظالم التي ينتشر منها الفساد، كالقتل ونهب المنازل، وأشباه ذلك، فأما الديون والطلاق وسائر المعاملات فلا يحكم بينهم إلا بعد التراضي، والاختيار له ألا يحكم ويردهم إلى حكامهم، فإن حكم بينهم حكم بحكم الإسلام، وأما إجبارهم على حكم المسلمين فيما ينتشر منه الفساد فليس على الفساد عاهدناهم، وواجب قطع الفساد عنهم، منهم ومن غيرهم، لأن في ذلك حفظ أموالهم ودمائهم، ولعل في دينهم استباحة ذلك؛ فينتشر منه الفساد بيننا، ولذلك منعناهم أن يبيعوا الخمر جهاراً، وأن يظهروا الزنا، وغير ذلك من القاذورات، لئلا يفسد بهم سفهاء المسلمين، وأما الحكم فيما يختص به دينهم من الطلاق والزنا وغيره، فليس يلزمهم أن يتدينوا بديننا(١)، وفي الحكم بينهم بذلك إضرار بحكامهم وتغيير ملتهم، وليس كذلك الديون والمعاملات لأن فيها وجهاً من المظالم وقطع الفساد، والله أعلم"(٢).
(١) قال ابن عاشور في تفسيره: "دل الاستقراء على أن الأصل في الحكم بين غير المسلمين إذا تنازع بعضهم مع بعض، أن يحكم بينهم حكام ملتهم، فإذا تحاكموا إلى حكام المسلمين فإن كان ما حدث من قبيل الظلم، كالقتل والغصب وكل ما ينتشر منه فساد فلا خلاف أنه يجب الحكم بينهم، وعلى هذا فإن التخيير الذي في الآية مخصوص بالإجماع"، وقال في القسم الثالث من أقسام الأمور التي يأتيها أهل الذمة: "القسم الثالث: ما يتجاوز إلى غيرهم من المفاسد، كالسرقة والاعتداء على النفوس والأعراض، وقد أجمع علماء الأمة على أن هذا القسم يجري على أحكام الإسلام، لأنالم نعاهدهم على الفساد، وقد قال تعالى: (والله لا يحب الفساد) البقرة: ٢٠٥)، ولذلك نمنعهم من بيع الخمر للمسلمين، ومن التظاهر بالمحرمات". انظر: التحرير والتنوير (٤ /٢٠٤-٢٠٥).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٦/١٧٦).

تبين من استنباط ابن خويز منداد أنه جعل الركوع في الآية يحتمل معنيين: أحدهما: أن المراد به الركوع الحقيقي، أي: أنهم يؤتون الزكاة حال ركوعهم، والثاني: أنه عبر بالركوع عن الصلاة وجاء بصيغة الفعل للدلالة على أنهم يعتقدون وجوب إيتاء الزكاة وإقام الصلاة، وهذان الوجهان هما ما ذكره المفسرون على خلاف بينهم، لذا سأذكر أقوالهم فيها ثم أبين الراجح منها.
أقوال المفسرين في معنى الركوع في هذه الآية:
اختلف المفسرون في معنى الركوع في الآية على أقوال، أجملها في الآتي:
القول الأول:
إن المراد بالركوع: الركوع الحقيقي، فيكون المعنى: أنهم يؤتون الزكاة حال ركوعهم
الركوع الحقيقي.
قال به: مجاهد(١)، والجصاص(٢)، والكياالهراسي(٣). و جعله ابن خويز منداد وجها محتملاً، وجوزه الزمخشري(٤).
وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، إلا أن أسانيد هذه الرواية كلها ضعيفة لا يصح شيء منها(٥)، واستدلوا بأثر على - رضي الله عنه - الذي ذكره ابن خويز منداد، وهو أثر باطل موضوع.
وقد نوقش هذا القول بالآتي:
قال ابن كثير: "وأما قوله (وهم راكعون) فقد توهم بعضهم أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله: (ويؤتون الزكاة) أي: في حال ركوعهم، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره، لأنه ممدوح، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى"(٦).
وقال ابن عاشور: "ومن المفسرين من جعل "وهم راكعون" حالاً من ضمير "يؤتون الزكاة " وليس فيه معنى، إذ تؤتى الزكاة في حالة الركوع، وركبوا هذا المعنى على خبر
تعددت رواياته، وكلها ضعيفة"(٧).
(١) انظر: تفسير مجاهد (١/١٩٩).
(٢) انظر: أحكام القرآن، له (٢/٥٥٧).
(٣) انظر: أحكام القرآن، له (١/٨٤).
(٤) انظر: الكشاف (١/٦٤٩).
(٥) للنظر في أسانيدها وحكمها، يراجع: تفسير ابن كثير (٣/١٣٨-١٣٩).
(٦) تفسير ابن كثير (٣/١٣٨)
(٧) التحرير والتنوير (٤/٢٤٠).

قال الشوكاني: "قوله: ﴿ لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا ﴾ هذا النهي عن موالاة المتخذين للدين هزواً ولعباً، يعم كل من حصل منه ذلك من المشركين، وأهل الكتاب، وأهل البدع المنتمين إلى الإسلام، والبيان بقوله: ﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ إلى آخره، لا ينافي دخول غيرهم تحت النهي، إذا وجدت العلة المذكورة التي هي الباعثة على النهي.."(١).
ومن أجمع الأقوال في تفسير هذه الآية، هو قول السعدي - رحمه الله -، قال: "ينهى عباده المؤمنين عن اتخاذ أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن سائر الكفار أولياء، يحبونهم ويتولونهم ويبدون لهم أسرار المؤمنين، ويعاونونهم على بعض أمورهم التي تضر الإسلام والمسلمين، وأن ما معهم من الإيمان يوجب عليهم ترك موالاتهم، ويحثهم على معاداتهم، وكذلك التزامهم بتقوى الله التي هي امتثال أوامره واجتناب زواجره مما يدعوهم إلى معاداتهم، وكذلك ما كان عليه المشركون والكفار المخالفون للمسلمين من قدحهم في دين المسلمين، واتخاذهم إياه هزواً ولعباً واحتقاره واستصغاره، خصوصاً الصلاة التي هي أظهر شعائر المسلمين وأجل عباداتهم، إنهم إذا نادوا إليها؛ اتخذوها هزواً ولعباً، وذلك لعدم عقلهم ولجهلهم العظيم... ، فإذا علمتم - أيها المؤمنون - حال الكفار وشدة معاداتهم لكم ولدينكم، فمن لم يعادهم بعد هذا؛ دل على أن الإسلام عنده رخيص، وأنه لا يبالي بمن قدح فيه أو قدح بالكفر والضلال، وأنه ليس عنده من المروءة والإنسانية شيء، فكيف تدعي لنفسك ديناً قيماً وأنه الدين الحق وما سواه باطل وترضى بموالاة من اتخذه هزواً ولعباً وسخر به وبأهله من أهل الجهل والحمق؟! وهذا فيه من التهييج على عداوتهم، ما هو معلوم لكل من له أدنى مفهوم"(٢).
(١) فتح القدير (٢/٧٦).
(٢) تفسير السعدي (١/٤٣٠).

وقال الشوكاني: "أباح الله في هذه الآية جميع ما طعموه كائناً ما كان مقيداً، بقوله: (إذا ما اتقوا) أي: اتقوا ما هو محرم عليهم... "(١).
فالانتفاع بالطيبات مباح كله، مالم يصل إلى الحرام، فيحرم حينئذ، فهذا قيد بعد إطلاق.
المسألة الثانية:
حكم المبالغة بالملاذ الدنيوية والتناهي في ثمنها:
استدل ابن خويز منداد بهذه الآية على جواز المبالغة في المباحات، والتناهي في ثمنها، وهذا ليس على إطلاقه، بل جاءت النصوص المتوافرة من الكتاب والسنة، في تحريم الإسراف والتبذير.
فمن الكتاب: قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١) ﴾ الأنعام: ١٤١. قال ابن جرير - رحمه الله -: "إن الله - تعالى ذكره - نهى بقوله: (ولا تسرفوا) عن جميع معاني الإسراف، ولم يخصص منها معنى دون معنى"(٢).
ومنه قوله تعالى: ﴿ وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (٢٧) ﴾ الإسراء: ٢٦-٢٧. وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (٦٧) ﴾ الفرقان : ٦٧.
(١) فتح القدير (٢/١٠٥).
(٢) تفسير الطبري (٩/٦١٧).

والقولان قال بهما بعض المفسرين، لذلك فإنني سأذكر أقوال المفسرين في معنى الآية مبينة الراجح بعد ذلك - إن شاء الله تعالى -.
أقوال المفسرين في معنى الآية:
اختلف المفسرون في معنى الآية على أقوال أجملها في الآتي:
القول الأول:
إن المراد عليكم أنفسكم إذا أمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر فلم يقبل منكم، فإن هذا الفرض يسقط لشيوع الفساد وغلبته وقوته.
قال به: ابن مسعود، وابن عمر، وأبو ثعلبة الخشني(١)- رضي الله عنهم -(٢)، وذكره ابن الجوزي عن عثمان - رضي الله عنه -(٣).
ورجحه: أبو حيان(٤)، وابن عطية(٥)، والشوكاني(٦)، وهو أحد القولين التي ذكرهما ابن خويزمنداد في معنى الآية.
ومما استدلوا به:
(١) صحابي مشهور معروف بكنيته واختلف في اسمه واسم أبيه فقيل جرثوم بن ناشر وقيل غير ذلك. روى عن النبي - ﷺ - عدة أحاديث، سكن الشام ومات سنة ٧٥هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (٢/٥٦٧) والإصابة (٧/٥٠).
(٢) انظر: تفسير الطبري (٩/٤٣و ٤٤و٤٨)، والدر المنثور ( /٥٩٨-٥٩٩).
(٣) انظر: زاد المسير (ص٣٥٠).
(٤) انظر: البحر المحيط (٤/٥٠).
(٥) انظر: المحرر الوجيز (ص٥٨٨).
(٦) انظر: فتح القدير (٢/١١٩).

وقال ابن عبد البر: "أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته، ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان ذلك، فقد رخص له في مجانبته وبعده، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية"(١).
فكل من خاض في آيات الله وجبت مهاجرته، ومقاطعته، مشركاً كان أو مبتدعاً، قال ابن الجوزي :" قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا ﴾ فيمن أريد بهذه الآية ثلاثة أقوال: أحدها: المشركون. والثاني: اليهود. الثالث: أصحاب الأهواء... وخوض المشركين فيه: تكذيبهم به واستهزاؤهم، ويقاربه خوض اليهود، وخوض أهل الأهواء والمراء والخصومات"(٢).
قال الجصاص: "قال تعالى: ﴿ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ يعني: بعد ما تذكر نهي الله تعالى لا تقعد مع الظالمين، وذلك عموم في النهي عن مجالسة سائر الظالمين من أهل الشرك، وأهل الملة، لوقوع الاسم عليهم جميعاً، وذلك إذا كان في تَقِّيةٍ من تغييره بيده أو بلسانه بعد قيام الحجة على الظالمين ما هم عليه فغير جائز لأحد مجالستهم مع ترك النكير، سواء كانوا مظهرين في تلك الحال للظلم والقبائح أو غير مظهرين له، لأن النهي عام عن مجالسة الظالمين، لأن في مجالستهم مختاراً مع ترك النكير دلالة على الرضا بفعلهم، ونظيره قوله تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي ں@ƒدنآuژَ خ) ﴾ الآيات، المائدة: ٧٨"(٣).
وقد اعتبر السلف وجمهور الأئمة الابتداع، من الأسباب المشروعة للهجر، حتى أصبحت مهاجرة أهل البدع والأهواء وترك مجالستهم من مسلمات الاعتقاد في باب التعامل معهم عندهم.
ومما ورد عنهم من الآثار في هذه المسألة:
(١) التمهيد (١٥/٧٩).
(٢) زاد المسير (ص٣٨٠).
(٣) أحكام القران، له (٣/٣).

وهذا قول: ابن عباس، وعائشة(١)، وابن عمر(٢)- رضي الله عنهم -، ومالك في رواية، وابن خويز منداد(٣).
ومما استدلوا به:
ظاهر الآية، قالوا: إن ظاهر قوله: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا ﴾ الأنعام: ١٤٥. يقتضي أن كل ما عدا المذكور فيها حلال(٤).
وقد نوقش هذا القول بالآتي:
١- قال ابن عبد البر: "وقد أجمع العلماء أن سورة الأنعام مكية، إلا قوله: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ﴾ الآيات، الأنعام : ١٥١، وأجمعوا أن نهي الرسول - ﷺ - عن أكل كل ذي ناب من السباع، إنما كان منه بالمدينة، ولم يرو ذلك عنه غير: أبي هريرة و أبي ثعلبة - رضي الله عنهما -(٥)وإسلامهما متأخر بعد الهجرة إلى المدينة بأعوام"(٦).
(١) انظر: النكت والعيون (٢/١٨٣)، ومعالم التنزيل (٢/١٣٨).
(٢) روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - رجوعه عن هذا القول، كما روى ذلك الإمام أحمد في مسنده (٢/٣٨١) برقم: (٨٩٤١)، وأبو داود في سننه، كتاب الأطعمة، باب في أكل حشرات الأرض، حـ ٣٧٩٩. موسوعة الحديث الشريف (ص١٥٠٣)، أن ابن عمر سئل عن أكل القنفذ فقرأ (قل لا أجد... ) الآية، = = الأنعام: ١٤٥. فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه -، يقول: ذكر عند النبي - ﷺ - فقال: (خبيث من الخبائث) فقال ابن عمر: (إن كان النبي - صلى الله عليه و سلم - قاله فهو كما قال) إلا أن هذه الروية ضعيفة. انظر: ضعيف سنن أبي داود (ص٣٠٤) برقم: (٣٧٩٩).
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٧/١٠٣).
(٤) انظر: المصدر السابق (٧/١٠٤).
(٥) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الصيد، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، حـ ١٩٣٢ و حـ١٩٣٣. موسوعة الحديث الشريف (ص١٠٢٣).
(٦) التمهيد (١٠/٣٥١).

ذهب ابن خويز منداد في هذا القول إلى أن المراد بالكنز في الآية:
هو مالم تؤد زكاته وهو ما عليه جمهور المفسرين، ثم بين ما أجمل في هذه الآية فذكر شروط الزكاة وفي بعض ما ذكر منها خلاف ذكره الفقهاء، وبين النصاب في الذهب والفضة والمقدار الواجب منهما؛ فذكر أن نصاب الفضة مائتا درهم والقدر الواجب إخراجه فيها هو ربع العشر وهذا بإجماع المسلمين(١)، وأن نصاب الذهب عشرون ديناراً وهذا ما عليه عامة أهل العلم ولا عبرة بقول من شذ وخالفهم وقد أجمع أهل العلم على أنه لا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالاً (٢) والقدر الواجب فيه ربع العشر(٣)، وأنه يجوز أن يضم الذهب إلى الفضة لتكميل النصاب وهذا ما ذهب إليه الجمهور، وقد حكى ابن حزم الإجماع على ذلك(٤).
وستكون دراستي لهذا القول في اختلاف المفسرين في المراد بالكنز في هذه الآية مبينة القول الراجح في ذلك.
أقوال المفسرين في المراد بالكنز في الآية:
اختلف المفسرون في المراد به على أقوال:
القول الأول:
إن المراد به مالم تؤد زكاته، ويدخل فيه كل الحقوق الواجبة.
(١) حكى الإجماع على ذلك: ابن قدامة في المغني (٤/٢٠٨/٢١٤)، وابن حزم في مراتب الإجماع (ص٦٣)، والشوكاني في نيل الأوطار (٥/٢١٩٤)، والشنقيطي في أضواء البيان (٢/٣٢٤).
(٢) حكى الإجماع: ابن المنذر في كتابه الإجماع (ص ٣٥)، ونقله عنه ابن قدامة في المغنى (٤/٢٠٩).
(٣) انظر: المغنى (٤/٢٠٩)، ونيل الأوطار (٥/٢١٩٦).
(٤) ٤ ) انظر : مراتب الإجماع (ص٦٨).

فمن سبق في أي زمان أو مكان أكرم عند الله مرتبة، وأوفى أجراً ولو لم يكن للسابق من الفضل إلا اقتداء التالي به، واهتداؤه بهديه، فيكون له ثواب عمله في نفسه، وثواب من اتبعه مقتدياً به، كما قال النبي - ﷺ -: "من سن في الإسلام سنة حسنة، كان له أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء(١)"(٢).
المسألة الثانية:
حكم تفضيل السابق إلى الفضائل الدينية على غيره:
أشار ابن خويز منداد إلى خلاف أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - في هذه المسألة، وكذلك اختلف العلماء من بعدهم، وهي مسألة مبحثها في كتب الفقه، في أبواب قسمة الفيء، ولأن المقام لا يسمح لي بسردها آثرت الإشارة إليها بلا تفصيل، فأقول مستعينة بالله:
للعلماء في مسألة قسم الفيء بين أهله قولان:
القول الأول:
ذهبوا إلى القول بالتسوية بين الناس في العطاء.
قال به: أبو بكر، وعلي(٣)- رضي الله عنهما -، وهو مذهب مالك(٤)، والشافعي(٥).
ومما احتجوا به:
١- أن الله قسم في المواريث على العدد، وقد يكون الأخوة متفاضلي الغناء على الميت، والصلة في الحياة، والحفظ بعد الموت، ومع ذلك لا يفضلون.
(١) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة، حـ ١٠١٧. موسوعة الحديث الشريف (ص٨٣٨).
(٢) انظر: أحكام القران للجصاص (٣/١٨٨)، وأحكام القران لابن العربي (٢/٤٧٠).
(٣) رواه عنهما البيهقي في السنن الكبرى، كتاب قسم الفيء، باب التسوية بين الناس في القسمة (٦/٣٤٨) دار الباز. وانظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلي (ص٢٣٨)، والمغني (٩/٣٠٠).
(٤) انظر: التمهيد (١٠/٨٢).
(٥) انظر: الأم (٤/١٦٣).

وجهه، فقال: "ألم تَرَيْ أن مجزّزاً(١)نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد عليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبَدَت أقدامهما، فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض"(٢)وفي حديث يونس بن يزيد(٣): "كان مجزّز قائفاً"(٤)"(٥).
ــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويز منداد أن هذه الآية تضمنت الحكم بالقافة، ويفهم من قوله أنه يذهب إلى أن معنى (ولا تقف) أي: لا تتبع ما ليس لك به علم فتتكلم بالحدس والظن، وهذا هو أحد أقوال المفسرين، وقد اختلفوا في معناه على أقوال، لذلك فستكون دراستي لهذا القول من خلال المسألتين الآتيتين:
الأولى: أقوال المفسرين في معنى: (ولا تقف ما ليس لك به علم).
(١) مجزز هو: بن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج الكناني، مذكور في الصحيحين، قيل أنه سمي مجززاً لأنه كان إذا أسر أسيراً جز ناصيته وأطلقه، ومجزز بضم الميم وفتح الجيم، وكسر الزاي الأولى، اسم فاعل من الجز هكذا قيده جماعة من الأئمة. شهد الفتوح بعد النبي - ﷺ - ولم أقف على تاريخ وفاته. انظر: الاستيعاب (٤/١٤٦١)، والإصابة (٥/٥٧٥)، ونيل الأوطار (٨/٣٣٨٩).
(٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب صفة النبي - ﷺ -، حـ٣٥٥٥. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٨٩)، ومسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب جواز وطء المسبية، حـ١٤٥٩. موسوعة الحديث الشريف (ص٩٢٤).
(٢) يونس بن يزيد هو: بن أبي المخارق الأيلي القرشي، أبو يزيد، من متقني أصحاب الزهري، مات سنة ١٥٢هـ و
قيل ١٥٩هـ. انظر: تهذيب الكمال (٨/٢٢١)، ومشاهير علماء الأمصار لابن حبان (١/١٨٣)، والعبر
(٣) للذهبي (١/٢١٨)، ومرآة الجنان لليافعي (١/٣٢٢).
(٤) نسبه ليونس بن يزيد لأنه هو الراوي عن الزهري بإسناده، وهذا الحديث هو طرف حديث رواه مسلم في صحيحه في المكان السابق نفسه.
(٥) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٠/٢٢٦).

قال به: ابن عباس(١)- رضي الله عنهما -، وقتادة(٢)، وابن خويزمنداد.
واستدلوا بالآتي: ما ذكره ابن خويزمنداد وهو:
١- أنه يصح في اللغة أن يقال خر لوجهه ساجداً، وإن كان لم يسجد على خده ولا عينيه.
٢- قول جابر التغلبي(٣):
فخر صريعاً لليدين والفم
فإنما أراد: خر صريعاً على وجهه ويديه، فعبر بالفم عن الوجه.
القول الثاني:
إن المراد بالأذقان جمع ذقن، وهو مجمع اللحيين، وهو من أعضاء الوجه، وخص بالذكر لأنه الذي يخر، فإن أقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض الذقن، ثم يكون سجوده على غير الذقن.
قال به: الشافعي(٤)، والزجاج(٥)، والزمخشري(٦)، وابن عطية(٧)، والقرطبي(٨)، وابن تيمية(٩).
القول الثالث:
إن المراد بالأذقان اللحى، والآية على ظاهرها، وعليه فإنه ذكر الذقن للدلالة على تمكينهم الوجوه كلها من الأرض من قوة الرغبة في السجود لما فيه من استحضار الخضوع لله، ولأنه غاية التواضع(١٠).
(١) انظر: تفسير الطبري (١٥/١١٩-١٢٠)، والدر المنثور (٤/٣٧٢).
(٢) انظر: النكت والعيون (٣/٢٨٠).
(٣) جابر التغلبي هو: جابر بن حنيّ بن حارثة بن عمرو بن بكر بن حبيب بن عمرو التغلبي، شاعر جاهلي قديم، وكان صديقاً لامرئ القيس، وكان معه لما لبس الحلة المسمومة التي بعثها له القيصر، فتناثر لحمه، وتفطر جسده، وكان جابر يحمله، ففي ذلك يقول امرؤ القيس:
...... فإما تريني في رحالة جابر...... على حرج كالقر تخفق أكفاني
انظر: معجم الشعراء الجاهليين والمخضرمين، لـ د. عفيف عبد الرحمن (ص ٦١)، والأعلام للزركلي (٢/١٠٣).
(٤) انظر: أحكام القرآن للشافعي (١/٧١).
(٥) معاني القرآن للزجاج (٣/٢٦٤).........................
(٦) انظر: الكشاف (٢/٦٩٩).
(٧) انظر: المحرر الوجيز (ص١١٧٢).
(٨) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٠/٢٩٦).
(٩) ١٠) انظر: مجموع الفتاوى (٢٣/١٤٢).
(١٠) انظر: البحر المحيط لأبي حيان (٦/١١٣)، وروح المعاني (٨/١٧٩)، والتحرير والتنوير (٧/٢٣٤).

وقد تطرق لهذه المسألة عند تفسير هذه الآية بعض المفسرين منهم: الجصاص(١)٢)، وابن العربي(٢)٣)، والقرطبي(٣)٤)، وابن عثيمين(٤)٥).
قال الجصاص: " في هذه الآية دلالة على جواز الوكالة بالشري لأن الذي بعثوا به كان وكيلاً لهم "(٥)٦).
وقال القرطبي:" في هذه البعثة بالورق دليل على الوكالة وصحتها "(٦)٧).
ومما استدلوا به أيضاً :
قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ﴾ التوبة: ٦٠.
قال ابن قدامة: " فجوز العمل عليها، وذلك بحكم النيابة عن المستحقين "(٧)٨).
وقوله تعالى: ﴿ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا ﴾ يوسف: ٩٣.
وبحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم- بعث عروة بن أبي الجعد ليشتري له به شاة وأعطاه ديناراً، فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار، فجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه"(٨)٩).
المسألة الثانية:
دلالة الآية على جواز الشركة.
استدل ابن خويز منداد بهذه الآية على جواز الشركة، وقد أجمع المسلمون على جوازها في الجملة وإنما اختلفوا في أنواع منها وهي مذكورة في كتب الفقه(٩)١).
ومما استدلوا به:
قوله تعالى: ﴿ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ﴾ النساء: ١٢.
(١) انظر: أحكام القرآن له ( ٣/ ٢٧٩).
(٢) انظر: أحكام القرآن له (٣/ ١٦٧).
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٠/ ٣٢٦).
(٤) انظر: تفسير سورة الكهف لابن عثيمين (ص٣٨).
(٥) أحكام القرآن ( ٣/٢٧٧)
(٦) الجامع لأحكام القرآن (١٠/٣٢٦).
(٧) المغني (٧/ ١٩٦).
(٨) رواه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب، باب ( ٢٨ )، حـ٣٦٤٢. موسوعة الحديث الشريف (ص ٢٩٦).
(٩) انظر: المغني ( ٧/١٠٩)، والفواكه الدواني لأحمد النفراوي (٢/ ١٢٠).

المسألة الأولى: أحكام الكنائس والمعابد التي في بلاد المسلمين.
المسألة الثانية: حكم الصلاة في الكنائس ونحوها.
وسأدرس هاتين المسألتين مبينة الراجح منها - إن شاء الله -.
المسألة الأولى:
أحكام الكنائس التي في بلاد المسلمين:
لم يفصل ابن خويزمنداد الكلام عن أحكام الكنائس ونحوها، من حيث ما يجوز هدمه وما لا يجوز هدمه، والمسألة فيها تفصيل خلاصته كالآتي:
أولاً: من الكنائس ما لا يجوز هدمه، ولا التعرض له، ولا هدم شيء منه، وهي الكنائس القديمة التي أقروا عليها عند فتح بلادهم، وهذا مما أجمع عليه أهل العلم(١).
ثانياً: ومنها ما يجب هدمه، وهي الكنائس التي أحدثت بعد استيلاء المسلمين للبلاد، وهذا باتفاق أهل العلم(٢).
ثالثاً: منها ما يجوز هدمه ويجوز إبقاؤه، وهي الكنائس التي تكون في أرض العنوة(٣)التي فتحها المسلمون، فإن الإمام يفعل فيها ما هو الأصلح للمسلمين، وهذا مجمع عليه عند أهل العلم أيضاً(٤).
رابعاً: الكنائس التي تكون في الأرض التي فتحت صلحاً، وهذا نوعان:
١- أن يصالحهم على أن الأرض لهم، ولنا الخراج عليها، فلهم إحداث ما يختارون فيها.
(١) انظر: المغني (١٣/٢٣٨).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٢٨/٦٣٥)، وأحكام أهل الذمة لابن القيم (ص٤٦١).
(٣) العنوة : القهر، وأخذته عنوة : أي قسراً وقهراً، من باب أتيته عدواً، وفتحت هذه البلدة عنوة، أي: فتحت بالقتال، قوتل أهلها حتى غلبوا عليها، وأرض العنوة هي: ما فتحه المسلمون من أرض العجم بالقتال. انظر: النهاية لابن الأثير (ص٦٤٨) مادة: (عنا)، ولسان العرب (١٥/١٠١) مادة: (عنا).
(٤) انظر: مجموع الفتاوى (٢٨/٦٣٤).

إن المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجاً عن أصل خلقتها، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها، وهو قول من قال: إن المراد بها ظاهر الثياب.
قال بهذا: ابن مسعود(١)- رضي الله عنه -، وابن سيرين(٢)، وهو ما عليه الحنابلة(٣)، وهو أصح قولي الشافعي(٤)، ورجحه ابن الجوزي(٥)، وابن تيمية(٦)، وابن القيم(٧)، والشنقيطي(٨)، وغيرهم.
واستدلوا بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة، من أهمها:
من الكتاب: غير الآية التي معنا:
١- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٥٩) ﴾ الأحزاب: ٥٩.
(١) انظر: تفسير الطبري (١٧/٢٥٦)، والنكت والعيون (٤/٩١).
(٢) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٨/٢٥٧٤).
(٣) انظر: المغني (٩/٤٩٩).
(٤) انظر: نهاية المحتاج للرملي (٦/١٨٧)، وأسنى المطالب لزكريا الأنصاري (٣/١٠٩)، وروح المعاني (٧/٣٣٦).
(٥) انظر: زاد المسير (ص٩١٠).
(٦) انظر: مجموع الفتاوى (٢٢/١١٠).
(٧) انظر: الضوء المنير على التفسير، جمع: علي الصالحي (٤/٣٥٦).
(٨) انظر: أضواء البيان (٦/١٣٦).

وما رواه بهز بن حكيم عن أبيه عن جده(١)، قال: قلت: يا رسول الله: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك"(٢).(٣)
إلا أن الشافعية والحنابلة ذهبوا إلى أنه يكره النظر إلى الفرج(٤)، ونص الشافعية على أن النظر إلى باطن الفرج أشد كراهة(٥).
واستدلوا بالآتي:
أولاً: حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت:
(ما رأيت عورة رسول الله - ﷺ - قط)(٦)
ثانياً: وعنها- رضي الله عنها- قالت:
(١) بهز بن حكيم هو: بن معاوية بن حَيْدَة القشيري، أبو عبد الملك البصري، أخو سعيد بن حكيم، وثقه ابن المديني، ويحيى بن معين، والنسائي، وقال أبو زرعة:" بهز بن حكيم صالح، ولكنه ليس بالمشهور"، ولم أقف على تاريخ وفاته. انظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٢/٣٥٤)، وتهذيب الكمال (١/٣٨٢)، وميزان الاعتدال (١/٣٥٣).
(٢) رواه ابن ماجة في سننه، كتاب النكاح، باب التستر عند الجماع، حـ ١٩٢٠. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٥٩٢)، وحسنه الألباني في الإرواء: (٦/٢١٢) برقم: (١٨١٠).
(٣) انظر: حاشية ابن عابدين (٦/٣٦٧)، وأسنى المطالب شرح روضة الطالب لزكريا الأنصاري (٣/١١٢)، وكشاف القناع للبهوتي (١/٢٦٥)، والمغني (٩/٤٩٦).
(٤) انظر: مغني المحتاج للشربيني (١/٢٢٢)، والفروع (٥/١٥٦).
(٥) انظر: أسنى المطالب شرح روضة الطالب لزكريا الأنصاري (٣/١١٢)، ومغني المحتاج للشربيني (١/٢٢٢).
(٦) رواه ابن ماجة في سننه، كتاب النكاح، باب التستر عند الجماع، حـ ١٩٢٢. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٥٩٢) لكن بلفظ:"ما رأيت فرج..."، رواه الطبراني في المعجم الصغير(١/١٠٠)برقم:(١٣٨)، قال الألباني:"وفي سنده بركة بن محمد الحلبي، ولا بركة فيه! فإبه كذاب وضاع، وقد ذكر الحافظ ابن حجرفي اللسان هذا من أباطيله"آداب الزفاف في السنة المطهرة(ص٣٤) المكتب الإسلامي، وما نقله عن ابن حجر في اللسان هو في (٢/١٩٤).

سأذكر أقوال العلماء في المسألة ثم أبين الراجح منها - إن شاء الله -.
أقوال العلماء في المكاتبة، هل تفتقر إلى لفظ العتق أو لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول:
إن المكاتبة تنعقد، ولا تفتقر إلى لفظ العتق ولا نيته.
قال بهذا: جمهور أهل العلم(١)، وهو ما عليه ابن خويزمنداد.
قالوا: لأن الحرية هي موجب عقد الكتابة، فتثبت عند تمامه كسائر أحكامه، ولأن الكتابة عقد وضع للعتق، فلم يحتج إلى لفظ العتق ولا نيته(٢).
قال ابن العربي: "اختلفوا في صفة عقد الكتابة، وروي أنه كان يقول: كاتبتك على ألفين في عامين، وروي أنه يقال: فإن أديت فأنت حر، وهذا لا يلزم، لأن لفظ القرآن لا يقتضيه، والحال يشهد له، فإن ذكره فحسن، وإن تركه فهو معلوم لا يحتاج إليه"(٣).
القول الثاني:
إن المكاتبة لا يكفي فيها قول: (كاتبتك) بل لابد من لفظ العتق أو نيته.
قال بهذا: الشافعية(٤).
قالوا: لأن الكتابة تقع على العقد المعلوم وعلى المخارجة(٥)، فلابد من التمييز بلفظ أو نية ولا يتقيد بما ذكر، بل مثله قوله: فإذا برئت منه أو فرغت ذمتك منه فأنت حر.
(١) انظر: بدائع الصنائع (٤/١٣٤)، والمغني (١٤/٤٥٠)، وكشاف القناع للبهوتي (٤/٥٤١)، ومطالب أولى النهى للرحيباني (٤/٧٣٣-٧٣٤)، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل للحطاب (٦/٣٤٥).
(٢) انظر: المغني (١٤/٤٥٢)، ومطالب أولي النهى (٤/٧٣٤).
(٣) أحكام القرآن (٣/٢٩٩).
(٤) انظر: الأم للشافعي (٨/٥٠)، وأسنى المطالب لزكريا الأنصاري (٤/٤٧٢)، ومغني المحتاج للشربيني (٦/٤٦٨)، والأشباه والنظائر للسيوطي (ص٣٧٦).
(٥) المخارجة: هي أن يتفق السيد والعبد على ضريبة يردها العبد مما يحتمله كسبه على سيده عند انقضاء كل يوم أو أسبوع أو شهر بحسب ما يتفقان عليه. انظر: المغرب في ترتيب المعرب لناصر بن عبد السيد أبو المكارم المطرِّزي (ص١٤٢)، ومطالب أولي النهي للبهوتي (٤/٧٣٤).

وهو ما عليه جمهور الفقهاء(١)، وقد حكى الإجماع عليه ابن أبي الدم(٢)، حيث قال: "وأما الآية فيمكن حملها على إجابة داعي الحاكم، ولا خلاف في وجوب إجابته"(٣)
فابن خويزمنداد وافق الإجماع في مسألة حكم إجابة الحاكم العدل، ثم ذكر شرطان، هما:
أولاً: ألا يكون الحاكم فاسقاً، وذلك في قوله: (ما لم يعلم أن الحاكم فاسق).
ولم أقف على من تكلم عن هذا الشرط غير ابن خويزمنداد، إلا أن بعضهم حرم إجابة الحاكم الجائر إذا كان الأمر متعلقاً بالدماء، أو الفروج أو الحدود وسائر العقوبات الشرعية(٤)، فلعل ابن خويزمنداد أراد بالفسق الجور، والله أعلم.
(١) انظر: أحكام القرآن للجصاص (٣/٤٢٤)، وأحكام القرآن لابن العربي (٣/٣٠٤)، وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام (١/٣٠)، وكشاف القناع للبهوتي (٦/٣٢٧)، وانظر: نظرية الدعوى بين الشريعة الإسلامية وقانون المرافعات لمحمد يس (ص٥٠٠).
(٢) ابن أبي الدم هو: القاضي شهاب الدين، إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم، أبو إسحاق الهمداني الحموي، المعروف بابن أبي الدم، من علماء الشافعية، ولي القضاء في حماة، كان على خلق رفيع وفضل عظيم، مهابا، عفيفا، ورعا، لا يعرف الهزل في قول ولا فعل، له تصانيف، منها: كتاب أدب القضاء، وإيضاح الأغاليط الموجودة في الوسيط للغزالي، توفي في جماد الآخر سنة ٦٤٢ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (٢٣/١٢٥)، وشذرات الذهب لابن العماد (٥/٣٣٤)، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي (٨/١١٥).
(٣) كتاب أدب القضاء (ص٨٦).
(٤) انظر: تبصرة الحكام لابن فرحون (ص٢٤٢)، ومعين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام للطرابلسي (ص٩٨)، وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام (١/٣٠)، ومواهب الجليل للحطاب (٦/١٤٥)، ونهاية المحتاج للرملي (٨/٢٨١).

ما يجوز أخذ العوض عنه يصح تسميته صداقاً قال به: مالك وهو المشهور من مذهب المالكية(١)، والشافعي وأصحابه(٢)، والحنابلة(٣)، وقال بعض المفسرين منهم:
الطبري(٤)، وابن عطية(٥)، والكلبي(٦)، وابن العربي(٧)، والقرطبي(٨)، والسمرقندي(٩).
قال ابن عطية " أما النكاح على الإجارة فظاهر من الآية، وهو أمر قد قرره شرعنا وجرى في حديث الذي لم يكن عنده إلا شيء من القرآن "(١٠)٠). يريد الحديث الذي رواه البخاري ومسلم(١١)١) عن سهل بن سعد الساعدي قال: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني وهبت من نفسي، فقامت طويلاً فقال رجل: زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة، فقال - عليه الصلاة والسلام-: " هل عندك من شئ تصدقها ؟ " قال: ما عندي إلا إزاري فقال:" إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك، فالتمس شيئاً " فقال: ما أجد شيئاً، فقال: " التمس ولو كان خاتماً من حديد " فلم يجد، فقال: " أمعك من القرآن شيء ؟ "قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، لسورٍ سماها، فقال:" زوجناكها بما معك من القرآن ".
(١) انظر: المنتقى شرح الموطاء للباجي (٣/٧٥)، وأحكام القرآن لابن العربي (٣/٣٨٤).
(٢) انظر: أحكام القرآن للشافعي (١/٢٦٥)، والأم (٥ / ١٧٣)، ومغني المحتاج للشربيني (٤/ ٣٦٧ - ٣٦٨).
(٣) انظر: المغني (١٠ / ١٠١)، وكشاف القناع (٥/ ١٢٩ ـ ١٣٠).
(٤) انظر: تفسير الطبري (١٨/٢٢٩).
(٥) انظر: المحرر الوجيز (ص ١٤٣٩).
(٦) انظر: التسهيل لعلوم التنزيل (٣/١٠٥)
(٧) انظر: أحكام القرآن (٣/٣٨٤ - ٣٨٥).
(٨) انظر: الجامع لإحكام القرآن (١٣/ ٢٤٢).
(٩) انظر: بحر العلوم (٢/ ٥١٥).
(١٠) ١٠) المحرر الوجيز (ص ١٤٣٩).
(١١) ١١) رواه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب السلطان ولي، حـ ٥١٣٥. موسوعة الحديث الشريف ( ص ٤٤٤ )، واللفظ له ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح باب الصداق، حـ ١٤٢٥. موسوعة الحديث الشريف ( ص ٩١٥ ).

القول الثاني:
إن المراد بها: النهي عن التشدق(١)في الكلام.
قال به: إبراهيم النخعي(٢).
قال الجصاص: (ومعناه يرجع إلى الأول - أي إلى قول ابن عباس - رضي الله عنهما -ومن معه - لأن المتشدق في الكلام متكبر)(٣).
القول الثالث:
إن المراد: أنه نهى الإنسان أن يذل نفسه من غير حاجة.
ذكره ابن خويز منداد، وأورد ابن عطية قولاً قريباً من قول ابن خويز منداد، قال: "ويحتمل أن يريد أيضا الضد، أي: ولا سؤالاً ولا ضراعة بالفقر" ثم قال: "والأول - يريد ما قاله ابن عباس - رضي الله عنهما - ومن وافقه - أظهر، بدلالة ذكر الاختيال والفخر بعده"(٤).
القول الراجح:
الراجح هو قول ابن عباس - رضي الله عنهما - ومن وافقه، وهو أن المراد بالآية: لا تعرض بوجهك عن الناس تكبراً. وذلك لأسباب:
١- أن أصل معنى الصعر في اللغة هو الميل، يقال صعر خده وصاعر خده إذا أمال وجهه وأعرض متكبراً، وأصل الصعر داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها حتى تلفت أعناقها عن رؤوسها، فيشبَّه به الرجل المتكبر على الناس، ومنه قول المتلمس(٥):
(١) المتشدق في كلامه هو : الذي يلوي شدقه للتفصح، والمتشدق في منطقه هو: المتوسع فيه والمتفيهق، وقيل: المتشدق: المستهزئ بالناس، يلوي شدقه بهم وعليهم، وتشدق في كلامه: فتح فمه واتسع. انظر: لسان العرب لابن منظور (١٠/١٧٢) مادة :(شدق).
(٢) انظر: النكت والعيون (٤/٣٣٩)، وتفسير ابن كثير (٦/٣٣٨).
(٣) أحكام القرآن (٣/٤٥٨).
(٤) المحرر الوجيز (ص١٤٨٧).
(٥) المتلمس هو: ابن عبد المسيح بن عبد الله بن يزد الضبعي، شاعر جاهلي مشهور، من الطبقة السابعة، سمي بالمتلمس لقوله في قصيدة له:
فهذا أوان العرض جن ذبابه زنابيره والأزرق المتلمس
انظر: معجم الشعراء الجاهليين والمخضرمين، د: عفيف عبد الرحمن (ص٣١٨).

قال بهذا: الجمهور(١)١)، ومنهم: ابن عباس- رضي الله عنهما(٢)٢)- وابن جريج(٣)٣)، والطبري(٤)٤)، وابن قدامة المقدسي(٥)٥)، والبغوي(٦)٦)، والسمعاني(٧)٧)، والماوردي(٨)٨)، وابن الملقن(٩)٩)، وابن العربي(١٠)١٠)، والقرطبي(١١)١١)، وأبوحيان(١٢)١٢)، وابن تيمية(١٣)١٣)، وابن كثير(١٤)١٤)، والشوكاني(١٥)١٥)، وغيرهم.
ومما استدلوا به الآتي:
ما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - ﷺ - سجد في (ص) وقال: " سجدها داود توبة، ونسجدها شكراً"(١٦)١٦).
وسأل مجاهد ابن عباس - رضي الله عنهما - عن سجوده في (ص) من أين سجدت؟ فقال: "أو ما تقرأ: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ... ﴾ إلى أن قال: ﴿...y٧ح´¯"s٩'ré& الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾ الأنعام: ٨٣-٩٠. فكان داود - عليه السلام - ممن أمر نبيكم أن يقتدي به، فسجدها داود - عليه السلام - فسجدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "(١٧)١).
القول الثاني:
(١) نسبه للجمهور: الآلوسي في روح المعاني (١٢/١٧٦).
(٢) انظر: زاد المسير (ص١٠٨٩).
(٣) انظر: الدر المنثور (٥/٥٦٩).
(٤) انظر: تفسير الطبري (٢٠/٦٤).
(٥) انظر: المغني (٢/٣٦٩).
(٦) انظر: معالم التنزيل (٤/٥٧).
(٧) انظر: تفسير السمعاني (٤/٤٣٦).
(٨) انظر: النكت والعيون (٥/٨٩).
(٩) انظر: تفسير غريب القرآن (ص٣٣٧).
(١٠) ١٠) انظر: أحكام القرآن (٤/٤٤).
(١١) ١١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٥/١٦١).
(١٢) ١٢) انظر: البحر المحيط (٧/٥٢٣).
(١٣) ١٣) انظر: مجموع الفتاوى (٢٣/١٤٥).
(١٤) ١٤) انظر: تفسير ابن كثير (٧/٦٠).
(١٥) ١٥) انظر: فتح القدير (٤/٥٦٢).
(١٦) ١٦) سيأتي تخريجه قريباً.
(١٧) رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)، حـ٤٦٣٢، وباب
سورة (ص)، حـ٤٨٠٦ - ٤٨٠٧. وموسوعة الحديث الشريف (ص٣٨٢) و (ص٤٠٨).

إن المراد به: الخط الذي كانت العرب تخطه في الأرض(١)
(١) قال ابن كثير:"قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : الخط هو الذي يخطه الحازي، فيعطيه حُلواناً، فيقول له: اقعد حتى اخط لك، وبين يدي الحازي غلام له معه ميل، ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط فيها خطوطاً كثيرة بالعَجَلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو منها على مهل خطين خطين، وغلامه يقول للتفاؤل: ابنَيْ عِيان أسرعا البيان، فإن بقي خطان فهما علامة النجاح، وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة... والخط المشار إليه علم معروف، وللناس فيه تصانيف كثيرة" انظر: النهاية لابن الأثير (ص٢٧١) مادة:(خطط). وقال عوف بن أبي جميلة وأبوداود - صاحب السنن - وأبوبكر بن عياش:(الخط هو العيافة) والعيافة هي: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها، = = وهو عادة العرب كثيراً، وهو كثير في أشعارها" انظر: النهاية لابن الأثير (ص٦٥٤) مادة: (عيف). وقد اختلف العلماء في حكم الخط على الرمل وسبب خلافهم ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كان نبي من الأنبياء يخط، فمن صادف مثل خطه علم) رواه في كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة... ، حـ٥٣٧. موسوعة الحديث الشريف (ص٧٦١). فمن العلماء من أخذ بظاهر الحديث ومنهم من قال بل معناه الإنكار، أي: أنه كان من فعل نبي قد ذهب، وذهب الوحي إليه والإلهام في ذلك، ثم قال: (فمن وافق خطه) على جهة الإبعاد، أي: أن ذلك لا يمكن ممن ليس بنبي. انظر: المحرر الوجيز لابن عطية (ص١٧٠٦). للنظر في هذا الخلاف راجع: شروح هذا الحديث كشرح القاضي عياض على صحيح مسلم، وشرح النووي في المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، وعون المعبود شرح سنن أبي داود (١٠/٢٢٨)، وانظر: أحكام القرآن لابن العربي (٤/٩٤)، والجامع لأحكام القرآن (١٦/١٥٥)، وفتح القدير للشوكاني (٥/٢٠)، وروح المعاني (١٣/١٦٣).. والصحيح تحريمه، قال الشوكاني: "معنى هذا الحديث ثابت في الصحيح ولأهل العلم فيه تفاسير مختلفة، ومن أين لنا أن هذه الخطوط الرملية موافقة لذلك الخط ؟ وأن السند الصحيح إلى ذلك النبي؟ أو إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم-، أن هذا الخط هو على صورة كذا؟ فليس ما يفعله أهل الرمل إلا جهالات وضلالات". انظر: فتح القدير (٥/٢٠).

"تضمنت الآية المنع من تلقيب الإنسان بما يكره، ويجوز تلقيبه بما يحب، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لقب عمر بالفاروق(١)، وأبا بكر بالصديق(٢)، وعثمان بذي النورين(٣)، وخزيمة بذي الشهادتين(٤)،
(١) قال ابن حجر: "وأما لقبه فهو الفاروق باتفاق، فقيل أول من لقبه به النبي - ﷺ -، رواه أبو جعفر بن أبي شيبة من طريق ابن عباس عن عمر - رضي الله عنهم - ". فتح الباري (٧/٥٦). وسمي بالفاروق: لفرقه بين الحق والباطل. انظر: تحفة الأحوذي للمبارك فوري (١٠/١٧٢).
(٢) كناه النبي - ﷺ - بالصديق، كما في حديث: (أثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) رواه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل أصحاب النبي - ﷺ -، حـ ٣٦٧٥، موسوعة الحديث الشريف (ص٢٩٩). والصدِّيق: فعل للمبالغة في الصدق، وهو: الذي يصدق قوله بالعمل. انظر: النهاية لابن الأثير (ص٥١٢) مادة: (صدق).
(٣) عثمان - رضي الله عنه - تزوج بنتي رسول الله - ﷺ - وهما: رقية ثم مرضت فماتت ثم تزوج أم كلثوم، قال الحسن البصري: "إنما سمي عثمان: (ذا النورين) لأنا لا نعلم أحداً أغلق بابه على ابنتي نبي غيره". انظر: سير أعلام النبلاء (ص١٥١) الجزء الخاص بسير الخلفاء الراشدين.
(٤) خزيمة هو: ابن ثابت بن الفاكه، أبو عمارة الأنصاري الخطمي، توفي سنة ٣٧هـ، سمي بذي الشهادتين لأن النبي - ﷺ - جعل شهادته شهادة رجلين، روى ذلك البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، في تفسير سورة الأحزاب، حـ ٤٧٨٤، موسوعة الحديث الشريف (ص ٤٠٥-٤٠٦) وانظر: سير أعلام النبلاء (٢/٤٨٦)..

٥- أنه يغلب على تفسيره الذي وقفت عليه من خلال أقواله المنقولة عنه، التفسير بالرأي المحمود المبني على الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح، حيث اعتنى باستنباط الأحكام الفقهية من الآيات.
٦- بالرغم من قلة أقواله التي وقفت عليها في تفسيره إلا أنها تعتبر دليلاً على سعة علمه وفقهه ورسوخه.
٧- أظهرت أقواله أنه كان عالماً وفقيهاً مجتهداً، وأصولياً، و مفسراً، له آراؤه العلمية المستقلة في الاستنباط، والترجيح، والإجابة عن الإشكالات، ولم يكن مجرد ناقل أو مقلد بحت، أو متعصب لقول إمامه.
٨- أنه اعتمد على اللغة العربية وشواهدها لبيان المعنى الصحيح للآية التي يختلف المفسرون في المراد منها. وهذه طريقة صحيحة في التفسير، وقد سار عليها أئمة العلم.
٩- تميزت اختياراته بأنها على أصح الأقوال، فقد بلغت أقواله الصحيحة ثلثي الأقوال، بينما المرجوحة فلم تتجاوز أحد عشر قولاً. أي أقل من الثلث.
هذا أهم ما توصلت إليه من نتائج، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان واهتدى بهداهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين..... آمين.
"ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟".......................... ٢٠٤
"إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان".......................................... ١٣٨
"ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه"................................................................... ٥٨
"الأكثرون أموالاً ! لا من قال: هكذا وهكذا وهكذا"............................... ٢٧٣
"ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله..."................................. ٢١٧
"الدين يسر فيسروا ولا تعسروا"....................................................................... ٦٥
"الزم بيتك، وأملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر..."............. ٢٥٤
"السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره...".................................... ٢١٦
"الكبر بطر الحق، وغمط الناس"................................................................... ١١٢
"اللهم شق على من شق على أمة محمد ؟"................................................. ١٨٥
"ألم تَرَيْ إلى مجزز المدلجي؟ نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة..."........................... ٢٨٧
"ألم تَرَيْ أن مجزّزاً نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة..."..................................... ٢٨٠
"المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم..."......................................... ٥٩
"الولد للفراش وللعاهر الحجر"......................................................................... ٢٨٩
"أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كِذْبَه".................................................. ١١٧
"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة..."....................................... ٢٩٦
"إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم".......................... ١٧٣
"إنما عملوا لله وأجرهم عليه"................................................................................ ٧١
"أو ما تقرأ: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾...".............................................................. ٣٣٦
"أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية..."................................................................ ٢٥٥
"بايعنا رسول الله - ﷺ - على السمع، والطاعة...".................................................... ٢١٣
"بينما رسول الله - ﷺ - يخطب، إذا هو برجل...".................................................... ١٥٠
"جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً"........................... ١٧٩
"حتى الفسوة والفسية".......................................................................................... ٩١
"خيَّر رسول - ﷺ - في الأسرى بين الفداء، والمن...".......................................................... ١٣٢
"دعتني أمي يوماً، ورسول الله - ﷺ - قاعد في بيتنا..."............................................... ١١٧
"فأما المريض فرخص لمن اشتد عليه أن يفطر"....................................................... ١٤٨
"فكتب علي بإسلامهم فلما قرأ رسول الله الكتاب خر ساجداً..."...................... ٣٤٢
"فمن كان مقيماً على الربا لا ينزع عنه، فحق على..."...................................... ١٨٢
"قد اتخذت إذاً بطانة من دون..."........................................................................ ٢٤٢
"كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يتبادحون بالبطيخ"................ ١١٥
"كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله..."............................................... ٣١٢
ابن خويز منداد: ٢، ٣، ٤، ٥، ٦، ٩، ١٢، ١٣، ٢٥، ٢٧، ٢٨، ٢٩، ٣٥، ٣٦، ٣٧، ٣٩، ٤٠، ٤٤، ٤٥، ٤٦، ٤٨، ٤٩، ٥١، ٥٢، ٥٤، ٥٥، ٥٦، ٥٩، ٦١، ٦٦، ٦٧، ٦٩، ٧٥، ٧٧، ٧٨، ٨٠، ٨١، ٨٥، ٨٦، ٩١، ٩٢، ٩٦، ١٠٠، ١٠٤، ١٠٧، ١٠٨، ١١٨، ١١٩، ١٢١، ١٢٢، ١٢٣، ١٢٥، ١٢٦، ١٣٠، ١٣٢، ١٣٣، ١٣٦، ١٣٧، ١٣٩، ١٤٠، ١٤٣، ١٤٥، ١٤٦، ١٤٢، ١٤٩، ١٥٠، ١٥٢، ١٥٧، ١٦٠، ١٦١، ١٦٥، ١٦٦، ١٦٨، ١٦٩، ١٧٠، ١٧١، ١٧٢، ١٧٣، ١٧٥، ١٧٦، ١٧٧، ١٧٩، ١٨٠، ١٨٢، ١٨٣، ١٨٤، ١٨٥، ١٨٦، ١٨٨، ١٨٩، ١٩٠، ١٩٢، ١٩٣، ١٩٤، ١٩٧، ١٩٨، ٢٠٣، ٢٠٦، ٢٠٧، ٢٠٩، ٢١١، ٢١٢، ٢١٣، ٢١٥، ٢١٧، ٢١٨، ٢٢٩، ٢٣٠، ٢٣١، ٢٣٦، ٢٣٢، ٢٣٤، ٢٣٥، ٢٣٨، ٢٣٩، ٢٤١، ٢٤٢، ٢٤٦، ٢٤٧، ٢٤٩، ٢٥١، ٢٥٢، ٢٥٣، ٢٥٤، ٢٥٧، ٢٥٨، ٢٦٢، ٢٦٣، ٢٦٦، ٢٦٧، ٢٦٩، ٢٧٦، ٢٧٨، ٢٧٩، ٢٨٠، ٢٨١، ٢٨٢، ٢٨٦، ٢٩٣، ٢٩٤، ٢٩٥، ٢٩٧، ٢٩٨، ٢٩٩، ٣٠٠، ٣٠٢، ٣٠٣، ٣٠٤، ٣٠٥، ٣٠٧، ٣٠٨، ٣١٣، ٣١٦، ٣١٨، ٣٢١، ٣٢٢، ٣٢٣، ٣٢٤، ٣٢٥، ٣٢٦، ٣٢٧، ٣٢٨، ٣٣٢، ٣٣٣، ٣٣٤، ٣٣٥، ٣٤٤، ٣٤٦، ٣٤٧، ٣٥٢، ٣٥٣، ٣٥٤، ٣٥٧، ٣٥٨، ٣٥٩، ٣٦١.
ابن داسة: ٣٠، ٣٣.
ابن دحية: ٢٨.
ابن رجب الحنبلي: ١١٢، ١٤١، ١٥٧، ١٥٨، ١٥٩، ١٧٧.
ابن زيد: ٦٢، ١٠٠، ١٢٣، ١٥٢، ١٥٣، ١٦٨، ١٨٦، ٢٠٨، ٣٣٢، ٣٥٥.
ابن سعدي: ٢١٤، ٢٢٣.
ابن سيرين: ١١٥، ١٤٧، ١٦٨، ١٨٠، ٣٠٩.
ابن عاشور: ١٥٢، ٢٣٦، ٢٧٤، ٢٨٥، ٢٩٦، ٣٣٧.
ابن عباس: ٦٢، ٨٦، ٩١، ٩٨، ١٠٠، ١٠١، ١٠٢، ١٠٣، ١٠٤، ١٠٤، ١٠٦، ١٢٣، ١٣٢، ١٣٤، ١٤٠، ١٥٠، ١٦٣، ١٦٧، ١٧٦، ١٧٩، ١٨٠، ١٨١، ١٨٢، ١٨٦، ١٨٩، ١٩٠، ١٩١، ٢٠٨، ٢٠٩، ٢١٠، ٢١٣، ٢١٧، ٢٢٢، ٢٢٥، ٢٣٢، ٢٣٣، ٢٣٦، ٢٣٧، ٢٥٤، ٢٥٩، ٢٦٢، ٢٦٥، ٢٦٨، ٢٨٢، ٢٨٣، ٢٨٦، ٢٩٥، ٢٩٦، ٣٠٦، ٣٠٩، ٣١٣، ٣١٤، ٣٣٢، ٣٣٣، ٣٣٦، ٣٣٨، ٣٤١، ٣٤٨، ٣٥٠، ٣٥٥.
ابن عبد البر: ٢، ٢٦، ٢٧، ٢٨، ٣٩، ٤١، ٤٥، ٤٧، ٧٨، ٢٠١، ٢٠٢، ٢٣٣، ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٦٣، ٢٦٩، ٢٧٣.
ابن عثيمين: ٦١، ١٤٩، ٢٦١، ٢٩٩، ٣١٢، ٣١٥.
ابن عدي: ٢٠.
١٣)... أحكام القرآن، لأبي بكر أحمد بن علي الجصاص، دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين.
(١٤)... أحكام القرآن، لأبي بكر محمد بن عبد الله العربي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط١ ١٤٢١هـ، تحقيق: عبد الرزاق المهدي.
(١٥)... أحكام القرآن، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤١٢هـ، تحقيق: عبد الغني عبد الخالق.
(١٦)... أحكام القرآن، للكيا الهراسي، دار الكتب العلمية، بيروت.
(١٧)... أحكام أهل الذمة، لمحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، دار الحديث، القاهرة، ١٤٢٤هـ، تحقيق: سيد إبراهيم عمران.
(١٨)... الإحكام في أصول الأحكام، لعلي بن محمد الآمدي؛ الناشر مكتبة نزار، مصطفى الباز، ط١، ١٤٢١هـ، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم.
(١٩)... أخبار القضاة، لوكيع بن محمد بن خلف بن حيان، عالم الكتب، بيروت.
(٢٠)... الآداب الشرعية، لابن مفلح المقدسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط٢، ١٤١٧هـ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعمر القيَّام.
(٢١)... أدب الدنيا والدين، لعلي بن محمد بن حبيب الماوردي، دار مكتبة الحياة.
(٢٢)... أدب الزفاف في السنة المطهرة، لمحمد بن ناصر الدين الألباني، بيروت، ط٨، ١٤٠٧هـ.
(٢٣)... الأدب المفرد، لأبي عبد الله بن محمد بن إسماعيل البخاري، دار الصديق، ط١، ١٤١٩هـ، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني.
(٢٤)... الأذكار، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، دار الهدى، الرياض، ط١، ١٤٢٢هـ، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط.
(٢٥)... إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن علي الشوكاني، دار الفضيلة، الرياض، ط١، ١٤٢١هـ، تحقيق: سامي بن العربي الأثري.
(٢٦)... إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط٢، ١٤٠٥هـ.
(٢٧)... أسباب البدع ومصادرها، لمحمود شلتوت، مكتبة السنة، القاهرة، ١٤١٠هـ.
المطلب الخامس: مؤلفاته........................................................................................... ٣٥
المطلب السادس: عقيدته، و مذهبه الفقهي............................................................. ٣٦
المطلب السابع: مكانته العلمية، وأقوال العلماء فيه................................................ ٣٩
المطلب الثامن: وفاته................................................................................................. ٥٢
الفصل الثاني: منهجه:
المبحث الأول: منهجه في التفسير بالمأثور............................................................... ٥٥
المطلب الأول: منهجه في تفسير القرآن بالقرآن............................................ ٥٦
المطلب الثاني: منهجه في تفسير القرآن بالسنة............................................. ٥٨
المطلب الثالث: تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين.............................. ٦٠
المبحث الثاني: منهجه في الاستدلال........................................................................ ٦٣
المبحث الثالث: منهجه في الاختيار والترجيح......................................................... ٦٧
المبحث الرابع: منهجه في آيات الأحكام............................................................... ٦٩
القسم الثاني: أقواله في التفسير:... ٧٦ ـ ٣٥٩
سورة الفاتحة:............................................................................................................. ٧٧
سورة البقرة:............................................................................................................. ٨١
سورة آل عمران:...................................................................................................... ١٨٩


الصفحة التالية
Icon