لقد تتبعت هذا الموضوع في جميع مظانه؛ فلم أجد من كتب فيه، كما اطلعت أثناء بحثي وتتبعي على رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في أم القرى بعنوان: (ابن خويز منداد حياته وآراؤه الأصولية) لعبد العزيز بن سعد الصبحي(١)، وقد أشار أيضاً إلى أنه لم يقف على دراسات سابقة، وأن جميع مؤلفات ابن خويز منداد قد فقدت حسب إطلاعه.
خطة البحث:
وتتكون من: مقدمة، وتمهيد، وقسمين، وخاتمة.
* المقدمة:
وسأذكر فيها - بإذن الله-:
١- أهمية الموضوع.
٢- أسباب اختيار الموضوع.
٣- الدراسات السابقة للموضوع.
٤- خطة البحث.
٥- منهج البحث.
* التمهيد:
أهمية أقوال ابن خويز منداد في التفسير.
* القسم الأول:
الدراسة، وفيها فصلان:
* الفصل الأول:
عصر المؤلف وحياته، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: عصره، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الحالة السياسية.
المطلب الثاني: الحالة الاجتماعية.
المطلب الثالث: الحالة العلمية.
المبحث الثاني: حياته، وفيه ثمانية مطالب:
المطلب الأول: اسمه، و نسبه، و كنيته.
المطلب الثاني: مولده، و نشأته.
المطلب الثالث: طلبه للعلم، و رحلاته.
المطلب الرابع: شيوخه، و تلاميذه.
المطلب الخامس: مؤلفاته.
المطلب السادس: عقيدته، و مذهبه الفقهي.
المطلب السابع: مكانته العلمية، وأقوال العلماء فيه.
المطلب الثامن: وفاته.
* الفصل الثاني:
منهجه، وفيه:
دراسة لتفسير ابن خويز منداد من خلال أقواله، ويشتمل على:
المبحث الأول: منهجه في التفسير بالمأثور.
المبحث الثاني: منهجه في الاستدلال.
المبحث الثالث: منهجه في الاختيار والترجيح.
المبحث الرابع: منهجه في آيات الأحكام.
القسم الثاني:
أقواله في التفسير فيما نقل عنه في جميع القرآن الكريم، وسيكون عملي فيه على النحو التالي:

(١) قسم أصول الفقه، عام١٤٢٠هـ، بإشراف: د/ شعبان بن محمد إسماعيل.

وبنو بويه هم أمة ديلمية فارسية شيعية غالية لذلك لم يعترفوا بأحقية الخليفة العباسي السني في زعامة المسلمين، لذلك لم يكن للخليفة العباسي في عهدهم شيء من النفوذ سوى ذكر اسمه في الخطبة، وذلك لأغراض سياسية غايتها احتفاظ هؤلاء الحكام بمراكزهم أمام الجمهور وإعطاء حكمهم صبغة شرعية في البلاد ولولا خوف بني بويه من ضياع نفوذهم السياسي لما تورعوا عن تحويل الخلافة من العباسيين إلى العلويين(١). وقد امتدت سيطرتهم على العراق من ٣٣٤هـ - ٤٤٧هـ، وقد قوي نفوذهم فكان بيدهم الأمر والنهي يولون الوزراء ويعزلونهم ويرغمون الخليفة على ما يريدون بل ويقتلون الخلفاء ويعذبونهم ويحبسونهم و يسملون أعينهم كما فعلو بالقاهر بالله والمتقي لله والمستكفي بالله(٢).
ومما سبقت الإشارة إليه أنه من بين الدويلات التي نشأت في هذه الفترة التي عاش فيها ابن خويز منداد هي الدولة الفاطمية، وقد نشأت هذه الدولة أول ما نشأت في المغرب الأقصى سنة ٢٩٦هـ فخرج المغرب من حكم بني العباس من ذلك الوقت ثم مد الفاطميون نفوذهم إلى كل من مصر والشام واليمن وشمال أفريقيا واستمر ذلك حتى سنة ٥٦٧هـ إلى خلافة العاضد لدين الله آخر الخلفاء الفاطميين، وكانت قد قطعت الخطبة لبني العباس من ديار مصر سنة ٣٥٩هـ في خلافة المطيع العباسي حين تغلب الفاطميون على مصر أيام المعز الفاطمي(٣).
ونتيجة للتفرق والتناحر داخل البلاد الإسلامية فقد طمع أعداء الإسلام والمتربصون به في الاستيلاء على أجزاء منه وخاصة ملوك الروم.
(١) انظر: الكامل في التاريخ ( ٧/٢٠٧-٢٠٨ )، والبداية والنهاية ( ١١/ ٢٥١ )، والعبر (٢/٢٤٠-٢٤١ )، وتاريخ الإسلام لحسن إبراهيم ( ٣/٢٨٢).
(٢) انظر: تاريخ بغداد (٩/٣٩٩-٤٠٠)، والعبر (٢/٢٤٠)، والبداية والنهاية (١١/٢١٢، ٢٤٩، ٢٥٢).
(٣) البداية والنهاية (١١/٣٢٠)، وتاريخ الخلفاء ( ١/٢٠٤)، وتاريخ الدولة العليا العثمانية لمحمد فريد بك (١/٥٧).

الذي ترجح لدي أن الصواب مع من قال أن كنيته: أبو عبدالله، وذلك لما ذكر في ترجيح اسم جده، ولأن القرطبي وهو قد نقل من كتابه ( أحكام القرآن ) مباشرة، في غير ما موضع في تفسيره، قد كناه بأبي عبدالله، فلعله أيضاً رآه مكتوباً على كتابه فكناه بما رآه.
والله أعلم.
لقبه:
اشتهر بلقب اختلف في ضبطه على أقوال، أشهرها الآتي:
القول الأول :
ابن خُوَيْزِْ مَِنْداد
بضم الخاء، وفتح الواو، وسكون الياء، وزاي ساكنة أو مكسورة، وميم مفتوحة أو مكسورة، ثم نون ساكنة، فدالين بينهما ألف، وبهذا الضبط ضبطه أكثر أهل العلم، وهو المشهور فممن ضبطه بهذا: ابن حزم(١)، وابن عبد البر(٢)، وأبو حيان(٣)، وابن العربي(٤)والقرطبي(٥)، وابن تيمية(٦)، وابن القيم(٧)، وابن كثير(٨)، وابن فرحون(٩)، وابن
(١) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (١/١٥٢).
(٢) انظر: التمهيد (٤/١٥٦)، وجامع بيان العلم وفضله (٢/٩٤٢، ٩٩٣).
(٣) انظر: البحر المحيط (٢/٦١٢).
(٤) انظر: أحكام القرآن ( ٤/٢٢١).
(٥) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١/١٦٧، ٣١١)، وغيرها كثير.
(٦) انظر: مجموع الفتاوى (٧/٨٩) و ( ٢٠/٣٢٧)، وبيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (٢/٨٧).
(٧) انظر: زاد المعاد (١/١٨٠)، وإعلام الموقعين (٣/٤٦٤)، ( ٤/٤٥٩)، والصواعق المرسلة (٤/١٢٧٠).
(٨) انظر: تفسير ابن كثير ( ١/٤١٦).
(٩) انظر: الديباج المذهب (ص ٢٦٨ ).

٢- عند قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣) ﴾ المائدة: ٩٣.
قال بأنها تضمنت تناول المباح والشهوات والانتفاع بكل لذيذ من مطعم ومشرب ومنكح واستدل على هذا التفسير بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ المائدة: ٨٧.
وقوله: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ الأعراف: ٣٢(١).
٣- عند قوله تعالي: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥) ﴾ المائدة : ١٠٥.
قال: إن هذه الآية تضمنت اشتغال الإنسان بخاصة نفسه وتركه التعرض لمعائب الناس والبحث عن أحوالهم، فإنهم لا يسألون عن حاله فلا يسأل عن حالهم وهذا كقوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) ﴾ المدثر: ٣٨. وقوله: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ الأنعام : ١٦٤.
وغيرها من الأمثلة التي تدل على اهتمامه بهذا الجانب - رحمه الله-.
المطلب الثاني
منهجه في تفسير القرآن بالسنة
(١) انظر : الجامع لأحكام القرآن ( ٦/٢٧٦).

ومالك، وابن المبارك(١)، وأحمد بن حنبل، وسفيان الثوري(٢)، وابن خويز منداد، وغيرهم(٣)، واختاره القرطبي(٤).
واستدلوا بالآتي:
١/ عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - ﷺ - قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(٥).
٢/ وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خِداج"(٦).
قال ابن عبد البر: "فإن هذا يوجب قراءة فاتحة الكتاب في كل صلاة، وأن الصلاة إذا لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، والخداج: النقص والفساد، من ذلك قولهم: أخدجت
(١) ابن المبارك هو: عبد الله بن المبارك بن وضاح، أبو عبد الرحمن الحنظلي، التركي ثم المروزي، الفقيه الحافظ الزاهد، كان من الربانيين في العلم، ذو المناقب، قال عنه الإمام أحمد:"لم يكن في زمان ابن المبارك؛ أطلب للعلم منه"، وقال الفضيل بن عياض: "ورب هذا البيت، ما رأت عيناي مثل ابن المبارك"، كان رأسا في العلم والجهاد والذكاء والشجاعة والكرم، توفي سنة ١٨١هـ. انظر: حلية الأولياء (٨/١٦٢)، وتاريخ بغداد (١٠/١٥١)، وشذرات الذهب لابن العماد (١/٤٧٥)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (٣/٣٢).
(٢) ستأتي ترجمة لسفيان الثوري عند دراسة قول ابن خويزمنداد في آية البقرة: ٣٦.
(٣) انظر: المجموع (٣/٢٨٣).
(٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١/١٦٧).
(٥) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الآذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها
حـ ٧٥٦. موسوعة الحديث الشريف (ص٦٠). ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة. حـ ٣٩٤. موسوعة الحديث الشريف (ص٧٤٠).
(٦) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، حـ ٣٩٥. موسوعة الحديث الشريف (ص٧٤٠).

وكذلك سئل يحيى بن يحيى(١)- وهو من أصحاب مالك - عن مبايعة أئمة الجور فقال: قد بايع ابن عمر - رضي الله عنهما - عبد الملك بن مروان وبالسيف أخذ الملك، أخبرني بذلك مالك عنه، أنه كتب إليه: وأقر لك بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنة نبيه محمد - ﷺ -(٢)".
قال يحيى: "والبيعة خير من الفرقة"(٣).
وقال الشافعي: "كل من غلب على الخلافة بالسيف حتى يسمَّى خليفة ويجمع الناس عليه، فهو خليفة"(٤).
وقال الإمام أحمد: "ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمّي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً براً كان أو فاجراً"(٥)واحتج بقول ابن عمر: "نحن مع من غلب"(٦).
(١) هو: يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس بن شملال بن منغايا، أبو محمد الليثي البربري المصمودي الأندلسي القرطبي، الإمام الكبير فقيه الأندلس، كان يفتي برأي مالك، وكان إمام وقته، مات في رجب سنة ٢٣٤هـ. انظر: تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي (٤/٨٩٨)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (٦/١٤٣).
(٢) سبق تخريج هذا الأثر.
(٣) انظر: الاعتصام للشاطبي (٣/٤٦)................
(٤) رواه البيهقي عن حرملة، قال: سمعت الشافعي يقول: "كل من غلب... ". انظر: مناقب الشافعي للبيهقي (١/٤٤٨).
(٥) رواه عبدوس بن مالك العطار، عنه، انظر : شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (١/١٨٠)، والأحكام السلطانية لأبي يعلي (ص٢٣).
(٦) انظر: الأحكام السلطانية لابن يعلي (ص٢٣). وقول ابن عمر رواه ابن سعد عن سيف المازني. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (٤/١٤٩). قال الألباني: "إسناده صحيح إلى سيف المازني، وأما هو فأورده ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً، ولا تعديلاً". انظر: إرواء الغليل (٢/٣٠٤).

-- قال: "يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون : أنت أبو الناس خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء؛ فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا... "الحديث(١).
وجه الدلالة من الحديث: أن قوله (وعلمك أسماء كل شيء) دل هذا: على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات(٢).
٢/ أن لفظة (كلها) من ألفاظ العموم.
قال القرطبي: "وهو - أي القول - الذي يقتضيه لفظ كلها، إذ هو اسم موضوع للإحاطة والعموم"(٣).
٣/ أن مجيء التأكيد بكلها بعد الجمع (الأسماء) أفاد أنه علمه جميع الأسماء، ولم يخرج عن هذا الشيء منها كائناً ما كان(٤)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قوله (الأسماء كلها) لفظ عام مؤكد فلا يجوز تخصيصه بالدعوى"(٥).
القول الثاني:
إنه علمه أسماء معدودة لمسميات مخصوصة، ثم اختلفوا في تعيين هذه المسميات على أقوال، هي كالآتي:
١- إنه علمه أسماء الملائكة.
قال به: أبو العالية(٦)، والربيع بن أنس(٧)
(١) رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها)، حـ ٤٤٧٦. موسوعة الحديث الشريف (ص٣٦٧).
(٢) انظر: تفسير ابن كثير (١/٢٢٧).
(٣) انظر: الجامع لأحكام القران (١/٣٢٣).
(٤) انظر: فتح القدير للشوكاني (١/١٥٩).
(٥) مجموع الفتاوى (٧/٩٤).
(٦) انظر: زاد المسير (ص٣٤).
(٧) انظر: تفسير الطبري (١/٢٤٨)، ومعالم التنزيل (١/٦١)، والمحرر الوجيز (ص٧٢)، والجامع لأحكام القران (١/٣٢٤)، وتفسير ابن كثير (١/٢٢٥)، والدر المنثور (١/١٠١)، وفتح القدير للشوكاني (١١/١٥٩).
تنبيه: وجدت عند ابن عطية والقرطبي والشوكاني: "الربيع بن خثيم" وأما الطبري وابن كثير فلم ينسباه، بينما وجدته عند الجصاص والبغوي والسيوطي عن ابن جرير: "الربيع بن أنس" ولعل الصواب أنه الربيع
ابن أنس لأن سند هذه الرواية هو: عن عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع، وأبو جعفر هو الرازي روى عن الربيع بن أنس ولم يرو عن الربيع بن خثيم، والله أعلم. انظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٣/٤١٩)، وتهذيب الكمال (٢/٤٥٦)، وسير أعلام النبلاء (٦/١٩٦). والربيع بن أنس هو: بن زياد البكري الخراساني المروزي البصري، سمع أنس بن مالك، وأبا العالية وأكثر عنه، والحسن البصري، وكان عالم مرو في زمانه، توفي سنة ١٣٩هـ. انظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٣/٤١٩)، وسير أعلام النبلاء (٦/١٩٦)، وتهذيب التهذيب (١/٥٨٩).

القول الأول: إن معنى الحين ها هنا: الموت، أي: ومتاع إلى الموت.
قال به: السدي(١). واختاره: السمعاني(٢)، والبغوي(٣)، والآلوسي(٤).
القول الثاني: إن معنى الحين: الحياة.
قال به: ابن عباس في رواية(٥)، ومجاهد وقتادة(٦).
واختاره: أبو الليث السمرقندي(٧).
القول الثالث: إن المراد بالحين: يوم القيامة.
قال به: ابن مسعود(٨)، ومجاهد(٩).
واختاره: الزمخشري(١٠)، وابن عطية(١١).
القول الرابع: إن المراد بالحين: الأجل.
قال به: الربيع أنس(١٢)، وابن قتيبة(١٣).
واختاره ابن كثير(١٤)٤).
القول الراجح:
كل الأقوال السابقة لا تخرج عن كونها تدل على أن الحين جزء من الزمان، ولا مانع من حمل الآية على جميع ما ورد، قال ابن جرير الطبري: "إذ لم يكن الله
- جل ثناؤه - وضع دلالة دالة على أنه قصد بقوله: ﴿ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ بعضاً دون بعض، وخاصاً دون عام في عقل ولا خبر، أن يكون ذلك في معنى العام وأن يكون الخبر أيضا كذلك إلى وقت يطول استمتاع بني آدم، وبني إبليس بها وذلك إلى أن تبدل الأرض غير الأرض"(١٥).
المسألة الثالثة:
أقوال العلماء في تحديد زمن الحين:
(١) انظر: تفسير الطبري (١/٥٧٧).
(٢) انظر: تفسير السمعاني (١/٦٩).
(٣) انظر: معالم التنزيل (١/٦٥).
(٤) انظر: روح المعاني (١/٢٣٨).
(٥) انظر: تفسير ابن عباس (١/٢٢١) جمع د. محمد العبد القادر.
(٦) انظر: فتح القدير للشوكاني (١/١٦٩).
(٧) انظر: بحر العلوم (١/١١٢).
(٨) انظر : الدر المنثور (١/١١١)، وفتح القدير للشوكاني (١/١٦٩).
(٩) انظر: تفسير مجاهد (١/٧٣).
(١٠) ١٠) انظر: الكشاف (١/١٢٨).
(١١) ١١) انظر: المحرر الوجيز (ص٧٨).
(١٢) ١٢) انظر: تفسير الطبري (١/٥٧٨).
(١٣) ١٣) انظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبية (ص٤٦).
(١٤) ١٤) انظر: تفسير ابن كثير (١/٢٣٩).
(١٥) تفسير الطبري (١/٥٧٨).

الاستهزاء لغة: قال ابن فارس(١):
"الهاء والزاي والهمزة، كلمة واحدة، يقال هَزِئَ واستهزأ إذا سخر"(٢).
وقال الجوهري(٣): "الهُزْء، والهُزُؤ: السخرية، تقول: هزِئت منه، وهزئِت به، وهزِئ منه وبه"(٤).
فالاستهزاء معناه: السخرية، والاستحقار، والاستهانة، والتنبيه على العيوب، والنقائص،
على وجه يضحك منه وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل، والقول وقد يكون بالإشارة
والإيماء(٥).
حكم الاستهزاء:
في حكمه تفصيل فمنه ما هو ناقض للإيمان مخرج من الملة، ومنه ما هو محرم لا يخرج من الملة.
أولاً: الاستهزاء الناقض للإيمان:
(١) هو: أحمد بن فارس بن زكريا، أبو الحسين، اللغوي، من أعيان أهل العلم، وأفراد الدهر، أصله من قزوين، كان كريماً جواداً لا يبقي شيئاً، وربما سئل فوهب ثياب جسمه وفرش بيته، وكان واسع الأدب متبحراً في اللغة العربية، فقيهاً شافعياً ثم مالكياً، وطريقته في النحو طريقة الكوفيين، له كتب بديعة، ورسائل مفيدة، وأشعار جيدة، وتلامذة كثيرة، منهم بديع الزمان الهمذاني، مات سنة ٣٦٩هـ. انظر: معجم الأدباء (١/٤١٠)، وانباه الرواة للقفطي (١/١٢٧).
(٢) معجم مقاييس اللغة (٦/٥٢).
(٣) الجوهري هو: إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، أبو نصر، وهو من فرياب - أحد بلاد الترك -، كان من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلماً، وهو إمام في علم اللغة والأدب، وخطه يضرب به المثل في الجودة، كان يؤثر السفر على الحضر، ويطوف الآفاق، له مصنفات عديدة، مات في جمادي الأولى سنة ٤٥٣هـ. انظر: معجم الأدباء (٢/٦٥٦)، وبغية الوعاة للسيوطي (١/٤٤٦).
(٤) الصحاح (١/٧٠).........................
(٥) انظر: اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين للزبيدي (٧/٥٠٣).

اختلف المفسرون في المراد من الآية على أقوال، هي كالآتي:
القول الأول:
إن المراد أنهم نهوا عن أن يقتل بعضهم بعضاً، ولا يخرجه من داره، فجعل غير الرجل
نفسه إذا اتصل به أصلاً أو ديناً(١)، لأن الله أخذ الميثاق على بني إسرائيل في التوراة ألا يقتل
بعضهم بعضاً، ولا ينفيه، ولا يسترقه، ولا يدعه يسترق.
قال بهذا: ابن عباس(٢) - رضي الله عنهما -، وابن قتيبة(٣)، وقتادة، والسدي، والربيع، وابن زيد(٤)، والسمرقندي(٥).
واختاره: ابن عطية(٦)، وابن الجوزي(٧)، وابن كثير(٨)، والألوسي(٩)، والشنقيطي(١٠).
القول الثاني:
إن المراد به القصاص، أي: لا يقتل الرجل منكم الرجل منكم فيقاد به قصاصاً، فيكون بذلك قاتلاً نفسه.
جوز هذا الوجه في تفسير الآية: الطبري(١١)، والسمعاني(١٢)، والبغوي(١٣)، والزمخشري(١٤).
القول الثالث:
إن المراد بها ما سبق ووجهاً ثالثاً، وهو: ما يدل عليه ظاهرها من النهي عن قتل النفس،
أو إخراج النفس من الدار إلى الفيافي.
قال بهذا: الجصاص(١٥)، وابن عطية(١٦)، والرازي(١٧)، والقرطبي(١٨).
(١) انظر: الكشاف للزمخشري (١/١٦٠).
(٢) انظر: تفسير ابن عباس (١/٢٨٠) جمع: د. محمد العبد القادر.
(٣) انظر: تفسير غريب القرآن (ص٥٤).
(٤) انظر: تفسير الطبري (٢/٢٠٢) وتفسير ابن أبي حاتم (١/١٦٣ - ١٦٤).
(٥) انظر: بحر العلوم (١/١٣٤).
(٦) انظر: المحرر الوجيز (ص ١٠٧).
(٧) انظر: زاد المسير (ص٥٦).
(٨) انظر: تفسير ابن كثير (١/٣٢٣).
(٩) انظر: روح المعاني (١/٣١٠).
(١٠) انظر: أضواء البيان (١/٦٥).
(١١) انظر: تفسير الطبري (٢/٢٠١).
(١٢) انظر: تفسير السمعاني (١/١٠٣).
(١٣) انظر: معالم التنزيل (١/٩٠).
(١٤) انظر: الكشاف (١/١٦٠).
(١٥) انظر: أحكام القرآن ( ١/٤٧).
(١٦) انظر: المحرر الوجيز (ص٤٢٧).
(١٧) انظر: التفسير الكبير (٣/١٧٠).
(١٨) انظر : الجامع لأحكام القرآن (١/٢٢-٢٣).

وقال المناوي(١)في شرحه لهذا الحديث: " (فكوا) أي: خلصوا، والفكاك - بفتح الفاء وتكسر -: التخليص، (العاني) بمهملة ونون، أي: اعتقوا الأسير من أيدي العدو بمال أو غيره"(٢).
وروى البخاري(٣)عن أبي جحيفة(٤)قال لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال:" لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة" قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: "العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر".
قال ابن حجر: "والمعنى أن فيها حكم تخليص الأسير من يد العدو، والترغيب في ذلك"(٥).
وأما الإجماع: فقد أجمع العلماء على وجوب فك أسرى المسلمين، كما حكاه
ابن خويزمنداد، وحكاه غيره من العلماء، كابن حزم(٦)، وابن بطال(٧)، وقال القرطبي: "وهذا لا خلاف فيه"(٨).
ومما قاله أهل العلم في حكم فك الأسرى:
(١) هو: عبد الروؤف بن تاج العارفين بن علي المُناوي القاهري، من كبار العلماء بالدين والفنون، وكان أعلم معاصريه بالحديث، وأكثرهم فيه تصنيفاً وإجادة وتحريراً، له تصانيف كثيرة، مات بمصر سنة ١٠٣١هـ. انظر: فهرس الفهارس والأثبات للكتاني (٢/٥٦٠)، والأعلام للزركلي (٦/٢٠٤).
(٢) فيض القدير شرح الجامع الصغير (٨/٤٢١٨) برقم: (٥٨٩٨).
(٣) رواه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب كتابة العلم، حـ ١١١. موسوعة الحديث الشريف (ص١٢)
(٤) أبو جحيفة هو: وهب بن عبد الله بن مسلم السوائي، ويقال له: وهب الخير، من صغار الصحابة، قدم على النبي - ﷺ - في أواخر عمره، وحفظ عنه، ثم صحب علياً بعده، وولاه شرطة الكوفة لما ولي الخلافة، مات سنة ٧٤هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (٣/٢٠٢)، والإصابة(٦/٤٩٠).
(٥) فتح الباري (١/٢٧١).
(٦) انظر: مراتب الإجماع لابن حزم (ص٢٠٤).
(٧) انظر: شرح صحيح البخاري (٥/٢١٠).
(٨) الجامع لأحكام القران (٥/٢٦٨).

قال به: الربيع بن أنس، والضحاك(١)، وأبو العالية(٢).
خامساً: وقيل: إنه الأمان، أي: لا ينال أماني أعدائي وأهل الظلم لعبادي، أي: لا أُأَمنهم من عذابي في الآخرة.
قال به: قتادة(٣)، والحسن البصري(٤)، وأبوعبيدة(٥)، وإبراهيم النخعي(٦).
وكل هذه الأقوال متداخلة وغير متضادة، قال الجصاص: "جميع ما روي من هذه المعاني يحتمله اللفظ، وجائز أن يكون جميعه مراداً لله تعالى... فلا يجوز أن يكون الظالم نبياً، ولا خليفة، ولا قاضياً، ولا من يلزم الناس قبول قوله في أمور الدين من مفت، أو شاهد، أو مخبر عن النبي - ﷺ - خبراً، فقد أفادت الآية أن شرط جميع من كان محل الإئتمام به في أمر الدين: العدالة والصلاح"(٧).
المسألة الثانية:
أقوال المفسرين في المراد بالظالمين:
وفيه قولان:
(١) انظر: تفسير الطبري (٢/٥١٥) والمحرر الوجيز لابن عطية (ص١٣١). والضحاك هو: ابن مزاحم الهلالي، أبو القاسم الخرساني البلخي، المفسر، تابعي جليل، صدوق كثير الإرسال، من الطبقة الخامسة، قال عنه الذهبي: "كان من أوعية العلم، وليس بالمجود لحديثه، وهو صدوق في نفسه"، وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهما، مات سنة ١٠٢هـ. انظر: صفة الصفوةلابن الجوزي (٤/١٥٠)، سير أعلام النبلاء (٤/٥٩٨)، والبداية والنهاية (٩/٢٦٠)، وطبقات المفسرين للداودي (١/٢٢٢)....
(٢) انظر: تفسير أبي العالية (١/٤٣٠) رسالة ماجستير إعداد : نورة الورثان.
(٣) انظر: النكت والعيون(١/١٨٥)، والمحرر الوجيز (ص١٣١).
(٤) انظر: تفسير الحسن البصري (١/١١٤).
(٥) أبو عبيدة هو: معمر ابن المثنى التيمي، اللغوي، العلامة، الأخباري، صاحب التصانيف، أحد أوعية العلم، مات سنة ٢٠٩هـ. انظر: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (١٣/٢٥٢)، والمنتظم (١٠/٢٠٦)، وشذرات الذهب لابن العماد (٢/١٠٧).
(٦) انظر: تفسير الطبري (٢/٥١٥) وزاد المسير (ص٦٩).
(٧) أحكام القران (١/٨٤).

إن جميع الأقوال محتملة، قال الجصاص: "واللفظ محتمل لهذه المعاني، وجميعها مراد لله تعالى، لشمول اللفظ واحتماله إياه... وذكر الله تعالى لما كان المعنى فيه طاعته، والطاعة تارة بالذكر باللسان، وتارة بالعمل بالجوارح، وتارة باعتقاد القلب، وتارة بالفكر في دلائله وحججه، وتارة في عظمته، وتارة بدعائه ومسألته، جاز إرادة الجميع بلفظ واحد كلفظ الطاعة نفسها، وجاز أن يراد بها جميع الطاعات على اختلافها إذا ورد الأمر بها مطلقاً نحو قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ... ﴾ الآية، النساء: ٥٩ وكالمعصية يجوز أن يتناول جميعها لفظ النهي، فقوله: ﴿ فَاذْكُرُونِي ﴾ قد تضمن الأمر بسائر وجوه الذكر، منها سائر وجوه طاعته، وهو أعم الذكر، ومنها ذكره باللسان على وجه التعظيم والثناء عليه، والذكر على وجه الشكر والاعتراف بنعمه، ومنها ذكره بدعاء الناس إليه، والتنبيه على دلائله وحججه ووحدانيته وحكمته، وذكره بالفكر في دلائله وآياته وقدرته وعظمته، وهذا أفضل الذكر، وسائر وجوه الذكر مبنية عليه وتابعة له، وبه يصح معناها لأن اليقين والطمأنينة به تكون، قال الله تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ الرعد : ٢٨"(١).
فتبين أن قول ابن خويز منداد هو أحد الأقوال المحتملة للفظ، ولا يقصد به قصره عليه.
والله أعلم.
(١) أحكام القرآن (١/١١٢- ١١٣).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد ثبت أنهم كانوا يضعون اللحم بالقدر فيبقى الدم في الماء خطوطاً وهذا لا أعلم بين العلماء خلافاً في العفو فيه. وأنه لا ينجس
باتفاقهم"(١).
فدل الحديث على إباحة ما بقي في العروق ونحوها مما خالط اللحم.
٢- ومما يدل على إباحة غير الدم المسفوح، ما جاء في الكبد والطحال، فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "أحل لنا ميتتان، ودمان، فأما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال"(٢).
فتبين بذلك أن ابن خويز منداد وافق الإجماع في هذه المسألة.
........................... والله أعلم.
(١) انظر: مجموع الفتاوى (٢١/٥٢٤).
(٢) رواه أحمد في مسنده (٢/٩٧)، موقوفاً على ابن عمر، وابن ماجه في سننه، كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال، حـ ٣٣١٤ مرفوعاً. ورجح ابن كثير في تفسيره (٣/١٥). وقفه، وقال: "قال الحافظ أبو زرعة الرازي: وهو أصح" بينما صحح رفعه الألباني - رحمه الله - في صحيح ابن ماجة، برقم: (٣٣٧٧) (٣/١٢٩). قال ابن حجر: "نعم، الرواية الموقوفة التي صححها أبو حاتم، وغيره، هي في حكم المرفوع لأن قول الصحابي: أحل لنا، وحرم علينا كذا، ومثل قوله: أمرنا بكذا ونهينا عن كذا، فيحصل الاستدلال بهذه الرواية لأنها بمعنى المرفوع، والله أعلم". انظر: تلخيص الحبير (١/١٦١-١٦٢).

٢- أن المرض لا ضابط له، فإن الأمراض تختلف، منها ما يضر صاحبه الصوم، ومنها ما لا أثر للصوم فيه، كوجع الضرس، وجرح في الأصبع، والدمل، والقرحة اليسيرة، والجرب، وأشباه ذلك، فلم يصلح المرض ضابطاً، وأمكن اعتبار الحكمة، وهو ما يخاف منه الضرر فوجب اعتباره بذلك(١). وقد روى ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلي(٢)قال: ثنا أصحاب رسول الله - ﷺ - ثم ذكر الأثر وفيه: "فأما المريض فرخص لمن اشتد عليه أن يفطر(٣)" فهذا الأثر يشهد لاشتراط المشقة والضرر مع الصوم للمريض ليفطر.
(١) انظر: المغني (٤/٤٠٤).
(٢) عبد الرحمن بن أبي ليلى هو: أبو عيسى الأنصاري، الكوفي، الفقيه، الإمام العلامة، الحافظ، قال عنه العجلي: "كان فقيهاً صدوقاً صاحب سنة، جائز الحديث قارئاً عالماً بالقرآن قرأ على حمزة"، قتل بوقعة الجماجم سنة ٨٢هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (٤/٢٦٢)، وطبقات المفسرين للداودي (١/٢٧٥).
(٣) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (١/٣٠٦).

ما رواه البخاري عن البراء(١)- رضي الله عنه - قال: "نزلت هذه الآية فينا، كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لم يدخلوا من قِبَل أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها، فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه فكأنه عُيِّر بذلك، فنزلت: ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا... ﴾(٢).
وفي رواية عن البراء - رضي الله عنه - قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيوت من ظهورها فأنزل الله: ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا... ﴾(٣).
قال به: الطبري(٤)، ورجحه: ابن العربي(٥)، والقرطبي(٦)، وابن عاشور(٧).
القول الثاني:
(١) البراء هو: ابن ع(٩) بن الحارث بن عدي، أبو عمارة الأنصاري الحارثي، المدني، له ولأبيه صحبة، نزيل الكوفة، من فقهاء الصحابة، استصغره النبي - ﷺ - يوم بدر فرده فلم يشهدها، غزا مع النبي - ﷺ - أربع عشرة غزوة، توفي سنة ٧١هـ، عن بضع وثمانين سنة. انظر: الإصابة (١/٤١١)، وسير أعلام النبلاء (٣/١٩٤).
(٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب العمرة، باب قول الله تعالى: (وأتوا البيوت من أبوابها)، حـ ١٨٠٣. موسوعة الحديث الشريف (ص١٤١).
(٣) رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها... ) حـ٤٥١٢. موسوعة الحديث الشريف (ص٣٧٠)، ومسلم في صحيحه، كتاب التفسير، باب تفسير آيات متفرقة، حـ ٣٠٢٦. موسوعة الحديث الشريف (ص١٢٠١). =
(٤) انظر: تفسير الطبري (٣/٢٨٨)
(٥) انظر: أحكام القرآن، له (١/١٤٣).
(٦) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٢/٣٤٤).
(٧) انظر: التحرير والتنوير (٢/١٩٨).

وجماعة من الفقهاء(١)، واختاره ابن الجوزي(٢).
ومما استدلوا به:
١- ظاهر الآية قال مجاهد: "الآية محكمة ولا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام إلا بعد أن يقاتل"(٣).
٢- وحديث رواه الشيخان(٤)عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - ﷺ - قال: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة".
قال ابن الجوزي: "فبين - ﷺ - أنه خص في تلك الساعة بالإباحة على سبيل التخصيص، لا على وجه النسخ فثبت بذلك حظر القتال في الحرم إلا أن يقاتلوا فيدفعون دفعاً، وهذا أمر مستمر الحكم غير منسوخ"(٥).
القول الراجح:
القول بأن الآية محكمة هو الراجح، لأنه هو الذي يقتضيه نص الآية(٦)، والنسخ لابد له من دليل يجب الرجوع إليه(٧)، ولا دليل هنا.
وأجيب عن استدلال القائلين بالنسخ بالآتي:
(١) انظر: زاد المسير (ص٩٥).
(٢) انظر: نواسخ القرآن لابن الجوزي ( ص١٨١-١٨٤)، وذكره أيضا في تفسيره: زاد المسير (ص ٩٥).
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٢/٣٤٨).
(٤) رواه البخاري في صحيحه، كتاب جزاء الصيد، باب لا يحل القتال بمكة، حـ ١٨٣٤. موسوعة الحديث الشريف (ص١٤٤)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب تحريم مكة، حـ ١٣٥٣. موسوعة الحديث الشريف (ص٩٠٣).
(٥) انظر: زاد المسير (ص٩٥).
(٦) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٢/٣٤٨).
(٧) انظر: أضواء البيان (٦/٧٢).

قال به: حذيفة بن اليمان(١)، وابن عباس(٢)- رضي الله عنهم -، ومجاهد(٣)، وعكرمة، والحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب القرظي(٤)، ومقاتل ين سليمان(٥)، وجمهور العلماء(٦).
القول الثاني:
إن المراد بها: ترك الجهاد في سبيل الله، والركون إلى الدنيا.
قال به: أبو أيوب الأنصاري(٧).
القول الثالث:
إن المراد بها: ترك التوبة عن المعاصي.
(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله...)، حـ ٤٥١٦. موسوعة الحديث الشريف (ص٣٧٠).
(٢) انظر: تفسير ابن عباس (٢/٣٩٦) حمع: د. محمد العبد القادر.
(٣) انظر: تفسير مجاهد (١/٩٩).
(٤) محمد بن كعب هو: بن سليم، أبو حمزة القرظي، الإمام العلامة الصادق، من حلفاء الأوس، وكان أبوه من سبي قريظة، سكن الكوفة ثم المدينة، كان ثقة عالماً كثير الحديث ورعاً، وكان من أئمة التفسير، قال الذهبي: "وهو يرسل كثيراً، ويروي عمن لم يلقهم، فروى عن أبي ذر، وأبي الدرداء، وعلي، والعباس، وابن مسعود، وسلمان، وعمرو بن العاص - رضي الله عنهم -، ويروي عن رجل عن أبي هريرة، وكان من أوعية العلم"، توفي سنة ١١٧هـ، وقيل ١٢٠هـ، عن ٧٨سنة. انظر: التاريخ الكبير للبخاري (١/٢١٧)، وتهذيب الكمال (٦/٤٨٩)، وسير أعلام النبلاء (٥/٦٥)....
(٥) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان (١/١٧٠).
(٦) راجع هذه الأقوال في: تفسير الطبري (٣/٣١٢- ٣١٨)، وتفسير ابن أبي حاتم (١/٢٣٠ - ٢٣٢)، ومعالم التنزيل (١/١٦٤)، والمحرر الوجيز ( ص ١٧٢).
(٧) انظر: تفسير الطبري (٣/٣٢٢)، وبحر العلوم للسمرقندي (١/١٩٠).

ولأن الله تعالى جعل الولد موهوباً لأبيه، فقال: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾ الأنعام: ٨٤ ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ﴾ الأنبياء: ٩٠، وقال زكريا: ﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴾ مريم: ٥، وقال إبراهيم: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ﴾ إبراهيم: ٣٩. وما كان موهوباً له كان له أخذ ماله، كعبده.
وقال سفيان بن عيينة في قوله: (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم): "ثم ذكر سائر القرابات إلا الأولاد لم يذكرهم لأنهم دخلوا في قوله: (بيوتكم) فلما كانت بيوت أولادهم كبيوتهم، لم يذكر بيوت أولادهم"(١).
القول الثاني:
ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته.
قال به: أبو حنيفة(٢)، ومالك(٣)، وإبراهيم النخعي، والزهري(٤).
واستدلوا :
بقول النبي - ﷺ -: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا"(٥).
وقال - ﷺ -: "كل أحد أحق بكسبه من والده، وولده والناس أجمعين"(٦).
(١) انظر: المغني (٨/٢٧٣-٢٧٤).
(٢) انظر: المبسوط للسرخسي (٥/٢٢٢).
(٣) انظر: المدونة للإمام مالك (٢/٢٦٣).
(٤) انظر: الدر المنثور (١/٦١٥).
(٥) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، حـ ١٧٤٢. موسوعة الحديث الشريف (ص١٣٦)، ومسلم في صحيحه، كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، حـ ١٦٧٩. موسوعة الحديث الشريف (ص٩٧٤).
(٦) رواه البيهقي في سننه، كتاب المكاتب، باب من قال يجب على الرجل مكاتبة عبده، حـ ٢١٦١٨ (١٠/٥٣٩)، وضعفه الألباني في الضعيفة (١/٥٣٤) برقم: (٣٥٩).............

قال به: الزجاج(١).
ورد هذا القول ابن عطية، فقال:"هذا القول مخالف للآثار، ويشبهه في زماننا أن يحسن التستر بصدقة الفرض، فقد كثر المانع لها وصار إخراجها عرضة للرياء"(٢)٥).
وناقش ابن رجب قول ابن عطية، فقال:
"وهذا الذي تخيله ابن عطية ضعيف، فلو كان الرجل في مكان يترك أهلُه الصلاة، فهل يقال: إن الأفضل أن لا يظهر صلاته المكتوبة؟!"(٣).
القول السادس:
إن الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً.... ﴾ البقرة : ٢٧٤.
قال به: النقاش(٤).
ولكن دعوى النسخ فيه نظر فهو قول ضعيف جداً إذ لا دليل على القول بالنسخ(٥).
القول الراجح:
(١) انظر: معاني القران وإعرابه (١/٣٥٤).......
(٢) المحرر الوجيز (ص٢٤٨).
(٣) انظر: تفسير ابن رجب (١/١٩٤).
(٤) انظر: المحرر الوجيز (ص٢٤٨). والنقاش هو: محمد بن الحسن بن زياد بن هارون بن جعفر، أبو بكر، العلامة المفسر الموصلي ثم البغدادي، أصله من الموصل، كان عالماً بالتفسير والقراءات، في حديثه مناكير توفي في شوال سنة ٣٥١هـ. انظر: اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير (٣/٣٢١)، وسير أعلام النبلاء (١٥/٥٧٣)، والبداية والنهاية (١١/٢٩١).
(٥) انظر: تفسير ابن رجب (١/١٩٤).

ومستحل الربا كافر مرتد، قال ابن قدامة: "من اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه، وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير والزنا وأشباه هذا مما لا خلاف فيه؛ كفر"(١).
أما من فعله غير مستحل له فإنه لا يكفر لكنه يستتاب فإن أصر قتل.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "فمن كان مقيماً على الربا لا ينزع عنه، فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه"(٢).
قال الجصاص: "المقيم على أكل الربا إن كان مستحلاً له فهو كافر، وإن كان ممتنعاً بجماعة تعضده سار فيهم الإمام بسيرته في أهل الردة إن كانوا قبل ذلك من جملة أهل الملة، وإن اعترفوا بتحريمه وفعلوه غير مستحلين له قاتلهم الإمام إن كانوا ممتنعين حتى يتوبوا، وإن لم يكونوا ممتنعين ردعهم عن ذلك بالضرب والحبس حتى ينتهوا"(٣).
وبهذا تبين أن تفسير ابن خويزمنداد وافق تفسير الجمهور لهذه الآية.
والله أعلم.
(١) المغني (١٢/٢٧٦).
(٢) تفسير ابن عباس (٢/٥٥١) جمع: د/ محمد العبد القادر.
(٣) أحكام القرآن (١/٥٧٢).

فتبين أن قول ابن خويزمنداد في هذه المسألة مرجوح.
والله أعلم.
القول الراجح:
المتأمل في هذه الأقوال يجد أنها بمعنى واحد، وهو نفي الحرج والمشقة فالذي ذكره ابن خويز منداد بعض أنواع الإصْر، ولا يمكن قصره عليه فقط.
قال الأزهري(١): "أصل الإصْر: الثقل والشدة(٢)"، وأصَرَ يأصُره أصراً، حبسه.
والإصْر: العهد، والإصرُ الذنب الثقيل(٣).
قال الشوكاني: "الإصْر: العبء الثقيل الذي يأصر صاحبه أي يحبسه مكانه لا يستقل به لثقله، والمراد به هنا - ثم ذكر الأقوال السابقة - ثم قال: وهذا الخلاف يرجع إلى بيان ما هو الإصْر الذي كان على من قبلنا لا إلى معنى الإصْر في لغة العرب فإنه ما تقدم بلا نزاع"(٤).
ولا مانع من أن يكون الخلاف الوارد في تفسير الآية من باب اختلاف التنوع لا التضاد، حيث ذكر كل واحد من المفسرين من الاسم العام بعض أنواعه(٥)، إذ الإصر في اللغة هو الثقل فتدخل التفاسير المذكورة فيه، فالمراد: لا تمتحنا بما يثقل، فالإصْر عام وذلك لأسباب:
١/ أن الآية لم تحدد نوع الإصر.
٢/ أن الإصر في الآية جاء بصيغة نكرة في سياق النهي، والقاعدة: أن النكرة إذا جاءت في سياق النفي أو النهي أو الشرط أو الاستفهام أفادت العموم(٦).
(١) هو: محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الأزهري الهروي، أبو منصور اللغوي الشافعي، كان رأساً في اللغة والفقه، ثقة، ثبتاً، ديناً، امتحن بالأسر لمعارضته القرامطة، مات في ربيع الآخر سنة ٣٧٠هـ، عن ٨٨ سنة، انظر: معجم الأدباء (٥/٢٣٢٣)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (٤/٣٣٤)، وسير أعلام النبلاء (١٦/٣١٥).
(٢) معجم تهذيب اللغة (١/١٦٦) مادة: (أصر).
(٣) انظر: الصحاح للجوهري (٢/٥٠٤) مادة: (أصر).
(٤) فتح القدير (١/٥١٨).
(٥) انظر: مقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: فواز أحمد زمرلي (ص٢٤ وص٣١).
(٦) انظر: قواعد التفسير لخالد السبت (٢/٥٦٠).

إن الآيات المتشابهات هي: ما لم يكن إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج عيسى - عليه السلام -، ونحوه.
قال به: جابر بن عبد الله بن رئاب(١)- رضي الله عنه - والشعبي(٢)، وسفيان الثوري(٣)، ورجحه الطبري(٤).
القول الثاني:
إن الآيات المتشابهات هي: الحروف المقطعة كقوله: (ألم) ونحو ذلك.
قال به: ابن عباس(٥)- رضي الله عنهما -.
ويدخل هذا القول في الذي قبله، وهو أن المتشابه هو ما لم يكن إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه(٦).
القول الثالث:
إن الآيات المتشابهات هي: منسوخه، ومقدمه، ومؤخره، وأمثاله، وأقسامه، وما يؤمن به، ولا يعمل به.
روي هذا القول عن ابن عباس(٧)- رضي الله عنهما -.
القول الرابع:
إن الآيات المتشابهات هي: المنسوخات.
قال به: ابن مسعود(٨)، وابن عباس(٩)- رضي الله عنهم -، وقتادة، والربيع بن أنس، والضحاك(١٠).
القول الخامس:
(١) انظر: النكت والعيون (١/٣٦٩)، وزاد المسير (ص١٥٤). وجابر بن عبد الله هو: بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد الأنصاري السلمي، أحد الستة الذين شهدوا العقبة الأولى، وشهد بدراً وأحداً والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله - ﷺ -، وهو من أول من أسلم من الأنصار قبل العقبة الأولى. انظر: أسد الغابة لابن الأثير (١/٣٠٧)، والإصابة (١/٥٤٥).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٤/١٣).
(٣) انظر: المحرر الوجيز (ص٢٧٤).
(٤) انظر: تفسير الطبري (٤/١٩٩).
(٥) انظر: زاد المسير (ص١٥٤).
(٦) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٤/١٣)، وفتح القدير للشوكاني (١/٥٢٧).
(٧) انظر: فتح القدير للشوكاني (١/٥٢٧).
(٨) انظر: النكت والعيون (١/٣٦٩)، وزاد المسير (ص١٥٤).
(٩) انظر: البحر المحيط لأبي حيان (٢/٦١١)، وتفسير ابن كثير (٢/٧).
(١٠) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٤/١٤)، وفتح القدير للشوكاني (١/٥٢٧).

قال به: قتادة، والربيع، ومحمد بن إسحاق(١)، وهو قول الشافعي(٢).
واختاره: ابن جرير الطبري(٣)، وابن تيمية(٤)، وابن القيم(٥)، وابن حجر(٦).
واستدلوا بالآتي:
١- أن الأمر في قوله تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ للندب، وليس للوجوب فهو كقوله - ﷺ -: "والبكر تستأمر" (٧)، فإنما أراد استطابة نفسها فإنها لو كرهت كان للأب أن يزوجها. قال بهذا الشافعي(٨).
ويجاب عن هذا الاستدلال:
(١) انظر: تفسير الطبري (٦/١٨٩). ومحمد بن إسحاق هو: ابن يسار بن خيار، أبو بكر، وقيل عبد الله القرشي المطلبي مولاهم، المدني، العلامة الحافظ الأخباري، نزيل العراق، صاحب السيرة النبوية، قال عنه الشافعي: " من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق "، وقال عنه الإمام أحمد: " هو حسن الحديث "، وقال الشيخان أحمد ومحمود شاكر: " محمد بن إسحاق بن يسار، ثقة معروف، نكلم فيه بعضهم بغير حجة، وبغير وجه، وهو ثقة لا حجة لمن تكلم فيه "، مات سنة ١٥٠هـ. انظر: تهذيب الكمال (٦/٢٢١)، وسير أعلام النبلاء (٧/٣٣)، وتهذيب التهذيب (٣/٥٠٤)، ورجال تفسير الطبري جرحا وتعديلا من تحقيق جامع البيان عن تأويل آي القرآن لأحمد ومحمود شاكر، جمع: محمد صبحي حلاق (ص٤٧٩).
(٢) انظر: أحكام القرآن، له (٢/١١٩-١٢٠).
(٣) انظر: تفسير الطبري (٦/١٩٠).
(٤) انظر: مجموع الفتاوى (١٦/٣٧).
(٥) انظر: زاد المعاد (٣/٣٠٢).
(٦) انظر: فتح الباري (١٣/٤١٦).
(٧) رواه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، حـ ١٤٢١. موسوعة الحديث الشريف (ص٩١٤).
(٨) انظر: الأم (٧/١٠٠)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٤/٢٤٢)، وزاد المسير لابن الجوزي (ص٢٠٦)، والمنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي (٩/٢٠٨).

١- حديث عن عمر بن الخطاب عن النبي - ﷺ - قال: "إذا وجدتم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه واضربوه"(١).
القول الثاني:
إن الغال يعاقب بالتعزير، ولا يحرق متاعه. فهذه المسألة من باب التعزير والعقوبات المالية الراجعة إلى اجتهاد الأئمة.
قال به: جمهور الفقهاء(٢)، واختاره ابن العربي(٣)، والقرطبي(٤)، ابن القيم(٥)،
واختاره الشنقيطي(٦).
واستدلوا بالآتي:
(١) رواه أحمد في مسنده، عن عمر بن الخطاب(١/٢٢)، وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في عقوبة الغال، حـ ٢٧١٣. موسوعة الحديث الشريف (ص١٤٢٥)، والترمذي في جامعه، كتاب الحدود، باب ما جاء في الغال ما يصنع به؟، حـ ١٤٦١. موسوعة الحديث الشريف (ص١٨٠١)، قال الترمزي :"هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق، وسألت محمداً - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال: "إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة وهو أبو واقد الليثي، وهو منكر الحديث"، قال البخاري في التاريخ الصغير (٢/٩٦) دار المعرفة، عن حديث صالح هذا :"لا يتابع عليه"، وقال :"وعامة أصحابنا يحتجون بهذا في الغلول، وهو باطل ليس بشيء"، وقال ابن عبد البر عن الحديث: "وهو حديث يدور على صالح بن محمد بن زائدة، وهو ضعيف لا يحتج به". انظر: التمهيد (١٠/١٢٨)، وضعفه من المعاصرين: الألباني في ضعيف الجامع (ص١٠٢) برقم: (٧١٧)، وأحمد شاكر في تحقيقه لمسند الإمام أحمد (١/٢٩١).
(٢) انظر: المغني (١٣/١٦٨)، والتمهيد (١٠/١٢٨)، وأضواء البيان للشنقيطي (٢/٣٠٣).......
(٣) انظر: أحكام القران (١/٣٥١).
(٤) انظر: الجامع لأحكام القران (٤/٢٥١).
(٥) انظر: زاد المعاد (٣/١٠٩).
(٦) انظر: أضواء البيان (٢/٣٠٤).

وقد رد بن حجر - رحمه الله - هذا الاستدلال من أبي سلمة، فقال: "حمل الآية على الأول- أي القول الأول - أظهر، وما احتج به أبو سلمة لا حجة فيه، ولا سيما مع ثبوت حديث الباب(١)، فعلى تقدير تسليم أنه لم يكن في عهد رسول الله - ﷺ - رباط فلا يمنع ذلك من الأمر به، والترغيب فيه، ويحتمل أن يكون المراد كلاً من الأمرين، أو ما هو أعم من ذلك"(٢).
القول الراجح:
الذي يظهر - والله أعلم -، أن كلا المعنيين صحيح، وهذا اختيار القرطبي، والخليل بن أحمد(٣)، وجعله ابن حجر وجهاً محتملاً(٤).
قال القرطبي: "المرابطة عند العرب: العقد على الشيء حتى لا ينحل، فيعود إلى ما كان صبر عنه، فيحبس القلب على النية الحسنة، والجسم على فعل الطاعة، من أعظمها وأهمها ارتباط الخيل في سبيل الله، كما نص عليه في التنزيل في قوله: (ومن رباط الخيل) الأنفال: ٦٠... وارتباط النفس على الصلوات، كما قاله النبي - ﷺ -(٥)"(٦). والله أعلم.
المسألة الثانية:
حكم الرباط بالأهل والولد:
(١) يريد بحديث الباب: ما رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب فضل رباط يوم في سبيل الله، عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها.."، حـ ٢٨٩٢. موسوعة الحديث الشريف (ص ٢٣٢).
(٢) فتح الباري (٦/١٠٥).
(٣) انظر: العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (٧/٤٢٣) مادة: (ربط). والخليل بن أحمد هو: ابن عمرو بن تميم الفراهيدي، أبو عبد الرحمن، أحمد أئمة اللغة الأعلام، كان إماماً في علم النحو، وهو الذي استنبط علم العروض وأخرجه إلى الوجود، وكان آية في الذكاء، مات سنة ١٧٠هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (٧/٤٢٩)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (٢/٢٤٤)، وبغية الوعاة للسيوطي (١/٥٥٧).
(٤) سبق عرض قوله.
(٥) سبق تخريجه.
(٥) الجامع لأحكام القرآن (٤/٣١٥).

٤/أن الله صرح بأنه يجب حفظ الفرج عن غير الزوجة والسرية في قوله تعالى: ﴿ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ المؤمنون: ٦. ثم صرح بأن المبتغي وراء ذلك من العادين بقوله: ﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٧) ﴾ المؤمنون : ٧. ومعلوم أن المستمتع بها ليست زوجة وإلا لورثت منه إذا مات، ولا ملك يمين وإلا لما جاز نكاحها له، وحينئذ يكون حراماً، وهو بنكاحها من العادين بنص القرآن(١).
القول الثاني:
إن المراد بالاستمتاع في الآية نكاح المتعة.
قال به : ابن عباس- رضي الله عنهما -، والسدي(٢)، ومجاهد(٣)، وسعيد بن جبير(٤).
ورجحه الشوكاني(٥).
واحتجوا بالآتي:
بقراءة ابن عباس وأبي بن كعب، وهي: ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمى ﴾(٦)وهذا يدل على أن الآية في نكاح المتعة.
وقد أجاب أهل العلم عما احتجوا به بالآتي:
قال الطبري: "وأما ما روي عن أبي بن كعب وابن عباس - رضي الله عنهم - من قراءتهما: ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمى ﴾ فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف
المسلمين، وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله شيئاً لم يأت به الخبر القاطع العذر عمن لا يجوز خلافه"(٧).
وقال الشنقيطي: "والجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:
(١) انظر: أحكام القرآن للجصاص (٢/١٨٦)، ومجموع الفتاوى (٣٢/١٥٧)، وأضواء البيان للشنقيطي (١/٢٥٤).
(٢) انظر: تفسير الطبري (٦/٥٨٨)، والمحرر الوجيز (ص٤٢٢).
(٣) انظر: تفسير مجاهد (١/٥٢).
(٤) انظر: تفسير الطبري (٦/٥٨٨)، والدر المنثور (٢/٢٥٠).
(٥) انظر: فتح القدير (١/٧٢٠).
(٦) هذه القراءة شاذة لمخالفتها للرسم العثماني، وهي ليست من القراءات العشر المتواترة، وقد ذكرها: أبو حيان في البحر المحيط (٣/٣٠٤)، والزمخشري في الكشاف (١/٤٩٨).
(٧) انظر: تفسير الطبري (٦/٥٨٩)، وأحكام القرآن للجصاص (٢/١٨٦).

وأحاديث أخرى كثيرة كلها تدور حول وجوب طاعة ولاة الأمر.
القول الثاني:
إنهم العلماء والفقهاء.
قال به: ابن عباس في رواية، وجابر بن عبدالله - رضي الله عنهم -، ومجاهد، وعطاء، وأبو العالية(١).
القول الثالث:
إنهم الأمراء والعلماء.
رجحه: الجصاص(٢)، وابن العربي(٣)، وابن تيمية(٤)، وابن القيم(٥)، والشوكاني(٦)، وابن سعدي(٧).
القول الراجح:
الراجح هو: القول الثالث، وهو: أن المراد بأولي الأمر الأمراء والعلماء، لأنه لا مانع من أن يكون المراد بأولي الأمر في هذه الآية الفريقين، إذ لا قرينة ظاهرة توجب الاقتصار على أحدهما، والقاعدة: أنه يجب حمل نصوص الوحي على العموم، مالم يرد نص بالتخصيص(٨).
قال ابن العربي: "والصحيح عندي أنهم الأمراء والعلماء جميعاً، أما الأمراء، فلأن أصل الأمر منهم والحكم إليهم، وأما العلماء فلأن سؤالهم و(٣) متعين على الخلق، وجوابهم لازم، وامتثال فتواهم واجب"(٩).
وقال ابن القيم: "الصحيح أنها - أي الآية - متناولة للصنفين جميعاً، فإن العلماء والأمراء، ولاة الأمر الذي بعث الله به رسوله - ﷺ -، فإن العلماء ولاته: حفظاً، وبياناً، وبلاغاً، وذباً عنه، ورداً على من ألحد فيه وزاغ عنه، وقد وكلهم الله بذلك، فقال تعالى: ﴿ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾ الأنعام: ٨٩.
(١) انظر: النكت والعيون (١/٥٠٠)، والدر المنشور (٢/٣١٥).
(٢) انظر: أحكام القرآن، له ( ٢/٢٦٤).
(٣) انظر: أحكام القرآن، له (١/٤٩٦).
(٤) انظر: مجموع الفتاوى (١٨/١٥٨).
(٥) انظر: الضوء المنير على التفسير، جمع: علي الصالحي (٢/٢٣٥).
(٦) انظر: فتح القدير (١/٧٦٨).
(٧) انظر: تفسير السعدي (١/٣١٧).
(٨) انظر: قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (٢/٥٢٧).
(٩) انظر: أحكام القرآن، له (١/٤٩٦).

ويدخل في الاستقسام بالأزلام ما ذكره ابن خويز منداد مما يفعله المنجمون، قال الزجاج بعد أن بين معنى الآية: "ولا فرق بين ذلك وبين قول المنجمين: لا تخرج من أجل نجم كذا، واخرج من أجل طلوع نجم كذا، لأن الله - جل وعز - قال: ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ﴾ لقمان: ٣٤. وروي عن النبي - ﷺ -: (خمس لا يعلمهن إلا الله، وذكر الآية التي في آخر سورة لقمان: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾(١)، وهذا هو دخول في علم الله الذي هو غيب، وهو حرام كالأزلام التي ذكر الله - جل وعز - أنها حرام"(٢).
وقال السمعاني بعدما بين معنى الآية: "ومن ذلك الحكم بالنجوم وضرب الحصى، والطيرة، والكهانة، وكل ذلك منهي عنه"(٣).
فتبين أن قول ابن خويز منداد وافق ما عليه الجمهور.
والله أعلم.
(١) هذا جزء من حديث رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة...)، حـ ٤٧٧٨. موسوعة الحديث الشريف (ص٤٠٥).
(٢) معاني القران وإعرابه (٢/١٤٧).
(٣) تفسير السمعاني (٢/١٠).

ورجحه: ابن خويز منداد، والزمخشري(١)، وابن عطية(٢)، والشوكاني(٣)، والسعدي(٤).
واستدلوا على هذا القول، بالمعنى اللغوي للسحت:
قال الشوكاني: "السحت بضم السين وسكون الحاء: المال الحرام، وأصله الهلاك والشدة، من سحته أهلكه، ومنه: ﴿ فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ ﴾ طه: ٦١" إلى أن قال: "ويقال للحالق" أسحت، أي: أستأصل، وسمي الحرام سحتاً؛ لأنه يسحت الطاعات، أي: يذهبها ويستأصلها"(٥).
القول الراجح:
الذي يترجح عندي مما سبق - والله أعلم -، هو: قول من قال إن السحت هو كل كسب حرام، ويدخل فيه الرشوة دخولاً أولياً، لأن تفسير النصوص بالعموم أولى إذا لم يوجد مخصص صحيح.
قال الشوكاني: "الرشوة تدخل في الحرام دخولاً أولياً، وقد فسره جماعة بنوع من أنواع الحرام خاص، كالهدية لمن يقضى له حاجة، وحلوان الكاهن، والتعميم أولى بالصواب"(٦).
فتبين أن قول ابن خويزمنداد في معنى السحت في الآية هو الصواب.
والله أعلم.
(١) انظر: الكشاف (١/٦٣٤).
(٢) انظر: المحرر الوجيز (ص ٥٤٣-٥٤٤).
(٣) انظر: فتح القدير (٢/٦٠).
(٤) انظر: تفسير السعدي (١/٤٢٠).
(٥) فتح القدير (٢/٦٠).
(٦) المصدر السابق.

ــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويز منداد أن الآية تدل على أن الحاكم إذا ترافع إليه خصمين من أهل الذمة؛ فهو مخير بين أن يحكم، أو يعرض عنهم، وهذه الدلالة ظاهرة، ولم يخالف فيها أحد من أهل العلم(١)، لكنهم اختلفوا في حكم الآية، هل هو ثابت أم منسوخ؟
وهذا ما سأبينه - إن شاء الله - ثم اتبعه بذكر الراجح.
أقوال العلماء في الآية، هل هي منسوخة أم محكمة؟
اختلف أهل العلم في حكم هذه الآية، على النحو التالي:
القول الأول:
إن الآية محكمة، فإذا جاء أهل الكتاب إلى الحاكم المسلم، فهو مخير بين أن يحكم بينهم بكتاب الله، أو يعرض عنهم، وعلى هذا القول فإن معنى قوله تعالى: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ المائدة : ٤٩. أي: إذا تحاكموا إليك واخترت الحكم بينهم؛ فاحكم بينهم بما أنزل الله.
قال به: عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النخعي، والزهري(٢)، وهو مذهب مالك(٣)، والشافعي في أحد قوليه(٤)، وأحمد(٥).
(١) انظر: معاني القرآن للزجاج (٢/١٧٧).
(٢) انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (٢/٢٩٣ - ٢٩٤)، ومعالم التنزيل (٢/٣٩)، ونواسخ القرآن لابن الجوزي (ص٣١٣-٣١٤)، وانظر: زاد المسير (ص ٣٢٣).
(٣) انظر: التمهيد (١٤/١٠)، والجامع لأحكام القرآن (٦/١٧٦)
(٤) انظر: أحكام القرآن للشافعي (٢/٧٣-٧٦).
(٥) انظر: المغني (١٢/٣٨٢).

القول الثاني:
إن المراد بالآية: أن ما ذكر فيها هو من صفات المؤمنين أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
ثم اختلفوا في معنى الركوع في الآية على أقوال:
١- إن معنى الركوع هو الخشوع والخضوع، أي: أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم خاشعون خاضعون ذليلون.
واستندوا في هذا المعنى إلى اللغة، ومنه قول الشاعر:
لا تهين الفقير علك أن تركع يوماً والدهر قد رفعه(١)
قال به: الشوكاني(٢)، والقاسمي(٣)، والسعدي(٤).
وجوزه: الزمخشري(٥)، والألوسي(٦).
٢- وقيل: إن المراد بالركوع صلاة التطوع بالليل والنهار(٧).
روي هذا القول عن ابن عباس(٨)- رضي الله عنهما -.
٣- وقيل: المراد بالركوع الصلاة، أي: عبر بالركوع عن الصلاة، وخص الركوع بالذكر لكونه من أعظم أركان الصلاة(٩).
ذكره ابن عطية عن الجمهور(١٠). وجعله ابن خويز منداد وجها محتملاً.
ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني إذ لا تعارض بينها.
القول الراجح:
الذي ترجح لدى هو: القول الثاني، وهو: أن الآية ذكرت صفات المؤمنين أنهم يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة معتقدين وجوبهما، وهم راكعون خاشعون خاضعون متقربون إلى الله بالصلوات المفروضة وبالنوافل.
(١) قائل هذا البيت هو الأضبط بن قريع. انظر: معجم تهذيب اللغة (٢/١٤٦٢) مادة: (ركع)، وخزانة الأدب لعبد القادر البغدادي (١١/٤٥٠) برقم: (٩٥٤)، وانظر: الوافي بالوفيات (٩/١٧٠).
(٢) انظر: فتح القدير (٢/٧٣).
(٣) انظر: محاسن التأويل (٤/١٧٤).
(٤) انظر: تفسير السعدي (١/٤٢٩).
(٥) انظر: الكشاف (١/٥٥٧).
(٦) انظر: روح المعاني (٣/٣٣٥).
(٧) انظر: معالم التنزيل (٢/٤٧)، وزاد المسير (ص٣٣٠)، والبحر المحيط لأبي حيان (٣/٧٠٥).
(٨) انظر: زاد المسير (ص٣٣٠).
(٩) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٦/٢٠٩)، والبحر المحيط لأبي حيان (٣/٧٠٥).
(١٠) انظر: المحرر الوجيز (ص٥٥٥).

فهذه الآية ومثيلاتها فيها النهي عن موالاة الكفار ومحبتهم، إلا أنه بين في موضع آخر أن محل ذلك فيما إذا لم تكن الموالاة سبب خوف وتقية، فإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور، وهو قوله تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨) ﴾ آل عمران: ٢٨، فهذه الآية، فيها بيان لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقاً، فيرخص في موالاتهم بقدر المداراة، التي يكتفي بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة(١).
المسألة الثانية:
حكم الاستعانة بالكفار:
الذي يظهر من قول ابن خويزمنداد أنه يرى أن الاستعانة بالكفار في الحرب(٢)محرمة مطلقاً، وأنها تدخل في الذم الوارد في هذه الآية والآيات التي ذكرها، إلا أن في المسألة تفصيلاً، وهو كالآتي:
أولاً: إن كانت الاستعانة من المسلمين بالكافرين على المسلمين، فهذه هي الموالاة المحرمة، بل هي ردة عن الإسلام كما دلت على ذلك النصوص المتوافرة، كما في قوله تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨) ﴾ آل عمران: ٢٨.
(١) انظر: أضواء البيان (٢/٨٦)، وانظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية (٨/١٢٣).
(٢) هناك الاستعانة بهم بغير الحرب، إلا أن هذا ليس مراداً هنا بقرينة قوله: (تضمنت المنع من التأييد والانتصار بالمشركين، ونحو ذلك) لذلك خصصته بالحرب دون غيره.

ونقل ابن حجر عن السبكي(١)أنه قال: "أما إنفاق المال في الملاذ المباحة، فهو موضع الاختلاف، فظاهر قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ (#qèùجچَ،ç"... ﴾ الآية، أن الزائد الذي لا يليق بحال المنفق إسراف، ومن بذل مالاً كثيراً في غرض يسير تافه عده العقلاء مضيعاً، بخلاف عكسه، والله أعلم"(٢).
وغيرها من الآيات.
وأما السنة فجاءت فيها أحاديث كثيرة تنهى عن الإسراف والتبذير وإضاعة المال، أشير إلى بعضها:
فمنها: ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "كلوا، وتصدقوا، والبسوا، في غير إسراف ولا مخيلة(٣)"(٤).
(١) هو: تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي، ولي القضاء في دمشق سنة ٧٣٩هـ، كان إماماً بارعاً في سائر العلوم، وله تصانيف، منها: الابتهاج في شرح المنهاج في الفقه للنووي، توفى سنة ٧٥٦هـ. انظر: البداية والنهاية (١٤/٦٠٦)، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي (١١/١٠٨).
(٢) انظر: فتح الباري (١٠/٥٠٢).
(٣) الخُيلاء والخِيلاء بضم الخاء وكسرها: الكبر والعجب، يقال: اختال فهو مختال، وفيه خيلاء، ومخيلة
أي: كبر. انظر: النهاية لابن الأثير (ص٢٩٢) مادة :(خيل).
(٤) رواه النسائي في سننه، كتاب الزكاة. باب الاختيال في الصدقة، حـ ٢٥٦٠. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٢٥٣)، وابن ماجة في سننه، كتاب اللباس، باب البس ما شئت ما أخطأك سرف أو مخيلة، حـ ٣٦٠٥. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٦٩٣)، وذكره البخاري في صحيحه معلقاً مجزوماً به، في كتاب اللباس، في ترجمة باب قوله تعالى: (قل من حرم زينة الله... ). موسوعة الحديث الشريف (ص٤٩٤)، وحسنه الألباني في صحيح سنن النسائي (٢/٢١٥) برقم: (٢٥٥٨).

حديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - لما قيل له: يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية: عَلَيْكُمْ ﴿ أَنْفُسَكُمْ ﴾ ؟ قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله - ﷺ - فقال: "بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم أجر خمسين رجل يعملون مثل عمله"(١).
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: "بينما نحن حول رسول الله - ﷺ - إذ ذكر الفتنة، فقال: (إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا، شبك بين أصابعه"، قال: فقمت إليه، فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: "الزم بيتك، وأملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة"(٢).
(١) رواه أبو داود في سننه، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، حـ ٤٣٤١. موسوعة الحديث الشريف (ص ١٥٣٩)، والترمزي في جامعه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المائدة حـ ٣٠٥٨. موسوعة الحديث الشريف(ص١٩٦٠)، وابن ماجة في سننه، كتاب الفتن، باب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم)، موسوعة الحديث الشريف (ص ٢٧١٨)، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجة برقم: (٤٠٨٦) (ص ٣٢٦).
(٢) تقدم تخريجه قريباً.

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "لا تجالس أهل الأهواء، فإن مجالستهم ممرضة للقلب"(١).
وقال أبو قلابة: " لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في
ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم كثيراً مما تعرفون"(٢).
وقال الحسن البصري: "لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم"(٣).
وقال البغوي: "فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلاً يتعاطى شيئاً من الأهواء والبدع، معتقدا أو يتهاون بشيء من السنة، أن يهجره، ويتبرأ منه، ويتركه حياً وميتاً، فلا يسلم عليه إذا لقيه، ولا يجيبه إذا ابتدأ، إلى أن يترك بدعته، ويراجع الحق... فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة إلى أن يتوبوا"(٤).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:" فالمقصود أن يهجر المسلم السيئات، ويهجر قرناء السوء
الذين تضر صحبتهم، إلا لحاجة أو مصلحة راجحة"(٥).
فهذه بعض من الآثار التي وردت عن السلف في هذه المسألة.
(١) انظر: الإبانة لابن بطة (٢/٤٣٨)، والشريعة للآجري (ص٦٧).
(٢) انظر: السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل (ص٢٤)، والشريعة للآجري (ص٦١).
(٣) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (١/١٥٠).......
(٤) شرح السنة (١/٢٢٤).
(٥) مجموع الفتاوى (٢٨/٢١٦).

٢- أن المقصود من سياق هذه الآية الكريمة؛ الرد على المشركين الذين ابتدعوا ما ابتدعوا من تحريم المحرمات على أنفسهم بآرائهم الفاسدة، من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك، فأمر الله رسوله - ﷺ - أن يخبرهم أنه لا يجد فيما أوحاه الله إليه أن ذلك محرم، وإنماحرم ما ذكر في هذه الآية وما عدا ذلك فلم يحرم، وإنما هو عفو مسكوت عنه فكيف تزعمون أيها المشركون أنه حرام؟‍! ومن أين حرمتموه ولم يحرمه الله؟! وليس في الآية دليل على ألا حرام على آكل أو شارب إلا ما ذكر فيها، وإنما تدل على أن النبي - ﷺ - لم يجد فيما أوحي إليه شيئاً محرماً منصوصاً عليه إلا ما ذكر فيها، وليس ذلك بمانع أن يحرم الله في كتابه أو على لسان رسوله - ﷺ - بعد ذلك أشياء سوى ما في هذه الآية(١).
٣- قال ابن حجر: "الاستدلال بالآية للحل إنما يتم فيما لم يأت فيه نص عن النبي - ﷺ - بتحريمه، وقد تواردت الأخبار بذلك، والتنصيص على التحريم مقدم على عموم التحليل، وعلى القياس"(٢).
(١) انظر: التمهيد (١٠/٣٥١)، وتفسير ابن كثير (٣/٣٥٤)، وفتح الباري (٩/٨١٣).
(٢) فتح الباري (٩/٨١١) بتصرف بسيط جداً.

قال به: عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وابن عباس، وجابر، وأبو هريرة وجمهور الصحابة(١) - رضي الله عنهم-، ومالك، وعكرمة، والسدي، الشعبي(٢)، والشافعي(٣)
والطبري(٤)، والجصاص(٥)، وابن خويز منداد، والزمخشري(٦)، وابن عطية(٧) وابن العربي(٨)، وابن عبد البر(٩)، والقرطبي(١٠)، والنسفي(١١)، والآلوسي(١٢)، والشوكاني(١٣) والشنقيطي(١٤)، وغيرهم.
قال ابن عبد البر: " فجمهورهم على ما قال ابن عمر - رضي الله عنهما - وعليه جماعة فقهاء الأمصار ولا أعلم مخالفاً فيما فسر به ابن عمر-رضي الله عنهما- الكنز المذكور إلا شيء يروى عن علي بن أبي طالب، وأبي ذر-رضي الله عنهما- والضحاك"(١٥).
ومما استدلوا به:
(١) ٥ ) انظر: الدر المنثور (٣/٤١٧-٤١٩)، وحكاه عن الجمهور ابن عبد البر في الاستذكار (٩/١٢٢) وابن عطية في المحرر الوجيز (ص ٤٨)، وابن الجوزي في زاد المسير (ص٥١٣).
(٢) انظر: النكت والعيون (٢/٣٥٧)، ومعاني القرآن للنحاس (٣/٢٠٤)، والمحرر الوجيز (ص٨٤١)، وأضواء البيان (٢/٣٢٢)، وانظر : المغني (٤/٢٠٨).
(٣) انظر : أحكام القران للشافعي (١/١٠١).
(٤) انظر: تفسير الطبري (١١/٤٣٠).
(٥) انظر: أحكام القران له (٣/١٣٦).
(٦) انظر: الكشاف (٢/٢٦٨).
(٧) انظر: المحرر الوجيز (ص ٨٤١).
(٨) ٥ انظر: أحكام القرآن، له (٢/٣٩٩).
(٩) انظر: الاستذكار (٩/ ١٢٢-١٢٦).
(١٠) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٨/١١٤).
(١١) انظر: مدارك التنزيل (ص ٤٣٤).
(١٢) انظر: روح المعاني (٥/٢٧٩).
(١٣) ١٠) انظر: فتح القدير (٢/٥٠٩).
(١٤) ١١) انظر: أضواء البيان (١/٥١٣).
(١٥) ١٢) الاستذكار (٩/١٢٢).

٢- أن النبي - ﷺ - سوَّى في المغانم بين الجنس الواحد، فأعطى الراجل سهماً واحداً، وأعطى الفارس ثلاثة أسهم، كما ثبت في الصحيحين(١)، فقسم لمن حضر الواقعة من الأربعة الأخماس على العدد، ومنهم من تكون الفتوح على يديه ويبلي
البلاء الحسن، ومنهم من يكون محضره إما غير نافع، وإما ضرر بالجبن والهزيمة، ومع هذا إنما أعطاهم بالحضور، وسوّى بين الفرسان فيما بينهم، والرجالة فيما بينهم، وهم يتفاضلون(٢).
القول الثاني:
ذهبوا إلى القول بالتفضيل في العطاء بالسابقة في الإسلام، والفضائل الدينية.
قال به: عمر بن الخطاب(٣)، وعثمان(٤)- رضي الله عنهما -، وهو مذهب أبي حنيفة(٥)، وأحمد في رواية(٦). وهو الظاهر من قول ابن خويز منداد.
وأجاب أصحاب هذا القول على حجة القائلين بالتسوية في قسم المواريث بأنه إنما استحقها أهلها بسبب لا بعمل(٧).
القول الراجح:
(١) رواه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، حـ ٤٢٢٨. موسوعة الحديث الشريف (ص٣٤٦)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين، حـ ٧٦٢. موسوعة الحديث الشريف (ص ٩٩٠).
(٢) انظر: الأم (٤/١٦٣)، ومنهاج السنة (٦/١٠٢).
(٣) رواه البيهقي عنه في السنن الكبرى، كتاب قسم الفيء، باب التسوية بين الناس في القسمة (٦/٣٤٨)
(٤) انظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلي (ص٢٣٨)، والمغني (٩/٣٠٠).
(٥) لم أقف على قوله في كتب المذهب، ولكن وجدت من نسبه إليه كأبي يعلي في الأحكام السلطانية (ص٢٣٨)، وابن قدامة في المغني (٩/٣٠١)، وابن تيمية في منهاج السنة (٦/١٠٣).
(٦) انظر: المغني (٩/٣٠٠).
(٧) انظر: منهاج السنة (٦/١٠٢).

الثانية: معنى القيافة، وهل يعتبر قول القائف في إثبات النسب ؟
المسألة الأولى:
أقوال المفسرين في معنى (ولا تقف ما ليس لك به علم):
اختلف المفسرون في المراد بها على أقوال هي:
القول الأول:
إن المراد: لا تقل ما ليس لك به علم، فلا تقل رأيت، ولم تر، ولا سمعت ولم تسمع، ولا علمت ولم تعلم، ومن ذلك شهادة الزور(١).
قال به: ابن عباس -رضي الله عنهما- من طريق علي بن أبي طلحة(٢)، وقتادة(٣)، والبخاري(٤)، والزجاج(٥)٥). واختاره: الطبري(٦)٦)، وابن كثير(٧)٧)، والنسفي(٨)٨).
القول الثاني:
إن المراد بقوله: (ولا تقف) أي: لا تتبع، وهو من القيافة، أي: اتباع الأثر، فالمعنى: لا تتبع لسانك ما لم تعلمه فتتكلم بالحدس والظن(٩)٩).
قال به: محمد بن الحنفية(١٠)
(١) انظر: تفسير الطبري (١٤/٥٩٤).
(٢) انظر: المصدر السابق في المكان نفسه، وتفسير ابن كثير (٥/٧٥)، والدر المنثور (٤/٣٢٩).
(٣) انظر: النكت والعيون (٣/٢٤٣)، وزاد المسير (ص٧٤٣).
(٤) انظر: صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب في ذم الرأي وتكلف القياس، حـ٧٠٣٧. موسوعة الحديث الشريف (ص٦٠٩).
(٥) انظر: معاني القرآن وإعرابه (٣/٢٣٩).
(٦) انظر: تفسير الطبري (١٤/٥٩٥).
(٧) انظر: تفسير ابن كثير (٥/٧٥).
(٨) انظر: مدارك التنزيل للنسفي (ص٦٢٣).
(٩) انظر: معاني القرآن للنحاس (٤/١٥٦)، وتفسير السمعاني (٣/٢٤١).
(١٠) ١٠) انظر: الكشاف (٢/٦٦٦) وأحكام القرآن لابن العربي (٣/١٥٤)، ومدارك التنزيل(ص٦٢٣).
ومحمد بن الحنفية هو: بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، المشهور بابن الحنفية، يكني أبا القاسم، أمه خولة بنت جعفر بن قيس من بني حنيفة، غلت فيه الشيعة حتى ادعت إمامته، مات في ولاية عبدالملك بن مروان سنة ٨١هـ عن ٦٥سنة. انظر: طبقات ابن سعد (٥/٩١)، وصفة الصفوة لابن الجوزي (٢/٧٧-٧٩)، وتاريخ مدينة دمشق لعلي بن الحسن بن هبة الله الشافعي (١٣/٣٧٧)، وسمط النجوم العوالي لعبد الملك العاصمي المكي (٤/١٥١).

قال به: الحسن(١)، وابن عاشور(٢).
ونوقش هذا القول بالآتي:
١- أن الذقن ليس من أعضاء السجود فأعضاء السجود سبعة، وهي: الجبهة مع الأنف، واليدان، والركبتان، والقدمان، لما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال النبي - ﷺ -: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة - وأشار بيده على أنفه -، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين)(٣).
قال الترمذي: "وعليه العمل عند أهل العلم"(٤).
٢- أن تمكين الوجه كله من الأرض متعذر فإما أن يسجد على جبهته فيرتفع الذقن أو العكس، قال ابن تيمية:
"والجمع بينهما متعذر أو متعسر لأن الأنف بينهما، وهو ناتئ يمنع إلصاقهما معاً
بالأرض في حال واحدة، فالساجد يخر على ذقنه ويسجد على جبهته"(٥).
القول الراجح:
القول الراجح أن الآية يجوز فيها القول الأول والثاني، أي قول من قال إن المراد بالأذقان الوجوه لكن عبر بالبعض عن الكل، وقول من قال أن المراد بالأذقان اللحى، وخصت بالذكر لأنها أول ما يلي الأرض من الوجه عند السجود، والقولان محتملان في اللغة، أما القول الثالث وهو: أن المراد بالآية ظاهرها فإنه ضعيف، للحديث الوارد، ولما ورد عليه من مناقشة.
فتبين بعد الدراسة أن قول ابن خويز في الآية هو أحد الأقوال الصحيحة فيها.
والله أعلم.
(١) انظر: تفسير الحسن البصري (٢/٩٧).
(٢) انظر: التحرير والتنوير (٧/٢٣٤).
(٣) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب السجود على الأنف، حـ ٨١٢. موسوعة الحديث الشريف (ص٦٤)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود، حـ ٤٩٠. موسوعة الحديث الشريف (ص٧٥٥).
(٤) جامع الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في السجود على سبعة أعضاء، حـ ٢٧٢. موسوعة الحديث الشريف (ص١٦٦٥).
(٥) مجموع الفتاوى (٢٣/١٤٣).

وبحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " إن الله تعالى يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهم "(١)٢).
المسألة الثالثة:
دلالة الآية على جواز أكل الرفقاء وخلطهم طعامهم معاً.
استدل ابن خويز منداد بهذه الآية على جواز خلط الرفقاء طعامهم معاً، وإن كان بعضهم أكثر أكلاً من الآخر، ومما يدل على جواز ذلك:
قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ البقرة: ٢٢٠.
قال الجصاص: " أباح لهم أن يخلطوا طعام اليتيم بطعامهم فيأكلوه جميعاً "(٢)١).
وقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ﴾ النور: ٦١.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية أنها تدل على إباحة الأكل جميعاً وإن اختلفت أحوالهم في الأكل(٣)٢).
وقال ابن العربي:" يجوز للرجل أن يأكل مع الآخر وللجماعة، وإن كان أكلهم لا ينضبط فقد يأكل الرجل قليلاً والآخر كثيراً، وقد يأكل البصير أكثر مما يأكل الأعمى، فنفى الله الحرج في ذلك وأباح للجميع الاشتراك في الأكل على المعهود مالم يكن قصداً إلى الزيادة على ما روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما- أن النبي - ﷺ - نهى عن القران في التمر إلا أن يستأذن الرجل أخاه(٤)٣)"(٥)٤).
(١) رواه أبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب في الشركة، حـ ٣٣٨٣. موسوعة الحديث الشريف (ص ٢٧٤)
برقم: (٣٣٨٣).
(٢) أحكام القرآن، له (٣/٤٣٤).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (١٢/٢٩٠)
(٤) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الشركة، باب القران في التمر بين الشركاء حتى يستأذن أصحابه، حـ٢٤٨٩-٢٤٩٠، موسوعة الحديث الشريف (١٩٦)، ومسلم في صحيحه، كتاب الأشربة، باب نهي الآكل مع جماعة عن قران تمرتين ونحوهما في لقمة إلا بإذن أصحابه، حـ٢٠٤٥. موسوعة الحديث الشريف (١٠٤٣).
(٥) أحكام القرآن (٣/٣٢٠).

٢- أن يصالحهم على أن الدار للمسلمين ويؤدون الجزية إلينا، فالحكم في البيع والكنائس على ما يقع عليه الصلح معهم من تبقية وإحداث وعمارة(١).
المسألة الثانية:
حكم الصلاة في الكنائس ونحوها:
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
إنه تكره الصلاة في الكنائس ومعابد الكفار إذا دخلها مختاراً، أما إذا دخلها مضطراً فلا كراهة.
قال بهذا: جمهور العلماء(٢)، ومنهم ابن خويز منداد.
واحتجوا: بأنها من مواطن الكفر والشرك، فهي أولى بالكراهة من الحمام والمقبرة والمزبلة، وأنها بيوت أعداء الله، ولا يتعبد الله في بيوت أعدائه(٣).
القول الثاني:
إن الصلاة تصح في الكنائس بلا كراهة.
قال بهذا: الإمام أحمد في رواية(٤)، وعمر بن عبد العزيز، والشعبي، والأوزاعي(٥).
واحتجوا بالآتي:
١- بأن الصحابة صلوا فيها، وهي طاهرة، وهي ملك من أملاك المسلمين، ولا يضر المصلي شرك المشرك فيها، فذلك شرك فيها والمسلم موحد، فله غنمه وعلى المشرك غرمه.
(١) وفي المسألة تفصيلات أخرى ليس المقام يسع لذكرها، وللاستزادة ينظر: بدائع الصنائع للكاساني (٧/١١٤)، ونهاية المحتاج للرملي (٨/٩٨-٩٩)، ومواهب الجليل للخطاب (٣/٣٨٤-٣٨٥)، والفروع لابن مفلح (٦/٢٧٣)، والمغني (١٣/٢٣٩)، وأحكام القرآن للجصاص (٣/٣٢٠)، ومجموع الفتاوى(٢٨/٦٣٢-٦٣٩) ومسألة في الكنائس لابن تيمية، تحقيق: د. علي عبد العزيز الشبل، وأحكام أهل الذمة (ص٤٦١-٤٧٠).
(٢) حكاه عن الجمهور: ابن عابدين في حاشية (١/٣٧٩)، والدسوقي في حاشية (١/١٨٩)، والنووي في المجموع شرح المهذب (٣/١٦٥)، والعبدري في التاج والإكليل لمختصر خليل (٢/٦٤).
(٣) انظر: المصادر السابقة.
(٤) انظر: كشاف القناع للبهوتي (١/٢٩٣).
(٥) انظر: المغني لابن (٢/٤٧٨).

روى علي بن أبي طلحة(١)عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عيناً واحدة"(٢).
وقال الشنقيطي: "قال غير واحد من أهل العلم، إن معنى: ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ أنهن يسترن بها جميع وجوههن، ولا يظهر منهن شيء إلا عيناً واحدة تبصر بها"(٣).
٢- وقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ الأحزاب: ٥٣.
قال ابن جرير الطبري: "يقول - تعالى -: وإذا سألتم أزواج رسول الله
(١) علي بن أبي طلحة هو: سالم بن المخارق الهاشمي، يكنى أبا الحسن، وقيل: غير ذلك، أصله من الجزيرة، وانتقل إلى حمص، مات سنة ١٤٣ هـ. انظر: تهذيب الكمال للمزي (٥/٢٦٢)، وتهذيب التهذيب لابن حجر (٣/١٧١). ونقل البخاري من تفسيره رواية معاوية بن صالح عنه عن ابن عباس شيئاً كثيراً، وقد روى أبو جعفر النحاس بسنده في كتابه إعراب القرآن عن الإمام أحمد انه قال عن هذه الرواية: "بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة، لو رحل فيها رجل إلى مصر قاصداً ما كان كثير" (٣/١٠٤)، قال ابن حجر: "وهذه النسخة كانت عند أبي صالح، كاتب الليث، رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس- رضي الله عنهما - وهي عند البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيراً على ما بيناه في أماكنه، وهي عند الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح". فتح الباري (٨/٥٥٧).
(٢) انظر: تفسير ابن كثير (٦/٤٨١).
(٣) أضواء البيان (٦/٣٨٤).

ما رأيت ذلك من النبي - ﷺ - ولا رآه مني)(١).
ثالثاً: وبحديث: (إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجردا تجرد العَيْرين(٢)(٣).
(١) رواه ابن ماجة في سننه، كتاب النكاح، باب التستر عند الجماع، حـ ١٩٢٢. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٥٩٢)، وضعفه البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة (١/٣٣٧) برقم: (٦٩٠) دار الجنان، والألباني في السلسلة الضعيفة (٣/٣٧٣) في ثنايا تخريج حديث: رقم: (١٢٢٩). وانظر: الإرواء (٦/٢١٣) برقم: (١٨١٢).
(٢) العَيْر: بفتح العين وسكون الياء هو: الحمار وحشياً كان أو أهلياً، وشبههما به تنفيراً عن تلك الحالة. انظر: النهاية لابن الأثير (ص٦٥٣) مادة: (عير)، والعناية شرح الهداية للبابرتي (١٠/٣١)، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي (٣/٤٦)، ومطالب أُلي النهى للرحيباني (٥/٢٦٩).
(٣) رواه ابن ماجة في سننه، كتاب النكاح، باب التستر عند الجماع، حـ ١٩٢١. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٥٩٢)، وضعفه البوصيري، في مصباح الزجاجة (١/٣٣٧) برقم: (٦٨٩). والألباني في الإرواء (٧/٧١) برقم: (٢٠٠٩)، وقال في آداب الزفاف(ص٣٤):"في سنده الأحوص بن حكيم، وهو ضعيف، وبه أعله البوصيري، وفيه علة أخرى وهي: ضعف الراوي عنه الوليد بن القاسم الهمداني ضعفه ابن معين وغيره، وقال ابن حبان:"انفرد عن الثقات بما لا يشبه حديثهم فخرج عن حد الاحتجاج به"ا. هـ".

ويمكن مناقشة هذا القول بالآتي:
١- أن استعمال الكتابة في المخارجة، ليس بمشهور حتى يحتاج إلى الاحتراز منه، فلا يمنع وقوع الحرية كسائر الألفاظ الصريحة.
٢- أن اللفظ المحتمل ينصرف بالقرائن إلى أحد محتمليه، كلفظ التدبير فإنه يحتمل التدبير(١)في معاشه، أو غير ذلك، وهو صريح في الحرية(٢).
القول الراجح:
الراجح هو قول الجمهور، وهو: أن المكاتبة تنعقد، ولا تفتقر إلى لفظ العتق ولا نيته. لقوة ما احتجوا به.
فتبين أن قول ابن خويزمنداد موافق لقول الجمهور، وهو الراجح.
الله أعلم.
(١) التدبير هو: تعليق عتق العبد بالموت، والوفاة دُبُرُ الحياة يقال: دابر الرجل، ويدابر مدابرة إذا مات، فسمي العتق
بعد الموت تدبيراً؛ لأنه إعتاق في دبر الحياة. انظر: المغني (١٤/٤١٢).
(٢) انظر: المغني (١٤/٤٥٢)، ومطالب أولي النهي (٤/٧٣٤).

إلا أن النووي قال: "الوجه تنفيذ قضاء كل من ولاه سلطان ذو شوكة، وإن كان جاهلا أو فاسقا لئلا تتعطل مصالح الناس"(١).
ثانياً: ألا يعلم عداؤه من المدعي أو المدعى عليه، وذلك في قوله: (أو عداؤه من المدعي، والمدعى عليه)، أي: ألا يكون بين القاضي وبين أحد الخصوم عداوة، فإن علم أن بين
القاضي وأحد الخصمين عداوة فلا يحكم في القضية.
وهذا محل إجماع بين أهل العلم(٢).
فتبين أن ابن خويزمنداد وافق الإجماع في هذه المسألة، إلا أنه اشترط في الحاكم العدالة لتجب إجابته، ولم أجد من ذكره غيره، وإنما ذكروا العدالة في تعيين القاضي، فالجمهور على أنه لا يجوز تعيين الفاسق، و الأحناف على أنه يجوز(٣).
.............................. والله أعلم.
(١) منهاج الطالبين (١١/٩٧).
(٢) انظر: الإنصاف للمرداوي (١١/٢١٧)، ومواهب الجليل للحطاب (٦/١٣٤)، وحاشية الدسوقي (٤/١٥٤).
(٣) انظر: حاشية ابن عابدين (٥/٣٥٦)، والمنتقى شرح الموطأ لسليمان الباجي(٥/١٨٣-١٨٤)، وتحفة المحتاج في شرح المنهاج لابن حجر الهيتمي (١٠/١١٣-١١٤)، والمغني (١٤/١٣).

زاد مسلم في رواية: " انطلق فقد زوجتكها، فعلمها من القرآن ".
ومما استدلوا به:
الآية التي معنا، والحديث الآنف الذكر، وبالآتي:
إنها منفعة يجوز العوض عنها في الإجارة فجازت صداقاً كمنفعة العبد(١).
القول الثاني:
إنه لا يصح عقد النكاح على الإجارة.
قالوا: يجوز أن يتزوجها بأن يخدمها عبده سنة أو يسكنها داره سنة لأن العبد والدار مال، وليس خدمتها بنفسه مالاً، لأن منافع الحر ليست بمال.
قال به: أبو حنيفه(٢)، وبعض المالكية(٣)، وقال به من المفسرين: الرازي(٤)، والزمخشري(٥).
وقد أجيب عن قولهم بالآتي:
قال ابن قدامة: " قولهم إنها - أي الإجارة، أو منافع الحر- ليس مالاً ممنوع فإنها تجوز المعاوضة عنها وبها، ثم إن لم تكن مالاً فقد أجريت مجرى المال في هذا فكذلك في النكاح"(٦).
وقال ابن العربي: " وهذا - أي القول بأن منافع الحر ليست مالاً- باطل فإن منافع الحر مال بدليل جواز بيعها بالمال، ولو لم تكن مالاً ما جاز أخذ العوض عنه مالاً، لأنه يدخل في أكل المال بالباطل بغير عوض، والصداق بالمنافع إنما جاءت في هذه الآية - أي آية القصص التي معنا - وفي الحديث، فمنافع الأحرار ومنافع العبيد محمولة عليه، فكيف يسقط الأصل ويحمل الفرع على أصل ساقط ؟ "(٧).
القول الراجح:
الراجح هو القول الأول وهو صحة العقد في النكاح على الإجارة لدلالة ظاهر الآية
عليه، ولأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يبطله، وللحديث الذي استدل به أصحاب القول الأول.
(١) انظر: المغني (١٠/ ١٠١).
(٢) انظر: بدائع الصنائع للكسائي (٢/٢٣٠)، والعناية شرح الهداية لمحمد البابرتي (٣/ ١٩٦)، وفتح القدير لابن الهمام (٣/١٩٦).
(٣) انظر: أحكام القرآن لابن العربي (٣/ ٣٨٤).
(٤) انظر: التفسير الكبير (١٠/٣٨-٣٩)و(٢٤/٢٠٧).
(٥) انظر: الكشاف (٣/ ٤٠٤).
(٦) المغني (١٠ /١٠٢).
(٧) أحكام القرآن (٣/٣٨٥).

وكنا إذا الجبار صعَّر خده أقمنا له من ميله فتقوما(١)
فيقال للمتكبر: فيه صعر(٢).
٢- أن تفسير الصعر بالكبر أوفق لما بعد هذه الآية، حيث قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨) ﴾ لقمان: ١٨، فذكر الاختيال والفخر بعده؛ دل على أن المراد به: الكبر(٣).
٣- أن هذا القول قال به حَبْر الأمة وترجمان القرآن، وقال به أيضا كثير من التابعين، ولاشك أن تفسير الصحابي مقدم على تفسير غيره، لأن الصحابي أعلم بتأويل القرآن(٤).
فتبين أن القول الذي أورده ابن خويز منداد مرجوح.
والله أعلم.
(١) انظر: ديوان المتلمس الضبعي، رواية الأثرم وأبي عبيدة عن الأصمعي (ص٢٤) تحقيق: حسن الصيرفي.
(٢) انظر: تفسير الطبري (١٨/٥٥٩)، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (٤/١٩٨)، ولسان العرب (٤/٤٥٦) مادة :(صعر)، وفتح القدير للشوكاني (٤/٣١٤).
(٣) انظر: المحرر الوجيز (ص١٤٨٧)، وروح المعاني (١١/٨٩).
(٤) انظر: هذا المبحث في كتاب قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (١/٢٧١).

إن المراد بالركوع: الركوع على حقيقته. وانقسم القائلون بهذا إلى قسمين:
القسم الأول: منهم من قال: إن المراد به الركوع، وأن داود ركع فقط.
قالوا: ولم يكن في بني إسرائيل سجود على الأرض، وكان لهم الركوع، وقوله: (خر) فيه تنبيه على شدة الانحناء حتى قارب الخرور.
اختار هذا القول: ابن عاشور(١)٢).
وبهذه الآية استشهد من قال أن الركوع يقوم مقام السجود كأبي حنيفة(٢)٣)، والخطابي من الشافعية(٣)٤)، والنسفي(٤)٥).
القسم الثاني: قالوا أن المراد أنه خر إلى السجود بعد أن كان راكعاً، فقوله: (وخر) بمعنى سجد. قالوا: لأنه لا يكون ساجداً حتى يركع.
(١) التحرير والتنوير (١١/٢٤٠).
(٢) انظر: بدائع الصنائع للكاساني (١/١٨٩)، وانظر: الكشاف (٣/٣٧١)، والتفسير الكبير للرازي (٢٥/١٩٨).
(٣) انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج لابن حجر الهيثمي (٢/٢٠٤).
والخطابي هو: حَمْد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب، أبو سليمان الخطابي البستي، كان ثقة ثبتاً من أوعية العلم، صاحب التصانيف منها: (معالم السنن) شرح فيه سنن أبي داود، و(شرح الأسماء الحسنى)، (والغنية عن الكلام وأهله)، مات في ربيع الآخر سنة ٣٨٨هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (١٧/٢٣)، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي (٢/٢٨٢)، وطبقات الحفاظ للسيوطي (١/٤٠٤).
(٤) انظر: مدارك التنزيل للنسفي (ص١٠١٩).

٢)، أي: ائتوني بعلم من قبل هذا الخط الذي تخطونه في الرمل يدل على صحة مذهبكم في عبادة الأصنام(١)١). روي هذا القول عن النبي - ﷺ -كما في حديث: " ﴿ أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ﴾ قال: الخط"(٢)٢). وروي عن ابن عباس(٣)٣)، وابن مسعود(٤)٤).
القول الثاني:
إن المراد به: أو بقية من علم يؤثر عن الأولين.
(١) انظر: التفسير الكبير للرازي (٢٧/٥).
(٢) رواه أحمد في مسنده عن ابن عباس (١/٢٢٦)، قال الهيتمي في مجمع الزوائد (١/٢٣٣): "رواه أحمد والطبراني في الأوسط إلا أنه قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن الخط فقال: "هو أثارة من علم" ورجال أحمد رجال الصحيح" ورواه الحاكم في مستدركه (٢/٤٩٣) برقم: (٣٦٩٤) وقال الأرنؤوط في تحقيقه لمسند الإمام أحمد (٣/٤٤٩) برقم: (١٩٩٢): "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
(٣) انظر: تفسير الطبري (٢١/١١٣). والجامع لأحكام القرآن (١٦/١٥٤).
(٤) انظر: المحرر الوجيز لابن عطية (ص١٧٠٦).

وأبا هريرة(١)، وبذي الشمالين(٢)، وبذي اليدين(٣)، في أشباه ذلك"(٤).
ـــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويزمنداد في كلامه حول الآية مسألتين، هما:
أولاً: حكم تلقيب الإنسان بما يكره.
ثانياً: حكم تلقيبه بما يحب.
لذلك فسأدرس قوله من خلال المسائل التالية:
الأولى: أقوال المفسرين في معنى: (ولا تنابزوا بالألقاب).
(١) أبو هريرة اختلف في اسمه في الجاهلية والإسلام، واسم أبيه، على أقوال متعددة، والأشهر أن اسمه: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وهو من الأزد، روي عنه أنه قال: "وجدت هريرة وحشية فأخذت أولادها، فقال لي أبي: ما هذه في حجرك؟ فأخبرته، فقال: " أنت أبو هريرة". وثبت في صحيح البخاري أن النبي - ﷺ - كان يناديه بذلك، من ذلك: (أين كنت يا أبا هريرة؟) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الغسل، باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره، حـ ٢٨٥. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٥). انظر: تهذيب الكمال (٨/٤٤٧)، والإصابة (٧/٣٤٨)، والبداية والنهاية (٨/٤٩٨).
(٢) ذو الشمالين هو: عمير بن عمرو بن نضلة الخزاعي، شهد بدراً واستشهد بها، قتله أسامة الجشمي، قيل أنه هو نفسه ذو اليدين، والصواب أنه غيره، لأن ذا الشمالين قتل في بدر، أما ذا اليدين فعاش حتى عهد التابعين. انظر: أسد الغابة لابن الأثير (٢/١٧٤)، والإصابة (٢/٣٤٥)، وفتح الباري (٣/١٢٦).
(٣) ذو اليدين هو: الخرباق من بني سلمة، وقد سماه النبي - ﷺ - بذلك، كما في حديث: (صدق ذو اليدين). رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ما يجوز من ذكر الناس، نحو قولهم: الطويل، القصير، حـ ٦٠٥١. موسوعة الحديث الشريف (ص٥١١)، وسمي بذلك لأنه كان يعمل بيديه جميعاً، عاش حتى روى عنه المتأخرين من التابعين. انظر: طبقات ابن سعد (٣/١٦٧)، وأسد الغابة لابن الأثير (٢/١٧٩)، والإصابة (٢/٣٥٠).
(٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٦/٣٢٩).

"إن الله تعالى يقول: أنا ثالث الشريكين مالم يخن أحدهما صاحبه...".............. ٣٠٠
"إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً وهات، ووأد البنات..."............... ٢٥٠
"إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر..."................................. ١١٣
"إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"......................................................... ٢٤٤
"إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، والصوم"............................................. ١٤٨
"إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه..."........................................ ٢٥٥
"إن جاءت به أحمر قصيراً كأنه وحَرَة فلا أراها..."....................................... ٢٨٨
"إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا..."........................... ١٧٤
"إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض..."............................... ١٦٣
"إنا لا نستعين بمشرك"؟................................................................................... ١٤٣
"أنت ومالك لأبيك"....................................................................................... ١٧٥
"إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال..."........................................ ١٧٠
"إنكم سترون بعدي أثرة..."........................................................................ ١٣٧
"إنه ستكون هنات وهنات..."......................................................................... ٨٥
"إني حاملك على ولد ناقة..."....................................................................... ١١٤
"إني لا استعين بمشرك"..................................................................................... ٢٤٣
"أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح..."...................................................... ٣٠٧
"كان رسول الله - ﷺ - إذا أصاب غنيمة، أمر بلالاً..."................................................. ٢٠٠
"كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لم يدخلوا من قِبَل..."..................................... ١٥١
"كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيوت من ظهورها فأنزل..."........................ ١٥٢
"كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله - ﷺ -..."............................................. ١٦٠
"كل ما أديت زكاته وإن كانت تحت سبع أرضين فليس بكنز..."....................... ٢٧١
"كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله - ﷺ -..."..................................................... ٦٣
"كنت اغتسل أنا والنبي - ﷺ - من..."...................................................................... ٢٣٠
"لا تجالس أهل الأهواء، فإن مجالستهم..."............................................................ ٢٥٩
"لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم..."........................................................ ٢٦٠
"لا تنزلوا المسلمين ضفة البحر"............................................................................. ٢٠٦
"لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم..."................................................ ١٢٩
"لو لا هذه الآية لتتبع المسلمون عروق اللحم كما تتبعها..."................................ ١٤٤
"ما أبالي لو كان عندي مثل أحد ذهباً أعلم عدده..."......................................... ٢٧١
"ما خير رسول الله - ﷺ - بين أمرين قط، إلا أخذ أيسرهما..."................................. ١٨٨
"ما رأيت ذلك من النبي - ﷺ - ولا رآه مني"............................................................. ٣١٩
ابن عطية: ٩٨، ١١٩، ١٢٤، ١٢٥، ١٢٧، ١٤٤، ١٤٧، ١٥٢، ١٦٢، ١٧٢، ١٧٧، ١٧٨، ١٩٤، ٢٢٩، ٢٣٢، ٢٣٩، ٢٥٣، ٢٥٦، ٢٦٩، ٢٨٣، ٢٩٥، ٣٢٩، ٣٢٩.
ابن عمر: ٦٢، ١٤٥، ٢٦٩، ٢٧١، ٢٥٣، ٢٦٢، ٢٧٤، ٣٠١، ٣١٣.
ابن فارس: ٩٦، ١٠٩، ١١٤.
ابن فرحون: ٢٣، ٢٤، ٢٥، ٢٦، ٤١.
ابن قتيبة: ٩٠، ٩٨، ١٢٣، ١٨٦، ٢٨٢، ٣٤٩.
ابن قدامة المقدسي: ٨٣، ٨٥، ٩٥، ١٠٣، ١١١، ١٣٠، ١٣٩، ١٨٢، ٢٠٦، ٢٧٩، ٢٩٢، ٣١٢، ٣٣٠، ٣٣٦.
ابن كثير: ٢٦، ٣٥، ٨١، ٨٧، ٩١، ٩٨، ١٠١، ١١٢، ١٢١، ١٢٤، ١٥٦، ١٩١، ٢٠٨، ٢٢٨، ٢٣٦، ٢٤٢، ٢٥٤، ٢٧٣، ٢٨٢، ٢٨٣، ٣٢٥، ٣٣٣، ٣٣٦، ٣٥٢.
ابن ماجه: ٤٣.
ابن مسعود: ٩٨، ١٦٠، ١٨٩، ١٩١، ٢٢٧، ٢٥٣، ٣٠٩، ٣١٤، ٣٤٨.
ابن مفلح: ٢٧٩.
ابن مندة: ٢٠، ٣٣.
ابن منظور: ٩٧.
أبو إسحاق الاسفرائيني: ٩٣.
أبو إسحاق الشيرازي: ٢٣.
أبو إسحاق الهجيمي: ٣٠، ٣٣.
أبو إسماعيل عبدالله بن محمد الأنصاري الهروي: ٤٩.
أبو الحسن التمار: ٣٠، ٣٢.
أبو الحسن المصيصي: ٣٠، ٣٤.
أبو السعود: ٣٣٨.
أبو الطاهر الجنابي القرمطي: ١٢، ١٦، ١٧.
أبو العالية: ٨٨، ٢١٤.
أبو العباس الأصم: ٣٠، ٤٣.
أبو العباس بن العريف: ٤٣.
أبو القاسم البلخي: ١٦٨.
أبو الليث السمرقندي: ٨٩، ٩٨، ١٠١، ١٣٦.
أبو أيوب الأنصاري: ١٦٨.
أبو بكر الأبهري: ٣٢.
أبو بكر البرقاني: ٣٤.
أبو بكر الصديق: ٤٩، ٧١، ١٨١، ١٩٨، ٢٥٤، ٢٥٥، ٢٥٦، ٢٧٨، ٣٤٠، ٣٥٣، ٣٥٩.
أبو بكر بن العياش: ٣٤٨.
أبو بكر بن داود السجستاني" ٣٢.
أبو بكر محمد بن الفضل البابسيري: ٣٤.
أبو بكرة: ٣٤١.
أبو ثعلبة الخشني: ٢٥٣، ٢٥٦، ٢٦٣.
أبو ثور: ٢٨٧، ٣٤٠.
أبو جبيرة ابن الضحاك: ٣٥٥، ٣٥٧.
أبو جحيفة: ١٢٩.
أبو حامد الغزالي: ٤٩.
أبو حنيفة: ٤٦، ٤٩، ٥١، ١٠٠، ١٧٤، ١٨٣، ٢٠٢، ٢٢١، ٢٣٢، ٢٧٩، ٣٣٠، ٣٣٧، ٣٤٤، ٣٦٢.
أبو حيان: ٢٦، ٨٧، ١٤٤، ١٩٤، ٢١٨، ٢٥٣.
أبو داود: ٣٣، ٧٩، ١١٥، ١٩٨، ٢٠٠، ٢٤٤، ٣١٤.
أبو ذر: ٢٦٩، ٢٧٢، ٢٧٣، ٢٧٥.
أبو زرعة: ٢٠.
أبو سعيد: ٣٤، ٧٧، ٧٩، ٢٥٦.
٢٨)... الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار، لأبي عمر يوسف بن عبد البر، دار قتيبة، دمشق، ط١، ١٤١٤هـ.
(٢٩)... الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لأبي عمر يوسف بن عبد البر، نهضة مصر، القاهرة، تحقيق: علي محمد البجادي.
(٣٠)... أسد الغابة لعلي بن محمد ابن الأثير، مطبوعات الشعب، القاهرة، ١٩٧٠م.
(٣١)... أسنى المطالب، لأبي يحيى زكريا محمد بن زكريا الأنصاري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط٣، ١٤٠٣هـ.
(٣٢)... الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية، لنجم الدين سليمان بن عبد القوي الطوفي، الفاروق الحديثة، ط١، ١٤٢٣هـ، تحقيق: حسن عباس قطب.
(٣٣)... الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، لجلال الدين السيوطي، المكتبة العصرية، بيروت، ط١، ١٤٢١هـ، تحقيق: عبد الكريم الفضيلي.
(٣٤)... الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط١، ١٤١٥هـ، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض.
(٣٥)... أضواء البيان لمحمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط١، ١٤١٧هـ.
(٣٦)... الاعتصام، لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، مكتبة التوحيد، المنامة، الحرمين، ط١، ١٤٢١هـ، تحقيق: مشهور آل سلمان.
(٣٧)... إعراب القرآن، لأبي جعفر أحمد بن محمد النحاس، عالم الكتب، بيروت، ١٤٠٩هـ، ط٣، تحقيق: د. زهير غازي.
(٣٨)... إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية، دار ابن الجوزي، ط١، ١٤٢٣هـ، تحقيق أبو عبيدة مشهور آل سلمان.
(٣٩)... الأعلام، قاموس تراجم الأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط٦، ١٩٨٤م.
(٤٠)... الأعلام، للزركلي، دار القلم، بيروت، ط١٢، ١٩٩٧م.
(٤١)... اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، لابن تيمية، مكتبة الرشد، الرياض، ط٥، ١٤١٧هـ، تحقيق: ناصر عبد الكريم العقل.
سورة النساء:............................................................................................................. ٢٠٧
سورة المائدة:............................................................................................................. ٢٢٢
سورة الأنعام:............................................................................................................ ٢٥٨
سورة التوبة:.............................................................................................................. ٢٦٧
سورة الإسراء:........................................................................................................... ٢٨٠
سورة الكهف:.......................................................................................................... ٢٩٨
سورة الحج:.............................................................................................................. ٣٠٣
سورة النور:............................................................................................................... ٣٠٨
سورة القصص:......................................................................................................... ٣٢٨
سورة لقمان:............................................................................................................. ٣٣٢
سورة ص:................................................................................................................. ٣٣٥
سورة الأحقاف:....................................................................................................... ٣٤٧
سورة الحجرات:....................................................................................................... ٣٥٣


الصفحة التالية
Icon